قال الأمير هشام العلوي في محاضرة ألقاها في المدرسة العليا للتجارة بباريس، بعد مرور سنة على الحراك العربي، إن حزب العدالة والتنمية ديمقراطي ولكنه ليس حزبا متحررا، وأضاف أن هذا النموذج العلماني الذي يمارس جاذبيته علي دول المنطقة مختلف عنا، وفيما يلي ملخص لأهم ما جاء في مداخلته التي تطرق فيها إلى القضية الفلسطينية والرهانات المطروحة على المجتمع الدولي. صحيح أن للنموذج التركي جاذبيته الخاصة على دول المنطقة. لكن، لتركيا تاريخ مختلف جدا عن تاريخ منطقتنا، يتمثل أساسا في عقود من العلمانية المتسلطة والمفروضة من فوق. وبالتالي لا أعتقد أن النموذج التركي يملك بالضرورة شعبية لدى الرأي العام في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فما يسمى بالنموذج التركي ليس هو نموذج المؤسسات التركية، بل هو نموذج حزب العدالة والتنمية التركي الذي حول بنجاح الإسلاميين السابقين إلى حزبيين حداثيين ومحافظين في الآن نفسه في إطار ديمقراطية برلمانية، وفي إطار الفصل بين الدولة والدين.. يتعلق الأمر إذن بعنصرين جد مختلفين، فهم ديمقراطيون لكن ليسوا متحررين. الآن، بغض النظر عن النموذج التركي ما الذي سيحدث في المنطقة ويكون له الفضل في تسريع التحول؟ يمكن القول أن التحولات كبيرة ومحفوفة بالمخاطر، فمثلا الوضع في مصر يمكن أن يصل إلى المستنقع أو إلى تسريع التحول، أما في تونس مثلا فثمة مؤشرات يمكن أن تسرع صيرورة التحول كبلد لديه حظوظ كبيرة للنجاح، وما يمكن أن يقع في ظل الملكيات سيكون له دور رئيسي. وإذا وقعت أي أحداث في الجزائر سيكون لها وقع كبير على المغرب، وطبعا هناك الوضع السوري المثير للقلق، فثمة تطور متصاعد للجيش الحر، ولا يمكن اغفال نفاذ صبر بعض دول الجوار كتركيا التي يمكن أن تتدخل في حال تعمق الأزمة، فنحن الآن بالفعل أمام سيناريو حرب أهلية تتسم بالمواجهة بين الجيش السوري الحر وقوى النظام، كما أن موقف ودور المجتمع الدولي قد يتغير، إذا ما قررت تركيا إشراك دول غربية في إقامة منطقة محظورة الطيران أو منطقة عازلة على الحدود، وكيف ما كان الحل، فإن نظام الأسد فقد السيطرة على الوضع وفقد شرعيته، ولا يمكنه أن يدعي أي سلطة معنوية على المجتمع. .................... على قيادتي حماس وفتح أن تتكيف مع الربيع العربي القضية الفلسطينية فقدت مكانة الصدارة وأصحبت ثانوية مع مجيء الربيع العربي، وأصبح الحديث أقل كذلك عن العلاقة بين فتح وحماس. لا أحد يمكنه التنبؤ بما سيقع في فلسطين. فالمشكل بين فتح وحماس لم يتم حله، وإنما تم تأجيله فقط بتخل من مصر، كما أن فتح وحماس تدركان أن المتلازمة التي أصابت الأنظمة قد تطالهما، وبالتالي أصبحا مهددين كذلك. لكن بالنظر إلى جمود موقف الحكومة الإسرائيلية ورفض واشنطن ممارسة الضغط على تل أبيب، لم يبقى لحماس وفتح خيارا آخر سوى تشكيل جبهة وائتلاف. فقد تفاجئ القياديون الفلسطينيون كغيرهم بالربيع العربي، ولا يجب أن ننسى أن الفلسطينيين قد مارسوا خيارهم الديمقراطي من خلال انتخابات 2006 والتي اعترف الجميع بنموذجيتها، ولأنهم مارسو اختيارهم الحر تمت معاقبتهم من طرف الغرب من طرف اوروبا وأمريكا، وعلى الرغم من من سلف يجب الاعتراف بأن على قيادتي حماس وفتح، أن تتكيف مع سياق الربيع العربي ومع ثقافة ديمقراطية أكثر عمقا من تلك التي مارسوها في السابق، وكذلك مع حركة فلسطينية أكثر ديمقراطية تجدد نفسها بتكتيكات جديدة تتجنب بأي ثمن العنف ضد المدنيين، وهو شرط أساسي لخدمة القضية الفلسطينية ونجاحها. وبالنظر إلى عدم قدرة المجتمع الدولي على تغيير الوضع في الميدان، وأخذا بعين الاعتبار عدم قدرته على وقف ضم القدسالشرقية ووقف مسلسل الاستيطان، فإن كل ذلك يجعل تسوية النزاع بين الدولتين بعيد المنال.
على المجتمع الدولي أن يتوقف عن دعم الأنظمة الإستبدادية في هذا الصدد يجب التأكيد على وجود عدة مجتمعات دولية وليس واحدا موحدا. فهناك أمريكا وحلفاؤها وهم الذين يوصفون خطأ بالمجتمع الدولي، فهناك دول المنطقة، وهناك شعوب المنطقة، وثمة كذلك فاعلين آخرين لديهم موقع في مجلس الأمن كروسيا والصين، وكل هؤلاء لهم تصورهم الخاص للمنطقة، وقد فوجؤا كلهم بالأحداث التي وقعت في تونس. كما أن إيقاظ الشعوب خلط جل الترتيبات الدولية السابقة في المنطقة، فأمريكا التي كانت شبه متيقنة من استقرار الأنظمة السلطوية فقدت توازنها وتبحث لنفسها عن دور جديد. وقد تتبعتم كيف ترددت كثيرا قبل دفع حليفها القديم مبارك إلى التنازل عن السلطة، والتحالف مع أوروبا للتدخل ضد حليفها معمر القدافي، ومارست حيادا سلبيا في أحداث البحرين، وهذا يدل على إستراتيجية غير متجانسة لأمريكا في موضوع الربيع العربي. كما أن الصين وروسيا كانتا ضد التدخل في ليبيا. فكل الفاعلين الدوليين لهم مصالح اقتصادية وإستراتيجية بعيدة المدى وبالتالي سوف يدافعون عنها، وقد غيروا من أجل ذلك تكتيكاتهم وتحالفاتهم في المنطقة من أجل الحفاظ على مصالحهم. ومن المؤكد أن الشعوب ومجتمعات المنطقة هي التي تضطلع بدور الفاعل الرئيسي، وعلى الرغم من انقساماتها فإنها تبني استراتيجيات للتأثير في الأحداث. .. يتوجب علينا الدفع في اتجاه ميلاد دور جديد وسياسة خارجية جديدة للغرب في المنطقة، فقد مضى الوقت الذي كان يفرض فيه الغرب وجهة نظره الأحادية لسياسته الخارجية باسم المصالح كالفقر والإرهاب وحماية اسرائيل وعنادها في مواصلة مشروعها "دولة اسرائيل الكبيرة"، وكذلك الإدماج الاقتصادي في النسيج الاقتصادي الغربي تبعا للقواعد التي يضعها الغرب. فالحركات التي انخرطت في مواطنة عربية جديدة لن تعود إلى سباتها. وبالتالي لن يستطيع الغرب كما في السابق دعم أنظمة أوتوقراطية فاسدة.