انشغل الراي العام الحقوقي والاقتصادي والمالي بالقرار الذي اتخذته الحكومة ،بحشر قاعدة قانونية لا تدخل في اختصاص القانون المالي، في قلب قانون المالية لسنة 2020. وما خلف ذلك من ردود أفعال قوية تجاوزت ما كان منتظرا. الى درجة تنظيم وقفة احتجاجية من قبل نقباء المحامين, الذين أرادوا دق ناقوس الخطر قبل دخول تلك المادة حيز التطبيق. و من المفيد التذكير بكون هذه القاعدة القانونية التي سبق للحكومة ان ارادت حشرها في القانون المالي السابق غير انها تراجعت عليها تحث تأثير رد الفعل الذي ووجهت به آنذاك(يرجى الاطلاع على مقال سابق بخصوص المادة 8 من قانون المالية الاسبق) ومما زاد في حالة الاحتجاج هو أن تلك القاعدة المحشورة في قانون المالية، تم التصويت عليها بالإجماع، وهو ما سيعقد إمكانية التراجع عليها. أن الأمر يتعلق بالمادة 9 من قانون المالية لسنة 2020 الذي تنص وفقا للصيغة التي صوت عليها مجلس النواب بالإجماع على ما يلي: يتعين على الدائنين الحاملين لأحكام قضائية تنفيذية نهائية ضد الدولة والجماعات الترابية ومجموعاتها ألا يطالبوا بالأداء إلا أمام مصالح الامر بالصرف للإدارات العمومية والجماعات الترابية المعنية. في حالة صدور حكم قضائي نهائي قابل للتنفيذ , يلزم الدولة او جماعة ترابية او مجموعاتها بأداء مبلغ معين , يتعين الامر بصرفه داخل اجل تسعون (90) يوما ابتداء من تاريخ الاعذار بالتنفيذ في حدود للاعتمادات المالية المفتوحة بالميزانية لهذا الغرض , وفق مبادئ المحاسبة العمومية, و إلا يتم الأداء تلقائيا من طرف المحاسب العمومي داخل الآجال المنصوص عليها بالأنظمة الجاري بها العمل في حالة تقاعس الآمر بالصرف عن الأداء بمجرد انصرام الاجل أعلاه. و إذا أدرجت النفقة في اعتمادات تبين انها غير كافية , يتم عندئذ تنفيذ الحكم القضائي بصرف المبلغ المعين في حدود الاعتمادات المتوفرة , على ان يقوم الامر بالصرف وجوبا بتوفير الاعتمادات اللازمة لأداء المبلغ المتبقي في ميزانية السنوات اللاحقة و ذلك في أجل أقصاه اربع (4) سنوات وفق الشروط المشار اليها أعلاه. دون ان تخضع أموال وممتلكات الدولة والجماعات الترابية ومجموعاتها للحجز لهذه الغاية. فما هي إذن أثار دخول هذه المادة حيز التنفيذ وهل ستحمي حقا الدولة من تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضد الدولة والجماعات الترابية ومجموعاتها. فيما يخص خرق الحكومة للقانون التنظيمي للمالية من المعلوم أن المغرب منذ أن اختار التصويت بإجماع الامة على دستور سنة 2011، قد اختار أن يؤطر عمل وتصرف مؤسسات الدولة في إطار من القانون يمنع تجاوز سلطة على أخرى ويمنع تدخل سلطة وأخرى وفقا لما ينص عليه الفصل الأول من ذلك الدستور الذي أكد على ما يلي: » يقوم النظام الدستوري للمحكمة على فصل السلط وتوازنها وتعاونها… وانطلاقا من هذا المبدأ تم تحديد جغرافية وحدود اختصاصات كل سلطة من السلط الثلاث المحكومة كلها بالنظام الدستوري للمملكة. ومن بين الآليات التي يتم بواسطتها تحديد تلك الاختصاصات الدستورية هو القانون التنظيمي للمالية, علما