منهم من قاده الجوع، ومنهم من انتقم لشرفه، ومنهم من أغرته ملذة عابرة اختلسها في لحظة طفولة محرومة، لكن اغلبهم لا يستوعب أنه داخل الزنزانة، يجاور القاتل والسارق والمنحرف، السجون ومراكز الإصلاح لا تستوعبهم ولا تستوعب قلق طفولتهم ولا نزق مراهقتهم، وفي الوقت الذي يبدو فيه السجن طريقا غير مأمون العواقب، تظهر فسحة أمل مع أناس حملوا مشعل حمايتهم، ومراقبة طفولة تحرق أيامها وراء القضبان، وتصر على اعتبارهم أبرياء، مطلقة عليهم اسم «أطفال في خلاف مع القانون»..في هذا التحقيق "فبراير.كوم" تعبر الجدران للإنصات إلى أطفال يقبعون خلف القضبان. من المذنب اطفال السجون ام المجتمع؟؟ بتؤدة وبخطوات يريد أن يوحي بها أنه واثق من نفسه، يتجول الطفل (س) في ردهات سجن طنجة، يقوم بحركات رياضية، ولا يتحدث كثيرا.. (س) مسجون على خلفية قتل مع سبق الإصرار والترصد، عقوبته عشر سنوات وهو يبلغ من العمر 14 عاما، كان (س) ضحية مختلف أنواع الاستغلال من طرف القتيل المنحرف الذي كان يستغله رفقة عدد من أطفال مدرسة إعدادية توجد بقلب طنجة. المنحرف كان يوظف الأطفال في السرقة والنشل وأحيانا السرقة بالعنف والاعتداء بالسلاح الأبيض، حيث كان يضع الخطط ويطلب من أطفال في عمر الزهور تنفيذها، منها عملية شهيرة للسطو على حواسيب شركة تدبير الماء والكهرباء بطنجة. قصة (س) بدأت عندما أحس بأن القتيل، الذي كان يستأجر محلا للمتلاشيات بالسوق الداخلي بمدينة طنجة، يدس له مخدرات قوية ويستغله جنسيا، وهو ما جعل الطفل يخطط للانتقام لشرفه، فقام في إحدى الليالي بدس المخدر لمستغله، وقام بتقطيع جثته إلى أطراف باستعمال منشار كهربائي، ثم توجه إلى أقرب مركز للشرطة وبلغ عن ذلك. (س) يوجد حاليا بسجن طنجة، الذي لا يوجد فيه معزل خاص بالقاصرين، وهو ما جعله يعيش فترة سجنه وفق خطة رسمها له طبيب نفسي، بمساعدة جمعية أصدقاء مراكز الإصلاح وحماية الطفولة، تقتضي الخطة بعدم الاختلاط بالمساجين، والقيام بتمارين رياضية مواظبة، والتصرف ببطء أثناء جميع الأنشطة داخل السجن، أثناء الطبخ، أثناء الاستراحة اليومية، كما تتطلب الخطة الصمت الطويل، وهي استراتيجية تفيده في تفادي أنواع التحرش المادي والمعنوي الذي يتعرض له القاصرون داخل السجن. والد (س) إمام بأحد مساجد هوامش طنجة، وهو يشتكي من العبء المادي الذي تشكله قفة السجن التي تتحول إلى عملة داخل الأسوار بها يستطيع الطفل السجين شراء كل شيء من الممنوعات وحتى الأمان وضمان عدم التعرض له بأذى. الأب يتوقع من الجمعية أن تقوم بالإنفاق على ابنه وهو أمر ليس متاحا، لكن أمرا آخر يجب الإشارة إليه، هو أن عصابة الأطفال التي كانت ضحية إلى جانب (س) تنتظر خروجه لتأسيس عصابة أقوى. السجين النابغة قبل أيام احتفل مركز إصلاح الطفولة بأحد النزلاء الذين يشكلون ظاهرة، حيث حصل على شهادة الإجازة، وهو حاليا ينتظر البت في ملفه قصد التسجيل في الماستر. محمد شجاع، المنسق والمسؤول التربوي ب«مركز الإصلاح والتهذيب عين السبع»، يحكي عن الطالب المتفوق الذي دخل السجن بتهمة الضرب والجرح والتشويه، حيث اعتدى على صديقة له في المدرسة الثانوية كانت تربطه بها علاقة عاطفية، وهو يقضي عقوبة 10 سنوات سجنا بدأها وهو في سن السادسة عشرة، وقد اجتاز امتحانات الباكالوريا بتفوق، وتابع دراسته الجامعية بنجاح حتى حصل على الإجازة، وغالبا ما يشاهد وهو يطالع كتابا، وقد استطاع خلال السنوات التي قضاها إلى حدود اليوم أن يتفوق في سبع لغات حية تحدثا وكتابة. يجلس السجين النابغة في قاعة المطالعة