يصادف 10 دجنبر من كل سنة اليوم العالمي لحقوق الانسان، وهو اليوم الذي تم اقراره سنة 1948، وبناسبة اصدار الاعلان العالمي لحقوق الانسان. وفي هذا السياق، تستضيف "فبراير"، الدكتور خالد الشرقاوي السموني، الرئيس السابق للمركز المغربي لحقوق الانسان، من أجل نقاش الوضعية الحقوقية بالمغرب. * مرحبا أستاذ الشرقاوي…بالتزامن مع اليوم العالمي لحقوق الانسان في نظركم كيف يمكن تقييم تجربة المغرب في مجال حقوق الانسان ؟ شكرا لموقع "فبراير" على الاستضافة…بخصوص السؤال المطروح فإن النهوض بحقوق الإنسان وحمايتها في المغرب عرف تطورا ملحوظا منذ التسعينات في عهد المرحوم الملك الحسن الثاني، من خلال إحداث المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين و إحداث الهيئة المستقلة لتعويض ضحايا الاعتقال التعسفي و إصدار دستور جديد سنة 1992 الذي نص في ديباجة على التزام المملكة المغربية باحترام حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا و إصدار القانون المحدث للمحاكم الإدارية سنة 1993 التي ساهمت في حماية حقوق وحريات المواطنين، كما نذكر تعديل قانون المسطرة الجنائية لحماية حقوق المتهمين و ضمان المحاكمة العادلة، وقانون التصريح بالممتلكات، فضلا عن إصدار مجموعة من القوانين أو تعديل تشريعات موجودة بهدف حماية حقوق الإنسان و النهوض بها. وبعد اعتلاء الملك محمد السادس الحكم، تقوت أكثر منظومة حقوق الإنسان وتم إرساء أسس دولة الحقوق والحريات من خلال تكريس المفهوم الجديد للسلطة وبفضل قرارات هامة وشجاعة تم اتخاذها في هذا المجال، كان أبرزها إحداث هيئة الانصاف والمصالحة التي انكبت على موضوع الانتهاكات السابقة لحقوق الإنسان، و التي تعد فريدة من نوعها و تعتبر تجربة نموذجية يقتدى بها في إفريقيا والعالم العربي. ونذكر أيضا اعتماد المغرب دستور جديد سنة 2011 يكرس الحقوق والحريات والمساواة والمناصفة، ويعزز مكانة حقوق الإنسان ببلادنا، ويتضمن ما لا يقل عن 60 مادة متعلقة بالحقوق والحريات. كما انضم المغرب لعدد مهم من الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وأصدر عددا من القوانين والنصوص التشريعية التي تساهم في تطوير مبادئ حقوق الانسان، وقام بتعديل نصوص أخرى لملاءمتها مع هذه المبادئ، من أهمها إلغاء محاكمة المدنيين بالمحاكم العسكرية، وغيرها من الإصلاحات التشريعية والمؤسساتية. كما يواصل المغرب مسيرته على درب تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات، تجلى ذلك في صدور مدونة الأسرة سنة 2004، وفي دستور سنة 2011. كما أن الملك محمد السادس يضع حقوق المرأة من أولويات حقوق الانسان. وفي نفس السياق تمت مراجعة قانون الجنسية لتمكين المرأة من منح جنسيتها المغربية لأبنائها الذين أنجبتهم من زوج أجنبي. ولأول مرة في تاريخ المغرب، تم تمكين المرأة المغربية من الحق في ممارسة خطة العدالة (مهنة العدول) إلى جانب الرجل. إذن هناك تطور مهم وإيجابي لمسار حقوق الانسان بالمغرب وتجربة رائدة تستحق التنويه رغم بعض النواقص التي تعتريها. * هل تطورت الممارسة الاتفاقية للمغرب في الآونة الأخيرة ؟ أشير هنا إلى أن المغرب انضم لمعظم الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، كان آخرها الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري التي انظم إليها سنة 2013. كما صادق المغرب سنة 2012 على أهم البروتوكولات الملحقة بالاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، كمصادقته على البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، بالإضافة إلى البروتوكول الاختياري لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة والبروتوكول الاختياري الأول الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. فضلا عن ذلك فإن الدستور الحالي لسنة 2011 قد كرس بشكل واضح سمو الاتفاقيات الدولية على التشريعات الوطنية. فقد تم التنصيص في التصدير الذي يعتبر جزءا من الدستور على جعل الاتفاقيات الدولية كما صادق عليها المغرب، وفي نطاق أحكام الدستور وقوانين المملكة وهويتها الوطنية الراسخة تسمو فور نشرها على التشريعات الوطنية والعمل على ملاءمة هذه التشريعات مع ما تتطلبه تلك