ان أي قانون التنظيمي كيف ما كان فهو مكمل للدستور , وهو بالتالي يرتب في درجة اعلى من القانون العادي , بمعنى ان القانون العادي يجب ان لا يتناقض مع القانون التنظيمي و لا يخالفه. وقانون المالية الذي صوت عليه مجلس النواب أخيرا بالإجماع, هو قانون عادي و بالتالي يجب ان يخرج على الاختصاصات التي حدده له القانون التنظيمي , وإلا سيصبح قانونا مخالفا للفصل 6 من الدستور الذي يعتبر تراتبية القوانين لها طابع دستوري. لكن أهمية القانون التنظيمي لا تظهر في علاقته مع الدستور , بل تفرض نفسها في علاقتها مع القانون العادي, باعتبار ان هذه العلاقة مبنية و مؤسسة على كون البرلمان, الذي اصبح يحتكر مهمة التشريع وفقا لما ينص عليه الفصل 71 من الدستور, لا يحق له ان يصدر قاعدة قانونية في إطار القانون المالي , خارج الاختصاصات التي حددها القانون التنظيمي للمالية, وهو ما يلزمنا الرجوع الى القانون التنظيمي للمالية للبحث هل يسمح للحكومة والبرلمان و بان يفرضا و يلزما المغاربة بقاعدة قانونية لم يدخلها القانون التنظيمي للمالية في اختصاص قانون المالية. وبالرجوع إلى القانون التنظيمي للمالية تجد يتضمن في المادة 1 تحديد و تعريف ما هي المجالات التي يحق للقانون المالي التشريع فيها و تنظيمها ، إذ تنص تلك المادة على ما يلي: » يحدد قانون المالية بالنسبة لكل سنة مالية، طبيعة ومبلغ وتخصيص مجموع موارد « وتكاليف الدولة، وكذا التوازن الميزانياتي والمالي الناتج عنها وتراعي في ذلك الظرفية « الاقتصادية والاجتماعية عند إعداد المالية وكذا أهداف ونتائج البرامج التي حددها هذا « القانون. وأن حدود اختصاصات قانون المالية ستؤكد عليه المادة 6 من نفس القانون التنظيمي والتي تنص على ما يلي: « لا يمكن ان تتضمن قوانين المالية إلا أحكاما تتعلق بالموارد والتكاليف او تهدف الى « تحسين الشروط لتحصيل المداخيل ومراقبة استعمال الأموال العامة وأنه يتبين من المادتين انهما تتضمنان مقتضيات ذات طبيعة قانونية أي تخلق أعباء و التزامات على المواطن من جهة , ومقتضيات ذات طبيعة تدخل في مجال السياسة الاقتصادية للحكومة, من جهة أخرى و التي لها طبيعة تدبيرية و ملاءمتية تتغير بحسب الزمن السياسي. مثل نصها على ضرورة الحفاظ على التوازن الميزانيتي او تحسين شروط تحصيل المداخيل و مراقبة استعمال المال العام لكن يتبين من المادتين أن القانون التنظيمي للمالية حصر مجال تدخل القانون المالي في تنظيم الموارد, أي ما ستستخلصه مؤسسات الدولة. وتنظيم في التكاليف، أي ما تصرفه مؤسسات الدولة. وهذا الاختصاص له طبيعة قانونية لأنه يحدد موارد الدولة كالضرائب وغيرها أي يخلق التزامات تمس مصالح المواطن. لكن، الحكومة حشرت المادة 9 في قانون المالية , مع نها لا تدخل في اختصاص القانون المالي وإنما تدخل في مجال الفصل 458 من قانون المسطرة المدنية, الذي يحدد الأموال غير القابل للحجز عليها. في الباب المتعلق بالتنفيذ الجبري للأحكام القضائية والمقررات التحكيمية. وهكذا تبين أن المادة 9 من قانون المالية أتت مخالفة للمادة الأولى من القانون