إن مسار النهوض بحقوق الإنسان وحمايتها في المغرب عرف تطورا ملحوظا، إذ تم إرساء أسس دولة الحق والقانون بفضل قرارات هامة وشجاعة تم اتخاذها في هذا المجال، كان أبرزها إحداث هيئة الإنصاف والمصالحة التي انكبت على موضوع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان سابقا، والتي تعد فريدة من نوعها وتعتبر تجربة نموذجية يقتدى بها في إفريقيا والعالم العربي. ونذكر أيضا اعتماد المملكة المغربية دستورا جديدا سنة 2011، يكرس الحقوق والحريات والمساواة والمناصفة، ويعزز مكانة حقوق الإنسان ببلادنا، ويتضمن ما لا يقل عن 60 مادة متعلقة بالحقوق والحريات. كما انضم المغرب إلى عدد مهم الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وصادق على أهم البروتوكولات الملحقة بها، كمصادقته على البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وأصدر عددا من القوانين والنصوص التشريعية التي تساهم في تطوير مبادئ حقوق الإنسان، وقام بتعديل نصوص أخرى لملاءمتها مع هذه المبادئ، من أهمها إلغاء محاكمة المدنيين بالمحاكم العسكرية، واستمرار إصلاح منظومة العدالة، وإحالة العديد من ملفات الفساد والرشوة على القضاء، وكذا فتح تحقيقات في بعض التجاوزات المتعلقة بالتعذيب، وإعداد السياسات الحكومية في مجال حقوق الإنسان والحرص على ملاءمتها مع القانون الدولي الإنساني. وأيضا ينبغي تثمين الإستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء التي تبناها المغرب في ما يتعلق باستقبال وإدماج المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء، وإحداث الآليات الوطنية الحمائية في مشروع القانون المتعلق بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان، المتعلقة بالوقاية من التعذيب أو حماية الطفولة ودعم ذوي الاحتياجات الخاصة، بالإضافة إلى آلية محاربة كافة أشكال التمييز ضد المرأة . كما أن المنظمات الحقوقية، بما فيها المجلس الوطني لحقوق الإنسان والجمعيات الحقوقية المدنية، ساهمت في توسيع النقاش المجتمعي وتعميقه حول قضايا حقوقية مختلف حولها داخل المجتمع المغربي، كإلغاء عقوبة الإعدام والمساواة في الإرث وتنظيم قضية الإجهاض وقضايا الحريات الفردية؛ وهذا يعبر عن المستوى الرفيع الذي وصلت إليه المنظمات غير الحكومية المغربية المهتمة بحقوق الإنسان، ومستوى تفاعلها مع كافة الآليات والميكانيزمات الدولية لمراقبة تفعيل وتنفيذ الاتفاقيات التي صادقت عليها المملكة . وأمام تحقيق كل هذه الإنجازات، يتعين لفت الانتباه إلى أن هناك تحديات تواجه بلادنا، حالا ومستقبلا؛ فرغم التقدم الحاصل في مجال حقوق الإنسان، فالتحديات كبيرة ومرتبطة أساسا بمطالب العدالة الاجتماعية وبالتوزيع العادل للثروات وبتوسيع فضاء الحريات، ومكافحة العنف ضد النساء، إلى جانب معالجة الوضعية الاعتبارية للمرأة من خلال إعادة النظر في عدد من مقتضيات مدونة الأسرة، ومناهضة كل أشكال التمييز ضدها وتبني مقاربة النوع في مجموع السياسات العمومية. أيضا هناك مجموعة من الحقوق ينبغي النهوض بها، خاصة تلك المرتبطة بالحقوق الثقافية والاجتماعية والبيئية؛ وهي تحديات لها صلة مباشرة بالتنمية المستدامة والمساواة الاقتصادية والعدالة المجالية، خصوصا وأن المغرب يعرف بروز جيل جديد من حقوق الإنسان، ينادي بمزيد من العدالة الاجتماعية وبمزيد من العدالة المجالية التي تعتبر شرطا أساسيا لإنجاح مشروع الجهوية الموسعة المتقدمة والنموذج التنموي الجديد. ولذلك لا ينبغي تبخيس المنجزات التي حققت في هذا المجال، ورسم صورة قاتمة وسوداوية عن الوضع الحقوقي بالمغرب، خاصة لدى المنتظم الدولي، لأن هناك مسارا إيجابيا لحقوق الإنسان ببلادنا. *كاتب وناشط حقوقي