المصادقة. فدستور 2011 شكل تقدما واضحا بالمقارنة مع دستور 1996 الذي بقي متسما بالغموض فيما يتعلق بمركز المعاهدات في الهرمية القانونية المغربية. فالدستور الحالي يكرس مسلسل انخراط المغرب في هذه الحركية الحقوقية العالمية التي تسعى إلى إدماج القانون الدولي في صلب القانون الداخلي. ولذلك يتضح جليا أن المغرب استطاع تطوير الممارسة الاتفاقية في السنوات الأخيرة من أجل تكريس كونية حقوق الانسان والالتزام بالقانون الدولي لحقوق الانسان و القانون الدولي الإنساني أيضا. * اختار المغرب إنشاء العديد من المؤسسات التي تختص في مجال حوق الانسان في نظرك هل قدمت الإضافة المنشودة ؟ لا يمكن في هذا الصدد إلا ننوه بمجهودات عدد من المؤسسات التي تعنى بحقوق الانسان بالمغرب كالمجلس الوطني لحقوق الانسان ووسيط المملكة والهيئة المركزية لمحاربة الرشوة، لأنها ساهمت في تطوير منظومة حقوق الانسان ببلادنا. ولايمكن بأي حال من الأحوال تبخيس عملها، رغم الصعوبات القانونية والبشرية والمادية التي تعترضها. فالمجلس الوطني لحقوق الانسان مثلا ساهم في إصدار أو تعديل عدد من القوانين والتشريعات لدعم منظومة حقوق الانسان وملاءمتها مع الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، وأصدر مجموعة من التوصيات في هذا الشأن. كما ساهم في توسيع النقاش المجتمعي وتعميقه حول قضايا حقوقية مختلف حولها داخل المجتمع المغربي، كإلغاء عقوبة الإعدام وفي الارث وتنظيم قضية الإجهاض و قضايا الحريات الفردية. وأشير أيضا إلى الآليات الوطنية الحمائية التي أحدثها القانون المتعلق بالمجلس الوطني لحقوق الانسان، سواء تلك المتعلقة بالوقاية من التعذيب أو حماية الطفولة ودعم ذوي الاحتياجات الخاصة، بالإضافة إلى آلية محاربة كافة أشكال التمييز ضد المرأة. هذه الاليات التي ننتظر منها الفعالية والنجاعة في العمل والمساهمة الفعلية في مجال حماية حقوق الانسان. * ماهي الشوائب التي لا زالت تعترض طريق الدولة المغربية أمام المضي قدما في هذا المجال ؟ بطبيعة الحال، هناك تحديات تواجه بلادنا، حالا و مستقبلا. فرغم هذا التقدم الحاصل في مجال حقوق الإنسان، فالتحديات كبيرة ومرتبطة أساسا بمطالب العدالة الاجتماعية وتوسيع فضاء الحريات والنهوض بالحقوق الاجتماعية، خاصة فيما يتعلق بالشغل والصحة والتربية والتكوين، وبالدرجة الأولى في أوساط الشباب. كما أن هناك مجموعة من الحقوق ينبغي النهوض بها، خاصة تلك المرتبطة بالحقوق الثقافية والبيئية. وهي تحديات لها صلة مباشرة بالتنمية المستدامة والمساواة الاقتصادية والعدالة المجالية، خصوصا وأن المغرب يعرف بروز جيل جديد من حقوق الإنسان، ينادي بمزيد من العدالة الاجتماعية وبمزيد من العدالة المجالية التي تعتبر شرطا أساسيا لإنجاح مشروع الجهوية الموسعة المتقدمة. ورغم ذلك، قد حقق المغرب تقدما كبيرا في مجال حقوق الانسان، ولا ينبغي تبخيس المنجزات التي حققها في مجال حقوق الانسان ورسم صورة قاتمة وسوداوية للوضع الحقوقي بالمغرب. كما لا يجب التركيز على بعض الحالات المعزولة، واعتبارها أنها هي الأصل، لأن ذلك يرسم صورة خاطئة عن المغرب، كأنه دولة يُمارس فيها التعذيب بطرق ممنهجة ويتم الاعتقال التعسفي بشكل مضخم. وأنا دائما أدعو إلى اعتماد الموضوعية والاستقلالية والحياد في تناول القضايا الحقوقية. حقيقة هناك انتهاكات وخروقات في مجال حقوق الإنسان تحصل في المغرب، و ليس في المغرب فقط، بل حتى في بعض دول أوربا وأمريكا التي تعيش انتهاكات وحالات اعتداء، لأن الانتهاك تصرف بشري قد يحصل في أي دولة في العالم، لكن القول بأنه عندنا خلل أو ضعف في آليات حماية حقوق الإنسان أو أن هناك تراجع في المكتسبات الحقوقية ببلادنا، فهذا خطأ، إما عن سوء فهم أو مزايدة. إذن، يجب أن نكون موضوعيين، إذ ثمة أمور إيجابية يجب أن نتحدث عنها، وهناك نقائص يجب العمل من أجل تجاوزها. وهذا دور المنظمات الحقوقية الوطنية . المغرب خطى خطوات مهمة في مجال حقوق الإنسان مقارنة بدول أخرى وهذا التقدم تفتخر به، والمغرب يعتبر اليوم نموذجا في تجربته في مجال حقوق الإنسان على المستوى العربي والافريقي، سواء على مستوى الآليات الحمائية، وعلى مستوى القوانين والهيئات والمؤسسات في هذا الخصوص.