أماطت المندوبية السامية للتخطيط، أمس السبت 16 ماي الجاري، اللثام عن دراسة أنجزتها حول سيناريوهات تطور انتشار وباء كورونا في المغرب، في حالة رفع الحجر الصحي، مع استقراء انعكاساتها المحتملة على المؤسسات الاستشفائية في المملكة. الدراسة، تشير إلى أن رفع الحجر قد يتخذ سيناريوهات متعددة بناءً على ثلاث صيغ، تتمثل الأولى في رفع الحجر العام، وتتضمن رفعه عن جميع المواطنين، باستثناء الأشخاص المسنين، والمصابين بأمراض مزمنة، فيما تقترح الصيغة الثانية رفع حجر موسع يشمل السكان النشطين العاملين، بالإضافة إلى الأطفال أقل من 15 سنة، دون المسنين، والمصابين بأمراض مزمنة، فيما تضع الصيغة الثالثة رفع الحجر بشكل محدد عن السكان النشطين العاملين وحدهم. والصيغ المختلفة المذكورة ستؤدي إلى سيناريوهات تتباين نتائجها بالنظر إلى مدى تطبيق الإجراءات المصاحبة لرفع الحجر، والمتمثلة في التباعد الاجتماعي، والتزام قواعد النظافة، واختبار، وعزل الحالات المصابة، والتزام المواطنين بتدابير الحماية الشخصية من عدمه. وسيتسبب أسوء هذه السيناريوهات، في انهيار سريع للمنظومة الصحية في أقل من شهر، مع بلوغ 17 مليون حالة إصابة مؤكدة، خلال 100 يوم، انطلاقا من 20 ماي المقبل، مع الحاجة إلى 21 ألف سرير للإنعاش، لا نتوفر منها إلا على 854، حسب المعطيات المدرجة بالدراسة. فيما بخص السيناريو 1 و2، حيث سيتم رفع الحجر لفائدة 27 مليون نسمة، وينطلق هذا السيناريو من إمكانية رفع الحجر عن جميع المواطنين دون سن 65 سنة، ممن لا يعانون أمراضا مزمنة. وفقا للدراسة، وبدون إجراءات حماية ذاتية، سيتبب هذا المسار في ارتفاع حصيلة الإصابات إلى 17 مليون حالة، في 100 يوم، أي حوالي نصف عدد السكان، ليتسبب في انهيار المنظومة الصحية في ظرف 28 يوما الأولى مع بلوغ طاقتها الاستيعابية القصوى. وفي السيناريو ذاته، يتوقع أن تصل ذروة الحالات النشطة، وفق السيناريو نفسه، إلى 2.1 مليون حالة نشطة في وقت واحد، 5 في المائة منها ستكون بحاجة إلى نقلها إلى أقسام الانعاش والعناية المركزة، أي ما يعادل 105 آلاف حالة (نتوفر على 854 سرير إنعاش). أما إذا تصاحب السيناريو مع تطبيق إجراءات الحماية الذاتية، فإن النتائج المتوقعة، ستكون إصابة 2 ملايين و800 ألف شخص في ظرف 100 يوم. ووفقا لهذا المسار يتوقع بلوغ الطاقة القصوى للمستشفيات في غضون 62 يوما، ولن تتمكن هذه الأخيرة من استيعاب أكثر من 10 في المائة من المرضى. فيما يتعلق بالسيناريو 3 و 4 رفع حجر موسع يشمل 16.7 مليون نسمة، فهذا السناريو يهدف إلى فتح الاقتصاد، مع العودة التدريجية إلى الأنشطة الاجتماعية، حيث يقترح رفع الحجر عن الأطفال دون سن 15 سنة من قيود الحجر، بالإضافة إلى السكان النشطين العاملين دون 65 سنة، مع استثناء الأشخاص، الذين يعانون أمراضا مزمنة. فتطبيق رفع حجر موسع، يشمل 16.7 مليون نسمة، يتوقع أن يتسبب في بلوغ 31 ألف حالة إصابة مؤكدة في 100 يوم، مع بلوغ ذروة 3200 حالة نشطة، وتوقع 1266 حالة وفاة. السيناريو نفسه، لكن مع افتراض عدم الالتزام بتدابير الحماية الفردية، يتوقع فيه أن يرتفع عدد المصابين إلى 844 ألفا في غضون 100 يوم، مع ملء أقسام الإنعاش في غضون 50 يوما الأولى، فيما لن يكون بقدرة المستشفيات استقبال سوى 7 في المائة من المرضى. السيناريو 5 و 6، والمتمثل في رفع حجر مقيد يشمل 7.9 مليون نسمة، يهدف إلى فتح الاقتصاد دون المساس بالنشاط الاجتماعي، وذلك برفع الحجر عن السكان النشطين العاملين دون غيرهم، مع استثناء المسنين، ومن يعانون أمراضا مزمنة، أي بإجمالي 7.9 مليون نسمة. ووفقا لهذا السيناريو سيصل عدد المصابين إلى 18 ألفا و720 حالة في 100 يوم، وقد يؤدي إلى 748 حالة وفاة، وفقا لنتائج الدراسة. السيناريو نفسه، لكن مع افتراض عدم تطبيق المواطنين