لساعات طويلة، وهو يحظى باحترام كبير لدى الجميع، سجناء وسجانين، ويت خذ الطالب السجين من أحد تلامذة الباكالوريا السجناء صديقا وحيدا، مما حمس التلميذ السجين على اجتياز امتحانات الباكالوريا للموسم 2011/2012 بنجاح كبير، وقد خصص المركز حفلا احتفى فيه بالتلاميذ السجناء النجباء. من أجل حفنة تمر من أجل حفنة تمر اختلسها وهو في طريقه إلى المدرسة، اعتقل (س) وتوبع بعقوبة شهرين، الأمر الذي لم يستوعبه المتابعون لحالته من مراكز الإصلاح. الطفل الذي دخل إلى السجن في سن الثالثة عشرة سيصبح سارقا محترفا، بعدما تلقى دروسا في أصول الحرفة (السرقة الموصوفة)، عاد الطفل إلى السجن مرة ثم مرتين، بعد ذلك سيعود إلى السجن أربع عشرة مرة، وهو رقم قياسي بالنظر إلى سنه. (س) يعتبر اليوم من أخطر الممارسين للسرقة الموصوفة والنشل، لم يستفد من أي برنامج لإعادة الإدماج، وهو حالة جد صعبة ومعقدة حسب شهادات الفاعلين الاجتماعيين والحقوقيين. المغتصب الفخور طفل مختلف يقبع في السجن، إلى حدود اليوم يعتبر (ع. 16 سنة) نفسه قام بإنجاز كبير، حينما اغتصب صديقته في المدرسة، بل وتناوب عليها هو وأحد رفاقه. هذا الطفل يتصرف كراشد داخل السجن، نظراته مليئة بالتحدي وهو يتحدث إلى المذنبين بصيغة توحي بأنه يريد تعلم أصول الحرفة، ويتطلع إلى وضع بصمة في السجن خلال فترة عقوبته. الطفل السجين يعتبر أن السجن للرجال، وهو يختار أصدقاءه الجدد بعناية فائقة، من عتاة المذنبين ومن صفوة السجناء، على اعتبار أن السجن «مدرسة»، (ع) قال لوالدته أثناء زيارة إنه يدبر مستقبله من داخل الجدران، وعندما سيخرج سيشتغل في عمل يدر أموالا كثيرة وسينهي كل معاناتها، وسينتقم ممن أهانوه في صغره وأذلوه لفقره. الراعي وأخته بإحدى الغابات المتاخمة للمجال الحضري لطنجة، كان (م)، ذو الأربعة عشر عاما، يمارس رعي الغنم رفقة صديق له، وكانا يستعملان كوخا للمبيت وحراسة القطيع. أخت (م) فتاة منحرفة تقوم بالسعي في أسواق طنجة نهارا وتعود في الليل محملة بالطعام والخمور والمخدرات، لتبيت رفقة أخيها وصديقه. ستكتشف الأخت أن أخاها يخضع لرغبات صديقه الجنسية، وأنه أصبح مدمنا على ممارسة الشذوذ، مما جعلها تستنكر ذلك على أخيها وتعايره بشذوذه وعدم رجولته، وهكذا كانت تستفزه، بشكل مداوم، إلى أن جاء اليوم الذي سيقدم فيه (م) على قتل عشيقه. (م) يوجد حاليا في إحدى زنازين سجن طنجة، ويصر على النوم بجانب الجدار حتى يأمن تحرشات السجناء الراشدين، الذين يعلمون تفاصيل جريمته، وهو من الأطفال السجناء الذين يخلقون بين الفينة والأخرى حالات استنفار كبرى داخل السجن حين يبدأ في الصراخ بشكل هستيري، أو عندما تعتريه حالات الغيبوبة. عند البحث النفسي مع (م) اكتشف المكلفون بحالته أنه فعلا يرغب في ممارسة الشذوذ، لكنه يصر على اختيار رفيق له بدل اغتصابه أو ممارسة الجنس عليه بالعنف. (م) يرتبط بالجمعية لأهداف أخرى غير حمايته ودعمه، إنه يخاف التنقيل من سجن طنجة، وهو يعلم أن الاشتغال على ملفه من طرف الفاعلين والجمعويين والحقوقيين سيمنع ترحيله من سجن طنجة. لماذا تركوني أقتله كانت المشادة بين (ب) 14 عاما، وصديقه أمام بوابة المدرسة عادية ومن تلك المشاجرات التي تحدث كثيرا كل يوم بين المراهقين. (ب) تلقى الإهانات من خصمه وفكر في استرجاع كرامته، اختطف سكينا من أحد الأطفال المتجمهرين حولهم، وطعن به خصمه الذي فارق الحياة. عندما استجوب فاعل جمعوي (ب) عن سر ارتكابه للجريمة قال بكل براءة إنه «عادة يتدخل المتفرجون بين المتخاصمين، وكنت