كانت الحافلة تسير ليلا من زاكورة متجهة صوب مراكش. الظلام دامس، والموت يحلق فوق الحافلة. انطلقت العربة التي شاء أصحابها أن يسموها" أهلا وسهلا". وبالفعل، نادت على "الموت" منذ انطلاقتها وهي محملة ب 69 راكبا، في تجاوز صارخ للقوانين الجاري بها العمل، نادت عليه وهي تقول له "أهلا وسهلا". وصلت" أهلا وسهلا" إلى تيزي نتيشكا، المنطقة التي طالب فايسبوكيون بانجاز نفق خاص بها نظرا لكثرة المنعرجات، ليبدا العد العكسي ويحلق ملك الموت فوقها، معلنا عن نهاية حياة العشرات ومن نجا ينقل للمستشفى مكسر الأرجل أو اليدين في أقل الحالات. أغلب من كان على متن هذه الحافلة، من أبناء زاكورة، وكأن الموت اختار أن ينفذ إبادة جماعية في حقهم. في منعرج خطير، تهوي الحافلة من علو يفوق المائتي متر، لتبقى جماعة ازرقطن شاهدة على مجزرة راح ضحيتها 43 شخصا نساء ورجالا وأطفال، ضمنهم طلبة كانوا متجهين للتسجيل بجامعة القاضي عياض بمراكش، وجرحى فاق عددهم العشرين. بعد الفاجعة، خرج الديوان الملكي ببلاغ يعزي ويتكفل بضحايا الحادث المأساوي، ليخرج عدد من الوزراء من مكاتبهم ويتسابقون لمستشفى ابن طفيل بمراكش لمعاينة الجرحى ومواساة اسر الضحايا تنفيذا للتعليمات الملكية كما صرح بذلك هؤلاء الوزراء، وهو ما عقب عليه ناشطون بالفايسبوك قائلين" لو لم يعط إذن الملك تعليماته لما حركت فيكم هذه المجزرة أنملة إحساس". وزير النقل والتجهيز عبد العزيز رباح، في أول تصريح له خص به موقع "فبراير.كوم" حمل المسؤولية للسلوك البشري مبعدا الكرة من مرماه، وهو الأمر الذي انتقده عديد من المغاربة بمواقع التواصل الاجتماعي، مطالبين في منشوراتهم برحيله عن الوزارة، مؤكدين، على أنه في مثل هذه الكوارث بدول تحترم مواطنيها، يقدم المسؤولون استقالتهم بسرعة حتى ولو لم يكونوا مخطئين. "أهلا وسهلا" أعادت الحديث عن نفق تيشكا إلى الوجود، ووضعت وزارة رباح ومعها حكومة بنكيران أمام مدافع الناشطين الفايسبوكيين والحقوقيين، الذين طالبوا في كثير من المرات بإنشاء نفق على غرار الدول الأخرى يحد من هذه المجازر التي ترتكب بين الفينة والأخرى على هذه المنعرجات الخطيرة. شباب ورزازات وتنغير وزاكورة، الأقاليم المهمشة من المغرب العميق كما يسمونها، خرجوا بعيد الحادث بقليل ببيان للرأي العام ليعلنوا تضامنهم وسخطهم في نفس الوقت مشيرين إلى عزمنا تنظيم وقفة تضامنية مع الأسر المكلومة، و في الوقت نفسه احتجاجا على العزلة التي تكرسها سياسات الدولة التي تتعامل معنا بمنطق الربحية، التي هي في نهاية المطاف منطق المغرب غير النافع، الذي أدى على مر الأزمان إلى تهميش هذه الأقاليم و حرمانها من حقها في التنمية و التطور على غرار باقي اقاليم الشمال". الوقفة الاحتجاجية التي ستشارك فيها حساسيات حقوقية، جمعوية، سياسية من الأقاليم الثلاث تأتي " لنقول لهم لقد حان الوقت لفك العزلة عنها بعد طول الصبر على مدى عقود من الزمن.. كنا ننعت فينا : بأننا الله ايعمرها دار.. اليوم لم نعد الله ايعمرها.. و من حقنا المطالبة بتنمية مجالنا الترابي بدل هجرتنا الجماعية نحو الشمال للبحث عن لقمة العيش". التساؤل الذي يطرح نفسه في مثل هذه الكوارث، يوجه لوزير الاتصال، مصطفى الخلفي: قناة فرنسية تنقل الحادث لحظة وقوعه وتلفزاتنا العمومية تنقل مشاهد فيلم تركي، فهل هذا هو الإصلاح؟. عدد من الناشطين بالفايسبوك استشاطوا غضبا من هذه القنوات رغم أن المغاربة يهجرونها نحو قنوات غربية، لكن على الأقل، بحسب هؤلاء الناشطين كان على هذه القنوات أن تراعي شعور المغاربة وتوقف البث لنقل هذه المأساة، عوض الانتظار إلى حين موعد النشرة الاخبارية وأن يأتي الخبر فارغا من أي مضمون. في بلجيكا مارس الماضي، بعد حادثة سير مميتة ، قرر مجلس الوزراء تحديد يوم حداد وطني تكريما لضحايا حادثة سويسرا راح ضحيتها 28 شخصا بينهم 22 طفلا. وفي روسيا، أعلن كذلك عن يوم حداد تكريما لأرواح ضحايا الانتفاضات، مرورا بإيطاليا التي هزها الزلزال وجعلت لضحاياها يوما وطنيا حزنت فيه عليهم. أما في المغرب، فقرر عدد من النشطاء على الفايسبوك تغيير صورهم الشخصية بصورة حداد ترحمنا على أرواح حافلة" اهلا وسهلا"، في الوقت الذي لا تزال حكومة عبد الإله بنكيران تصرف النظر وتحمل المسؤولية للسائق.