التنظيمي للمالية أي مخالفة للفصل 6 من الدستور, باعتبار ان القانون المالي وضع نفسه فوق القانون التنظيمي للمالية وتجاوزه. مما تكون معه المادة 9 من قانون المالية مخالفة للقانون التنظيمي أي غير دستورية. فهي مخالفة للدستور ليس لأنها تمس باستقلال القضاء, كما ذهب الى ذلك البعض عن غيرة على ضرورة تحصين الاحكام القضائية. لان المادة 9 لا تتوجه لقاضي الحكم , بل تتوجه للجهة المكلفة بتنفيذه أي كتابة الضبط و من ورائها المستفيد من ذلك الحكم القضائي. فالمادة 9 تتعلق بتنفيذ الحكم وليس بإصداره, فهي تنصب على اجراء لاحق لصدور الحكم, وهو التنفيذ الذي لا يدخل في مهام واختصاص قاضي الحكم , وانما هو من مجال اختصاص كتابة الضبط التي تعتبر إدارة تابعة للسلطة التنفيذية. فمخالفتها للستور نابعة من كونها مخالفة للقانون التنظيمي للمالية عندما لم تحترم تراتبية القوانين التي هي دستورية وفقا لأحكام الفصل 6 من الدستور. لكن هل يمكن إلغاء هذه المادة ما دام انها أتت مخالفة للدستور ? أخشى ان يكون الجواب بالنفي أي انه قد يكون من المستحيل إلغائها, وأنها ستدخل فعلا لحيز التنفيذ بدخول سنة 2020. ما دام ان الجهة الوحيدة المؤهلة لإلغائها باعتبارها مخالفة للدستور هي المحكمة الدستورية. وان استحالة إلغائها من طرف المحكمة الدستورية يعود لسببين: السبب الأول: هو أن قانون الدفع بعدم الدستورية الذي يمكن أي مواطن مغربي من التمسك بعدم دستورية المادة 9 من قانون المالية , لا زالت المحكمة مصرة على عدم إخراجه للوجود، وبالتالي لا يملك أي مواطن عرض المادة 9 من قانون المالية على المحكمة الدستورية. والسبب الثاني، هو أنه حتى أعضاء مجلس النواب لا يمكنهم عرضه على المحكمة الدستورية لكونهم صوتوا على تلك المادة بالإجماع. من جهة , ولكون الفصل 132 من الدستور يشترط لعرض قانون عادي على المحكمة الدستورية ان يتقدم به خمس أعضاء مجلس النواب او أربعون عضوا من مجلس المستشارين. وهو الامر غير ممكن ما دام أن مجلس النواب صوت بالإجماع ويظهر ان لم يتأكد بعد هل مجلس المستشارين سيلغي تلك المادة ام لا. لكت يجب استحضار ان مجلس المستشارين إذا الغى المادة 9 المذكورة فأن كلمة الفصل النهائية ستكوم لمجلس النواب في القراءة الثانية طبقا للفصل 84 من الدستور. حول أثار دخول المادة في حيز التنفيذ: من أهم الاثار السلبية التي ستنتج عن دخول المادة 9 حيز التنفيذ ما يلي: 1–توقف المقاولات الوطنية والدولية عن التعاملات مع الدولة او الجماعات الترابية ومجموعاتها ما لم تتوصلوا نقدا وقبل بداية الاشغال بمقابل الصفقات او الخدمات التي ستقدمها لمؤسسات الدولة هذه. لسبب بسيط انه لا يوجد أي مقاول سيتعامل مع الدولة أو الجماعات الترابية ومجموعاتها وهو يعلم بكونه لا يمكنه ان ينفذ الاحكام التي قد يحصل عليها في حالة نزاع مع إدارات الدولة. 2–أن المادة 9 لا تنص على أن القروض التي يحصل عليها المقاولة من البنوك أو الفوائد والصوائر البنكية ستتوقف هي كذلك إلى حين تنفيذ الأحكام ضد الدولة والجماعات الترابية ومجموعاتها. 