لتدابير الحماية الذاتية، سيغير الأعداد بشكل كلي، حيث يتوقع وصول أعداد المصابين إلى 155 ألف حالة في 100 يوم، واستنفاذ طاقة استقبال المستشفيات خلال 75 يوما. وتؤكد المندوبية السامية للتخطيط أن الدراسة، التي عمل على إنجازها أطر بمديريات الإحصاء والتوقعات المستقبلية، ومركز البحث الديمغرافي، هي محاولة أولية لنمذجة الوباء، وبمثابة إسهام في النقاش، يوضح لصانعي القرار الآثار، التي ستترتب عن كل من السيناريوهات المختلفة لرفع الحجر، واستئناف النشاط الاقتصادي، معتمدة في ذلك على نموذج "SIR" لحساب عدد تكاثر فيروس R0، بالإضافة إلى نماذج إحصائية، وكذا بيانات وزارة الصحة. كما تم اللجوء إلى إحصائيات عدد السكان في المملكة، وفئات الأعمار، وفق توقعات التطور إلى غاية 2020، والحالة الصحية للأفراد، وغيرها من التفاصيل ذات الصلة. وتسجل الدراسة أنه على الرغم من أن الفيروس لا يستثني أحدا في بحثه عن حاملين جدد له، إلا أن فئات معينة من المواطنين قد تكون حياتها أكثر عرضة للخطر من غيرها في حالة الإصابة، وفقا لتحليل تضمنته الدراسة، في سياق بحثها عن سيناريوهات رفع الحجر الصحي، وذلك بالنظر إلى عاملين أساسيين، هما التقدم في السن، والإصابة بأمراض مزمنة. ووفقا لهذا التحليل تبين الدراسة أن من بين 36 مليون نسمة يوجد 8.4 مليون مغربي حياتهم أكثر عرضة للخطر من غيرهم، في مواجهة الوباء، وهم بشكل أساسي فئة المسنين، الذين تفوق أعمارهم 65 سنة، والذين يصل تعدادهم إلى 2.6 مليون شخص، من ضمنهم 1.7 مليون يعانون مرضا مزمنا واحدا على الأقل، بالإضافة إلى نحو 5.8 مليون آخرين هم دون 65 سنة، لكنهم يعانون مرضا مزمن واحد على الأقل. وفي المقابل، تشير الدراسة إلى أن نحو 18.6 مليون مغربي يعتبرون أقل عرضة للخطر، وهم هؤلاء، الذين تتراوح أعمارهم بين 15 إلى 64 سنة، لا يعانون أي مرض، بينهم 7.6 مليون شخص، من أصل 10.8 مليون من السكان النشطين تحت سن 65 سنة. وخلصت الدراسة إلى أن احترام التدابير المتعلقة بالتباعد الاجتماعي، والالتزام بالطوارئ الصحية، وارتداء الأقنعة، وجميع التدابير الفردية، والجماعية، المتخذة للوقاية تبقى هي الأساس في منع تدهور الوضع. وبدون الانضباط الفردي لهذه الإجراءات، تورد الدراسة تقديرات بتضاعف عدد حالات الإصابة 8 مرات خلال 100 يوم، مع تضاعف الحاجة إلى أسرة، وأجهزة الإنعاش، وتحميل ضغط هائل للمستشفيات. وعلى هامش السيناريوهات المختلفة لرفع الحجر الصحي عن المواطنين، تطرقت الدراسة، ولأول مرة، إلى سيناريو مناعة القطيع، أو السيناريو 0 في المغرب، ومآلات تطبيقها، مشيرة إلى أن هذا المسار يفترض ترك التطور الطبيعي للوباء، دون أية حاجة إلى أن يمتد إلى غالبية السكان، بغرض الحصول على مناعة مكتسبة. وتبين المندوبية أن تطبيق الفكرة المذكورة سيرفع عدد تكاثر الفيروس، المعروف بR0، ليصل مجددا إلى قيمة 2.6، الأمر الذي سيؤدي في النهاية إلى إصابة 80 في المائة من السكان في 100 يوم، أي ما يعادل 28.8 مليون نسمة. ولم تبرز الدراسة تفاصيل أكثر حول الآثار المترتبة عن السيناريو المذكور، مكتفية بالإشارة إلى أنه سيسرع من الوصول إلى مستوى الذروة الوبائية، وسيتسبب في ارتفاع كبير في أعداد الوفيات، وسيلقي بضغط هائل على المنظومة الصحية. وفي المقابل كشفت الدراسة عن النتائج المرتقبة لتمديد الحجر الصحي إن تم، وهو السيناريو، الذي يبقي الوضع الحالي، على ما هو عليه، بجميع التدابير المتخذة، بما فيها إغلاق جل النشاط الاقتصادي، وجميع القيود على الأنشطة الاجتماعية. ووفقا للسيناريو الأخير، فإن أعداد المصابين ستواصل في الإرتفاع بحدة أقل، لتصل 7831 حالة مع أواخر شهر يونيو المقبل، فيما سيصل عدد الحالات النشطة ذروته في 3200 حالة، لتتجه إلى النزول، نهاية الشهر ذاته، قبل الوصول إلى 0 حالة.