أنيس بيرو: أحزاب «جي8» تصارعت في الانتخابات وبعضنا لم يستفق من ضربة 25 نونبر بعد أقل من أسبوع على ليلة رمضانية نظمها في قصر مؤتمرات الصخيرات، وخصّصها لمناقشة الخطوات التنظيمية لتقوية أدائه السياسي في الاستحقاقات الانتخابية المنتظرة؛ نظّم حزب الأصالة والمعاصرة بتدبير من رجله القوي، إلياس العماري، فطورا رمضانيا بمقّر الحزب في الرباط مساء أول أمس الخميس، دعا إليه منتمين إلى الأحزاب التي شكّلت إلى جانب «البام» تحالف «جي8» الشهير، والذي ضم ثمانية أحزاب عشية الانتخابات التشريعية الأخيرة، بالإضافة إلى فعاليات ثقافية وفكرية وأعضاء في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. العماري وبعدما أوضح أن الدعوة وُجّهت للجميع «حتى يسمعوا منا بأنفسهم بدل أن يقرؤوا ممن حضروا وسمعوا»، شنّ هجوما قويا على حزب العدالة والتنمية وزعيمه رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران. وجاءت مداخلات قياديي الحزب بمن فيهم الأمين العام مصطفى بكوري، محذّرة مما أسمته خطر سقوط المغرب رهينة في أيدي الإسلاميين، وداعية إلى تكتل القوى الأخرى لمواجهتهم. العماري قام بمقارنة بين كل من رئيس الحكومة الحالية عبد الإله بنكيران، والوزير الأول في حكومة «التناوب» عبد الرحمان اليوسفي. وقال إن هذا الأخير جاء إلى المسؤولية في وقت أصعب من الظرف الحالي، لكنه «لم يقل طيلة خمس سنوات إنه يواجه الشياطين أو التماسيح أو العفاريت». وأضاف العماري أن المرة الوحيدة التي اشتكى فيها اليوسفي، كانت بعد انتهاء مهامه كوزير أول، «وآخذ على الدولة خروجها عن المنهجية الديمقراطية في بيان يعبّر عن موقف الحزب وليس عن موقفه الشخصي». «جي8» تعود من جديد وفيما امتنع رئيس الحكومة والأمين العام لحزب العدالة والتنمية، في اتصال مع "فبراير.كوم"، الرد على هذا الهجوم؛ صدرت ردود فعل غاضبة من بعض أعضاء حزبه بمجرد علمهم بما دار في مقر ال»بام» مساء أول أمس، حيث كتب النائب البرلماني خالد بوقرعي في صفحته الفيسبوكية، أن «العماري عبر عن تخوفه من أن يأخذ الإسلاميون البلد رهينة لخدمة مصالح فئة محدودة، ودون أن يحققوا المطلوب منهم في مجالات الصحة والسكن والشغل: من رهن البلد ومن أدخله إلى أتون الفتنة وكاد أن يدمره لولا ألطاف الله؟». ثم أضاف بوقرعي: «العدالة والتنمية لا يحتاج لصك البراءة من أمثالكم». سمير أبو القاسم تحدّث عن وجود «رغبة حثيثة في التحكم في المشهد السياسي وفي المؤسسات، وكل المبادرات الحكومية نابعة من الحزب الذي يقودها، فإذا كان التيار المحافظ يلملم صفوفه، أين هو التيار الحداثي؟». فيما تساءل القيادي في الاتحاد الدستوري، الحبيب الدقاق، «لماذا لم يسأل أي حزب من أحزاب «جي8» عن الأحزاب الأخرى بعد الانتخابات؟ هل كان التحالف لمصلحة معينة لم تتحقق؟». فيما تحدّث أول أمين عام لحزب الأصالة والمعاصرة، حسن بنعدي، عن أن الوضع الحالي للمغرب شبيه بما كان عليه بين انقلابي 1971 و1972، موضحا أن القاسم المشترك يكمن في تخلي النخب عن تحمل مسؤولياتها، وعجز علال الفاسي حينها عن تشكيل حكومة رغم ستة أشهر من المشاورات. واعتبر بنعدي أن المغرب يعرف تنامي الأنانيات في صفوف النخب، وقال: «لم يسبق لي أن سمعت كلمة «أنا» في جلسة للبرلمان مثلما أسمعها اليوم، فيقول رئيس الحكومة «وزيري» و»حكومتي»، لكنه عاد وقال عبارة جيدة، هي «أننا في سفينة واحدة». ورغم طغيان الخطاب الداعي إلى مواجهة «المحافظين» و»الظلاميين» في إشارات واضحة إلى الإسلاميين، حيث دعا عضو المكتب السياسي ل»البام» إلى تشكيل «جبهة وطنية لقوى التقدم ضد قوى الظلام والأصولية التي تزحف على كل ما هو متنور ومتقدم»؛ فقد لبى حزب النهضة والفضيلة الإسلامي دعوة ال»بام»، وتناول أحد أعضائه الكلمة باسمه في هذه الأمسية الرمضانية، ليدعو إلى تجنب شيطنة الآخر. قادة ال»بام» بدوا في هذه الأمسية الرمضانية وقد وضعوا خطة منسقة لتوجيه الضربات إلى بنكيران وحزبه من خلال نقطة تصريحاته الشهيرة التي تحدث فيها عن «العفاريت» و»التماسيح»، معتبرين ذلك مساسا بمصالح المغرب الاقتصادية وضربا لثقة المستثمرين والسائحين فيه. وقال إلياس العماري إن أمورا غريبة