3 – ان المادة 9 لا تنص على أن إدارة الضرائب ستوقف استخلاص ما تنص عليه مدونة الضرائب من واجبات على المقاولات من تحملات ضريبية محسوبة على رقم المعاملات سواء منها الضريبة على القيمة المضافة أو الضريبة المهنية أو سدس من رقم المعاملات السنوي وهي مستحقات تؤدى للدولة كل شهر و كل سنة. 4 – أن المستثمر الأجنبي الذي تدعي الحكومة أنه سيتسابق من اجل الاستثمار في المغرب لن يجازف برؤوس أمواله و خبرات أطره وهو يعلم ان الدولة و الجماعات الترابية و مجموعاتها لن تنفذ الاحكام القضائية التي قد يكون مضطرة لاستصدارها ضد هذه المؤسسات. في حالة وقوع خلاف حول تنفيذ تلك المشاريع. 5 – أن دخول هذه المادة حيز التنفيذ سيعطي حجة أخرى للمستثمر الأجنبي على عدم ثقتهم في أحكام القضاء المغربي, عندما سيتبين له من المادة 9 ان الحكومة أخرجت مؤسساتها من سلطة القضاء, ضدا على الفصل 126 من الدستور. فكيف يمكن الحكومة أن تشجع الاستثمار الداخلي والخارجي بينما هي تحصن نفسها من تنفيذ الاحكام السلطة القضائية عن طريق سن المادة 9 , علما أن الاحكام القضائية هي التي تثبت إخلال الدولة و من معها بالتزاماتها القانونية او التعاقدية في مواجهة المتضررين من اعمال الشخص العام . فيما يخص عدم جدوى المادة 9 من القانون المالي إن الوجه الأول: لعدم جدوى المادة 9 من القانون المالي يتبين من كون التبرير الذي قدمته الحكومة لحشر تلك المادة في قانون المالية و هو ما عبر عليه وزير المالية من كون مبلغ الاحكام التي تنتظر التنفيذ وصل الى 10 مليارات درهم. لكن عندما يدخل قانون المالية التنفيذ في سنة 2020 فهل ستخرق الحكومة مرة أخرى الدستور لكي تطبق تلك المادة على المغارب ضدا على مبدأ عدم رجعية القوانين ? إن هذا السؤال مشروع لان الدستور ينص في الفصل 6 من على مبدأ عدم رجعية القوانين , أي ان أي قانون يجب ان لا يطبق على الحقوق و الالتزامات السابقة لدخوله حيز التنفيذ. وبالتالي فان المادة 9 لكي يحترم الحكومة الدستور في فصله رقم 6 يجب ان لا تطبق على الاحكام القضائية السابقة أي تلك التي نتجت عنها 10 مليار درهم التي صرخ بها وزير المالية , وإنما ستنفذ على الاحكام التي ستصدر بعد سنة 2020 .وليس الاحكام القضائية التي صدرت و أصبحت نهائية قبل سنوة 2020. وانه لا يمكن التذرع بكون المادة 9 هي قاعدة إجرائية, لسبب بسيط هو انه لم ينص عليها في قانون اجرائي , أي في البا المتعلق بالتنفيذ في المسطرة المدنية و انما نص عليها في قانون موضوعي و هو قانون المالية. وفي جميع الأحوال سيكون تطبيق تلك المادة على الاحكام القضائية الصادرة قبل سنة 2020 موضوع مقررات صادرة عن السلطة القضائية التي ارادت الحكومة ان تتهرب من سلطتها. الوجه الثاني لعدم جدوى المادة 9 من قانون المالية يتمثل في كونها نقلت الالتزام بتنفيذ الاحكام القضائية من كاهل مسؤولية الدولة و الجماعات الترابية و مجموعاتها , وحملتها للأمر بالصرف, عندما الزمته باتخاذ التدابير اللازمة لتوفير الاعتمادات المالية لتنفيذ الاحكام القضائية . و إن نقل هذا الالتزام من الدولة و الجماعات الترابية