على غرار العديد من القطاعات التي اجتاحها التفشي الجارف لوباء فيروس كورونا المستجد، تضررت صناعة الأزياء بشدة جراء تدابير الحجر الصحي الشامل التي فرضت إغلاق المتاجر ومصانع النسيج، وأدت إلى إلغاء عروض الأزياء التي تكتسي أهمية جوهرية في تنشيط القطاع. فقد اضطرت العديد من ماركات الأزياء، التي تأثرت بقوة جراء تبعات الأزمة، إلى إغلاق متاجرها، أو حتى منصاتها على الإنترنيت، كما هو شأن العلامة التجارية الشهيرة « نيت أبورتي »، أو سلاسل الأزياء « وازيس » أو « ويرهاوس » التي انهارت عقب الأزمة الصحية، مما أثر على نحو 2300 عامل. وإلى جانب منصات الموضة، أثر الوباء، أيضا، على المصممين الذين شهد نشاطهم انخفاضا نوعيا منذ ذلك الحين، والذين يعتمد دخلهم بشكل مباشر على الموسم الحالي. وأوضحت جليلة المستوكي، المتخصصة في الموضة المقيمة بلندن، وهي أيضا مؤسسة منصة الأزياء العربية « ستوريز فروم أرابيا » « Stories from Arabia »، في حديث خصت به وكالة المغرب العربي للأنباء، أن الوباء أرخى بظلاله على « الماركات العتيدة والصاعدة على حد سواء ». وقالت « مع انتشار الفيروس في أوروبا منذ بداية موسم 2020، كان جميع المصممين يستعدون لإطلاق مجموعاتهم. حيث استثمروا الكثير من الأموال في التحضير للعروض، مع كل ما ينطوي عليه ذلك من نفقات تتعلق بالتسويق والعلاقات العامة ». وأوضحت هذه المتخصصة في الزي المغربي أن « الجائحة لم تؤثر على العلامات التجارية الناشئة وحسب، والتي نمت في السوق خلال السنوات الخمس الماضية، بينما كانت تراهن كثيرا على الموسم الحالي لمضاعفة مبيعاتها، بل أنها أجبرت البعض منها على إعلان إفلاسها، في حين تواصل أخرى كفاحها من أجل البقاء ». وأضافت المستوكي أن مؤسسات أخرى لا تزال متفائلة حيال تلاشي عتمة الأزمة قريبا، لكي يكون بوسعها إعادة فتح أبوابها في الشهرين المقبلين. وأشارت إلى أن شهر يونيو كان يرتقب أن يشهد تنظيم النسخ الجديدة لأسبوع الموضة الرجالية « مان فاشن ويك » بكل من لندن وميلانو ونيويورك. حيث « تم إلغائها جميعا، ما أدى إلى توجيه ضربة قاسية لماركات الأزياء الكبرى، وتسبب بالتالي في خسارة كبيرة للمصممين، الذين كانوا يستعدون طوال السنة لعرض مجموعاتهم الجديدة ». وأضافت أن القطاع تأثر، أيضا، بإلغاء أسبوع الموضة الراقية « فاشن ويك أوت كوتور »، الذي يعد حدثا لا محيد عنه في عالم الموضة، والذي كانت فعالياته ستجرى بباريس في يوليوز المقبل. وبصرف النظر عن عروض الأزياء -تضيف السيدة المستوكي- فإن تأجيل أو إلغاء المهرجانات الكبرى والتظاهرات الدولية التي عادة ما تتيح للنجمات والشخصيات الشهيرة تمثيل بعض الماركات، ساهم أيضا في تفاقم الأزمة التي يشهدها القطاع. وقالت « لم تكن هذه الأزمة في الحسبان! »، مشيرة إلى أنه من بين العلامات التجارية البريطانية الأكثر تضررا، هناك سلسلة المتاجر الكبرى ديبنهامس Debenhams، التي انتهت بالإعلان عن إفلاسها بعد فشلها في مواجهة المنافسة الشرسة للتجارة الإلكترونية. فباعتبارها مؤسسة تجارية بريطانية كبرى، يشكل انهيار هذه العلامة اندحارا كبيرا للسوق البريطانية. وبخصوص الدعم المقدم من طرف حكومة بوريس جونسون للعلامات التجارية الأكثر تضررا، أشارت السيدة المستوكي إلى أن التدابير المتخذة من قبل مجلس الموضة البريطاني « بريتيش فاشن كاونسل »، المسؤول عن تنظيم أسبوع لندن للموضة، لا تزال « غير كافية » إزاء حاجيات مختلف شركات الأزياء. وحسب هذه المختصة في عالم الأزياء، فإن هذا القطاع الفاخر، المتضرر بشدة جراء الأزمة الصحية، لن يكون بوسعه التعافي « قبل ثلاث أو أربع سنوات على أقل تقدير ». كما ترى أنه « مع العودة المحتملة للفيروس في الخريف، سيكون لزاما على شركات الأزياء التوافق حول خطة بديلة تجعلها قادرة على تجاوز المأزق ». وفي هذا الصدد، فإن العديد من الشركات التي لم تكن موجودة على الإنترنيت، مثل « كوكو شانيل » و »هيرميس » بدأت في الترتيب للعودة على المنصات الافتراضية، في حين أن العلامة التجارية الإيطالية الشهيرة « جورجيو أرماني » قامت بالفعل بأول عرض لها على الإنترنيت. وعلى الرغم من أن عروض الأزياء الافتراضية هذه، لا تفي تماما بدور العروض التقليدية المتجذرة في الموروث المشترك لعالم الموضة، فإنها تمنح المصممين مساحة لعرض مجموعاتهم الجديدة والوصول إلى جمهور عريض. وارتباطا بصناعة الأزياء في المغرب، أوضحت أن مصممي القفطان هم أول المتضررين جراء الوباء، على اعتبار أن هذا القطاع يعتمد بشكل كبير على عروض الأزياء، لكن أيضا على حفلات الزفاف، في الوقت الذي لا يمكن فيه تنظيم أي منهما في الظروف الراهنة للحجر الصحي الشامل، ومن جهة أخرى بسبب التداعيات الاقتصادية للأزمة الصحية على القطاع برمته. والواقع أن الشلل الذي يصيب الاقتصاد العالمي، دفع بصناعة الأزياء إلى وضع جديد لم يسبق له مثيل منذ الأزمة المالية لسنة 2008. ووفقا لدراسة أجراها مكتب الاستشارات « بي. سي. جي » BCG بالتعاون مع بنك « بيرنشتاين » وجمعية « ألتغاما »، فإن وباء فيروس كورونا المستجد أدى إلى انخفاض المبيعات العالمية للأشياء الفاخرة إلى ما بين 30 و40 مليار يورو هذا العام، مخلفا مخزون سلع غير مباعة من 10 إلى 15 مليون قطعة مخصصة للصين، التي تشكل أكثر من ثلث الطلب العالمي. وللإشارة، فإن هذه الدراسة أجريت قبل فرض الحجر الشامل على صناعة الأزياء والمنسوجات الإيطالية، فهذه الأخيرة لوحدها تساوي 107,9 مليار دولار. — بقلم: نبيلة زورارة —