يعرفها المغرب في المرحلة الحالية، «لم يسبق له أن عرفها في تاريخه وثقافته، حيث أصبحنا نستورد كلاما وألفاظا دخيلة علينا». وفيما تساءل الأمين العام مصطفى بكوري، كيف لمستثمر أو سائح أجنبي أن يأتي إلى المغرب حين يسمع رئيس حكومته يتحدث عن العفاريت والتماسيح، قال إلياس العماري: «تصوّروا أن أولادنا سيكتسبون هذا القاموس المستورد، فنحن لم نرضعه في أثداء أمهاتنا ولا سمعناه من علمائنا». فيما كشف رئيس المجلس الوطني حكيم بنشماس، عن عبارة أخرى لعبد الإله بنكيران، أثارت غضب ال»باميين»، وقال إنه اندهش كثيرا لعدم انتباه أي أحد، خاصة من الصحافة، «إلى ما قاله رئيس الحكومة في لقاء مع أطر حزبه، أي جزء من نخبة البلاد، حيث قام بتوصيف الصراع والتجاذب الدائر بين الحكومة ومعارضيها، متحدثا عن ثنائية الخير والشر، وهذه مقدمة لشيطنة الآخر وتخوينه». «منين يموتو الناس للي كايعرفونا» إمعانا في خطابه المحذّر من «خطر» الإسلاميين، قال إلياس العماري إن «الوطن الذي أراه في الأفق لا يتسع إلا لفئة واحدة ولن يجد الجميع أنفسهم فيه، لكن ليس لنا وطن آخر، وحتى يلا بغينا نهربو لن يستقبلنا أحد، لأن لنا حدود برية واحدة مغلقة، فإذا توجهنا شمالا وجدنا البحر، وإذا توجهنا جنوبا وجدنا الحروب». فيما اختارت النائبة البرلمانية خديجة الرويسي، مهاجمة ماضي بنكيران ورفاقه في الحزب، وتساءلت: «عندما كان ضحايا 1981 يدفنون في مقابر جماعية، أتساءل عن مواقف الذين يتحدثون اليوم عن التحكم. وعندما خرجت النساء في مسيرة الرباط، كانوا هم يتظاهرون ضد حقوق النساء، هؤلاء يأتون اليوم ليتحدثوا عن التحكم ولم يسبق لهم خوض معركة واحدة لرفع الظلم والاستبداد معتقدين أننا بدون ذاكرة». الرويسي استهلّت حديثها بحكاية تعبّر عن واقع حزبها اليوم. الحكاية تقول إن رجلا كانت له «كنية» سيئة، فقام بالإجراءات الضرورة وغيّر اسمه العائلي، لكنه وهو يتجول رفقة ابنه، كان الناس مازالوا ينادونه بكنيته القديمة، فسأل الابن أباه: «متى يكفون عن مناداتك بهذا الاسم؟»، فأجاب الأب: «منين يموتو الناس للي كايعرفونا». رد أفتاتي وفي رده على تصريحات قيادة «البام» قال عبد العزيز أفتاتي إن إلياس لايتحدث باسمه بل بإسم «الصدر الأعظم» وأنه مجرد منديل في حرب للثيران وأن حزبه لن يخوض هذه الحرب داعيا «الصدر الأعظم»إلى الخروج للعلن، معلنا أنه يتعبد الله بمقاومتهما. بيرو: «جي8» أول من حاربني أحد أبرز الحاضرين في فطور حزب الأصالة والمعاصرة، والذين تناولوا الكلمة كضيوف، وزير الصناعة التقليدية في الحكومة السابقة، والقيادي في حزب التجمع الوطني للأحرار. بيرو قال إن الجو الذي خلّفته حكومة عبد الإله بنكيران خدش الثقة في الاقتصاد المغربي، «والاقتصاديون يعرفون أن رأس المال جبان، ولا يذهب إلى مكان لا يعرف أين سيضع قدمه فيه. ونحن كمعارضة علينا ألا نكون متفرجين». ووصف بيرو الوضع الحالي لمكونات المعارضة، «بمن خرج من حلبة للملاكمة، فبعضنا لم يستفق بعد من الضربة التي تلقاها في 25 نونبر، وعلينا كل حزب على حدة، أن نستجمع قوانا ونعلم أن علينا مسؤولية تاريخية تجاه البلاد». وفي سياق حديث عدد من المتدخلين عن كيفية إحياء التحالف الذي نُسج عشية الانتخابات الماضية، قال بيرو أن «أعضاء أحزاب التحالف المعروف ب«جي8»، هم أول من واجهني في الدائرة التي ترشحت فيها، وهم أول من سبني وستمني بشكل مجاني رغم الليالي الطوال التي قضيناها رفقة القيادات للتحضير لهذا التحالف.. عوض نلقاو العوين من بعضياتنا قمنا بمواجهة بعضنا البعض.. هذه لحظة مصارحة وعلينا أن نعترف ونقول لماذا لم ننجح؟». وفيما انبرى بيرو للدفاع عن رئيس حزبه، وزير المالية السابق صلاح الدين مزوار، وقال إن الأرقام التي قدمها في مشروع القانون المالي الأخير كانت نتيجة عمل مؤسسات وأطر إدارية كفأة، وإنها كانت مجرد فرضيات؛ تولى إلياس العماري الرد على النائب بحزب العدالة والتنمية، عبد العزيز أفتاتي، الذي قاد هجوما قويا ضد مزوار في البرلمان، وقال إنه «وقبل ثلاث سنوات فقط، كان هذا النائب قد صدر في حقه قرار عقابي من حزبه وجمدت عضويته فيه بسبب استقوائه بالخارج، ويأتي اليوم ليوزع الاتهامات».