الى الآمر بالصرف سيؤدي الى مقاضاة الامر بالصرف أمام القضاء لان المادة 9 تحمي أموال الدولة من الحجز و لا تحمي الامر بالصرف من القضاء, و الذي سيكون معرضا للحكم عليه بغرامات تلزمه بتطبيق ما الزمته المادة 9 من توفير الاعتمادات المالية لتنفيذ الاحكام القضائية. كما هو جار به العمل من قبل كل المحاكم الإدارية التي تعاقب مسؤولي الإدارة على عدم تنفيذ التزاماتهم القانونية, علما ات ما تنص عليه المادة9 بخصوص توفير الاعتمادات لتنفيذ الاحكام هو التزام قانوني يقع علا كاهل الامر بالصرف , و لا يوجد في المادة9 ما يعفيه و لا ما حميه من ذلك. الوجه الثالث لعدم جدوى المادة 9 من قانون المالية يتمثل في الصياغة التي اعتمدت في كتابتها والتي تمكن بكل سهولة من عدم تحصيل الغرض منها, و هي الصيغة الحاملة للعيوب التالية: 1-ان الفقرة الأولى تتكلم عن الجماعات الترابية و » مجموعاتها » , بدون ان تحدد ما المقصود بكلمة « مجموعاتها » فهل عدم تنفيذ الاحكام القضائية ستستفيد منه كذلك الشركات التجارية التي تفوض لها الجماعات الترابية تدبير بعض المشاريع الاقتصادية, بالرغم عن طبيعتها ونشاطها التجاري ? وهل سيحرم من يتعالم مع تلك الشركات من تنفيذ الاحكام التي ستصدر لفائدتهم ? انه لا أحد سيملك الجواب على تلك الأسئلة بعدما تدخل المادة 9 الى حيز التنفيذ. ما عدا احكام القضاء التي قد تتعدد وقد تختلف وقد تناقض في تأويل المادة 9 بسبب الغموض الذي صيغت به. 2-إن صياغة الفقرة الثانية من المادة 9 التي تتكلم على أجلين هما 90 يوما و 4 سنوات , و هي صياغة تدفع للنتيجة التالية : إما ان المادة 9 صيغت بدون معرفة بالأثر القانوني للكلمات التي اختيرت في صياغتها, أي ما سينتج عن تطبيقها, و في هذه الحالة سيكون الواقع مؤسفا لان الامر يتعلق بالمشرع المغربي الذي لا يفترض فيه الخطأ. وإما ان الصيغة التي كتبت بها المادة 9 تم اختيار كلماتها بكل عناية و بكل وعي و إرادة , وفي هذه الحالة فإن نية الحكومة الحقيقة هي عدم تنفيذ أي حكم قضائي كيف ما كان, وان أجل 90 يوما او 4 سنوات وضعا للاستهلاك الإعلامي. وأن تلك الآجال ليس لها أي تأثير ام ضغط على الجهة المعنية بتنفيذ الحكم القضائي. أي ان الدولة و الجماعات الترابية و مجموعاتها هي من ستقرر في نهاية المطاف متى ستنفذ أي حكم و لمن ستنفذ ذلك الحكم. لانه لن تكون هناك أي قاعدة قانونية تلزمها على تنفيذ أي حكم في أي وقت كان. وإن هذه الخلاصة ليست مستوحية من الخيال أو من التشاؤم وانما هي منصوص عليها بكل وضوح عندما نقرأ الفقرة الثانية مع الفقرة الثالثة المكونة للمادة 9. ذلك ان عدم احترام اجل 90 يوما او أجل 4 سنوات المنصوص عليهما في الفقرة الثانية لا يعني انه بعد انتهاء ذلك الاجل ولم تنفذ الدولة أو الجماعات الترابية والمجموعات التابعة لها الحكم القضائي , انه يمكن الحجز عليها , بل بالعكس من ذلك فالمادة 9 حسمت بصفة نهائية في المنع المطلق للحجز على أموال تلك المؤسسات, حتى و لم بعد مرور أجل 4 سنوات المذكورة في الفقرة الثانية, وهو ما يتبين بكل وضوح من اخر الفقرة الثالثة من تلك المادة التي تضمنت ما يلي: « إذا أدرجت ………..