يعرف العالم حاليا عديدا من المشاكل المرتبطة بالنمو الاقتصادي والتنمية الاقتصادية المندمجة، لكن أسبابها بعيدة كل البعد عن الإشكالات الصحية المرتبطة بوباءات عالمية. غير أن حدة هذه المشاكل تزداد وتتعقد إذا ما انضافت اليها مؤثرات خارجية من قبيل: الأوبئة والإرهاب وغيرها، وهذا ما يحدث بالضبط حاليا مع فيروس كورونا كوفيد19. بدأ العالم منذ سنتين يمني نفسه بانطلاقة تنموية جديدة ويتحدث عن دوامة جديدة من النمو الاقتصادي « المقبول » الذي سيمكن من خلق فرص شغل جديدة ويساعد على تدارك أثار الأزمات المالية والاقتصادية السابقة. لكن منذ البدايات الاولى لظهور الفيروس المعدي بالصين، شلت الحركة الاقتصادية والتجارية في المناطق المعنية مباشرة، تجمدت الأنشطة، توقفت المعامل، ثم فرغت الطائرات من المسافرين والسياح، وتلتها الفنادق والمطاعم ومنتديات الراحة والاستجمام، ثم جاء الدور على التجارة الخارجية التي تتلقف مخرجات ومنتجات « مصنع العالم »، الذي لم تعد البواخر الصينية تنطلق منه لتوصل المنتجات الاستهلاكية الضرورية وكذلك المنتجات الوسيطة وقطع الغيار للدول والشركات الأخر الضرورية لإكمال الإنتاج، فاضطرت شركات عملاقة لإيقاف سلاسل الإنتاج أو التقليص على الأقل من وتيرة الاشتغال، وهنا وجب الانتباه إلى سلبية الاعتماد على دولة واحدة « أكثر من اللازم » للحصول على مواردها ومنتجاتها. انتقلت العدوى لإيطاليا بطريقة واضحة للعيان، ثم لإيران، حيث توفي لحدود الخميس 27 فبراير حوالي 14 في الاولى و 26 في الثانية، مع عدد من المصابين يفوق 530 في الاولى و 250 في الثانية. يتكرر غلق المدارس والتجمعات ذات الأنشطة المفتوحة أو المغلقة، وتنتقل الإشاعات، وتفضل الأغلبية الحفاظ على سلامتها، فيتفق على غلق محلات التوزيع، ثم المعامل ومحلات الإنتاج. سيتكرر السيناريو بدون ادنى شك في الدول 42 الذي وصلها الوباء لحد الان بطريقة او بأخرى، وخاصة عندما تتحرك جمعيات المجتمع المدني والأهلي، وكذا ممثلي الأمة والسياسيين ليوبخوا الحكومات على « تقصيرها » وعلى « دورها غير الفعال » الذي أتاح دخول الفيروس للبلد. ولان عالم المال والاقتصاد يتحرك ويستجيب لمجرد « نزلة برد » تصيب شخصية عالمية، بل لإشاعة قد لا تكون صحيحة البتة، ولأن نقل الأخبار السيئة له مفعول مدمر ويدفع الجميع لاتخاذ الاحتياطات اللازمة وغير اللازمة للوقاية من « المجهول » (المالي والاقتصادي اقصد)، فإن الهلع الذي اصاب البورصات العالمية قد يلحق أضرار عاجلة بالاقتصاد الحقيقي. إن حوالي 5000 مليار دولار تبخرت في البورصات الدولية خلال هذه الأيام… مبلغ اكثر بكثير من حجم مجموع انتاج الدول الأفريقية كاملة، يتبخر ! فهذا الكاك 40 ببورصة باريس يتراجع بمتوسط يومي -3.2 % خلال يومي الخميس 27/02 والجمعة 28/02 فقط (-11% خلال الخمسة أيام الأخيرة المفتوحة)، ومؤشر طوكيو يتراجع ب -3.67%، ومؤشر داكس الألمانيب-2.7% يوم الخميس و -3.3% أواسط يوم الجمعة، ومؤشر فوكسي اللندني ب -3% يوم الخميس و -4% أواسط يوم الجمعة…والبقية تأتي، ويستمر قصر الأوراق في التهاوي! تجتمع مجموعة ج 20 اخر الأسبوع الماضي، وتطمئن المديرة العامة لصندوق النقد الدولي « كريستيناجورجينا » بأن آثار الوباء على النمو لن يتعدى 0.1 نقطة…تقصد نقص في حدود 82 مليار دولار! وهذا دور قائدة مالية بحجمها. لكن معطيات كهاته لا تصمد أمام تطور نسبة الهلع الحالي في الأسواق، وأيضا « الأذواق » العالمية، والذي يمثل في الجزء المالي منه « مؤشر الخوف » الأمريكي volatility Index VIX ( وعبارة الخوف هي التعبير المالي للمختصين في هذا المؤشر) الذي يعطي صورة واضحة لعدم الاستقرار و « التطاير » لبورصة « والستريت »، والذي انتقل خلال أيام من -15 (اي سلبي بدون خوف) إلى +45(أي خوف كبير)…ولا زال يرتفع بين بدايتي لكتابة المقال والآن! فخلال الثلاثين سنة الأخيرة لم يسبق لهذا المؤشر أن تعدى 40 الا في اربع مناسبات (عند الانهيار المالي والنقدي الروسي في اكتوبر 1989، وخلال الهجمات الارهابية في شتنبر2001، وأوامر 2002 مع إشكالات شركة إنرون العالمية، وفي اكتوبر 2008 مع أزمة « الساب برايم » القروض العقارية الأمريكية…). إذن، الأمور المالية والاقتصادية المستقبلية ستعرف الكثير من الضغط، وحسب مستوى الثقة في القضاء السريع على الوباء وفي القدرة على عدم عرقلة التجارة البينية والتبادل التجاري والاقتصادي يكمن « سلام » العالم.