أنتظر أن يحول بيني وبينه أحد لكنهم لم يتدخلوا، وهكذا تورطت في الجريمة». يواجه (ب) عقوبة حبسية تصل إلى بضع سنوات، وهو اليوم يعيش في سجن الدارالبيضاء المخصص للقاصرين «مركز عين السبع»، وهو يحاول إظهار إمكانياته الدراسية وتغيير نظرة المجتمع إليه كقاتل، يقول: «لقد استوعبت جيدا الدرس، أصدقائي لم يكونوا يريدون سوى التفرج ومشاهدة العراك، وأنا نادم على ما فعلت». الفتاة المستهدفة فتاة بلغت لتوها سن الرشد، لكنها ارتكبت جريمتها أثناء فترة مراهقتها، حيث كانت ضمن عصابة نصب واحتيال على المؤسسات المالية (بنوك، ومؤسسات القروض الصغرى)، كانت تنتحل صفة موظفة صغيرة وتأخذ قروضا، ثم تبدأ رحلة الهروب إلى أن وقعت في قبضة الشرطة. حالة هذه الفتاة تستدعي نقلها إلى الدارالبيضاء، فمدينة طنجة لا تتوفر على مركز لحماية القاصرات، الفتاة أيضا لا تسلم من تحرش النزيلات السحاقيات، اللواتي يجدن في هذا النوع غايتهن، وهي تعتبر أن هناك ما هو أكبر من التحرش والاستغلال الجسدي، وهو الاستعباد، حيث يتخذ الراشد من القاصر خادما له لقضاء حوائجه حتى الأكثر حميمية، وجمع قاذوراته وإرساله لجلب الممنوعات، وقد يصل الأمر إلى تأجيره لسجين/سجينة آخر ليلة أو ليلتين بغرض الاستمتاع به، وذلك حسب المصالح والنفوذ. الجوع طريق السرقة طفل يبلغ من العمر 16 سنة، عانى التفكك الأسري حيث تزوج أبوه من امرأة ثانية ستبعده عن أسرته الأولى، وبالتالي عن الإنفاق على هذه الأسرة. الطفل (ك) سيضطر إلى الاشتغال بأعمال مؤقتة، وأحيانا إلى السرقة لإطعام خمسة أفواه جائعة تتكدس في غرفة ضيقة بالمدينة القديمة، سيضبط (ك) متلبسا بالسرقة وهو يواجه عقوبة حبسية متوسطة. الأب المسؤول أولا وأخيرا عن انحراف ابنه، الذي كان تلميذا في السلك الإعدادي، يمتنع عن زيارة ابنه، وهو الأمر الذي يجد الأخصائيون الاجتماعيون صعوبة في معالجة آثاره على نفسية الطفل السجين. الراشد المزيف كان (م) يتجول رفقة صديق له فإذا بالشرطة تعتقله وتوجه إليه تهمة ممارسة الفعل الشاذ، وحسب تصريحاته للضابطة القضائية لم يكن (م) يعلم أن صديقه معروف بشذوذه الجنسي. الطفل الذي كان يتابع دراسته الإعدادية، سيلجأ إلى الكذب أمام القاضي في ما يتعلق بسنه ومستواه الدراسي، ويواجه الطفل (م) عقوبة ثلاثة أشهر. أحد الفاعلين الجمعويين سينتبه إلى قدرات الطفل المعرفية وسيكتشف أنه يكذب في ما يتعلق بمستواه الدراسي، فقد كان متفوقا ولم يكرر أي فصل، وقد قام بذلك اعتقادا منه أن تقديم نفسه كراشد أو تلميذ كسول سيجعله في منأى عن الاعتداءات داخل السجن أو التحرش، فمنطق السجن يعطي الحظوة للمنحرفين. المدلل المنحرف كان مقر سكناه الراقي يجاور حيا عشوائيا، حيث استقطبه مجموعة من المنحرفين القًصر، وبحكم توفره على المال كان يقتني المخدرات وحبوب الهلوسة لرفاقه من ذلك الحي. الإهمال الأسري الذي عانه بسبب انشغال والدته بعملها، كان من أسباب انحراف (أ)، وحين ستكتشف أم (أ) تعاطي ابنها للمخدرات ستمنع عنه المصروف اليومي، مما جعله يلجأ مع رفاقه الجدد إلى البحث عن موارد مالية، كانت هذه أولى خطواته في عالم الجريمة، وبواسطة فتاة منحرفة سيضع (أ) خطة لاستدراج أجنبي وسلبه ماله عن طريق الفتاة، وعندما اكتشف الأجنبي الباحث عن المتعة الفخ، سيعالجه (أ) بطعنة ستتسبب في موته. الحالة النفسية للطفل (أ) اليوم داخل السجن مهزوزة، وهو يتابع دراسته داخل مركز الإصلاح والتهذيب، ويتمنى الخروج ليعتذر إلى والدته عما ارتكبه من سلوكات منحرفة، وهو يعد بأن يكون رجلا صالحا.