أعلاه, بدون ان تخضع أموال و ممتلكات الدولة و « الجماعات الترابية و مجموعاتها للحجز لهذه الغاية. وانه يتبين بكل وضوح ان الكلام عن اجل 90 يوما او أجل 4 سنوات ما هو إلا للاستهلاك الإعلامي بدون ان نعطي له وصفا آخر. الوجه الرابع لعدم جدوى المادة 9 يتمثل في كونها تتعلق فقط بالأحكام القضائية. وهو ما يعني ان باقي المقررات التي تقضي لأي متعاقد مع الدولة باي مبلغ يمكنه الحجز على أموال الدولة. و بالفعل قانه من المعروف ان المغرب انخرط في الدينامية الدولية جول البدائل العصرية لفض المنازعات و على راسها التحكيم. إن صياغة المادة 9 لا تمكن من منع الحجز على أموال الدولة والجماعات الترابية عندما يتعلق الامر بمقرر تحكيمي قد تجد هذه المؤسسات معنية به لسبب من الأسباب , ما دام ان المادة 9 تتكلم فقط على الاحكام القضائية. ما هو الفرق بين قوانين المستعمر وقوانين الحكومة بعد ما تم تفصيله أعلاه حول المادة 9 وما قد يترتب عليها , اعود الى عنوان هذه المقال الذي لم يكن من ورائه الرغبة في الاثارة او التلميح ضد الحكومة, بل الغرض منه هو غرض علمي محض يرمي الى المقارنة كيف تعامل المستعمر مع الاحكام المغربية الصادرة ضد الدولة و كيف تريد الحكومة التعامل مع نفس الاحكام , ليقرر القارئ من هو ارحم , هل المستعمر أم الحكومة. نحن في سنة 1944 أي في قلب الحرب العامية الثانية و فرنسا تعيش الغزو الألماني ضدها و كل أموالها موجهة الى ميزانية الحرب التي هي حرب وجود بالنسبة الى دولة كفرنسا , الدولة المستعمرة (بكسر الميم) للمغرب ولغيره من الدول الافريقية , ولكنها في هذه المرحلة هي الدولة المستعمرة (بفتح الميم) من قبل النازية الالمانية. وبالتالي فهي في حاجة ماسة للأموال للدفاع على نفسها. في 14/9/1944 سيصدر ظهير ينص في فصله الأول على ما يلي: « ان الاحكام والقرارات التي تكون بمقتضاها الخزينة العامة او أحد الصناديق التابعة للإدارة « عمومية ملزمة بالأداء لا يمكن تنفيذها في حالة ما إذا طلب فيها النقض الا تحت مسؤولية « الأطراف الذين حصلوا عليها بإعطائهم ضمانات حسب الشروط المقررة في هذا الظهير ». وان يتبين من ذلك الظهير انه منع تنفيذ الاحكام الصادرة ضد الدولة فقط الى حين يطلب فيها النقض في انتظار ان يبت المجلس الأعلى في حالة الطعن فيها بالنقض المرفوع اليه. لكن لا ينص ذلك الظهير على ان أموال الدولة والجماعات الترابية ومجموعاتها غير قابلة للحجز. فمن هو ارحم بمن يتوفر على حكم قضائي قابل للتنفيذ ? هل ظهير 1944 ام القانون المالي لسنة 2020 ? انه يظهر بان الجواب السؤال واضح و لا يحتاج الى من يوضحه. غير ان الوطنية التي تسكن المغاربة و حب بلدهم و استعدادهم لتحمل اعبائه الطارئة يمكن ان تجعلهم يقبلون بإجراء يحصن المالية العامة و يدافع عليها. لذا فانه انطلاقا من هذا المبدأ, في تقديري المتواضع , يمكن ان تنص المادة على منع الحجز على أموال الدولة فقط لفترة محددة حتى تتمكن الدولة من تنفيذ الاحكام القضائية. لكن بعد مرور تلك الفترة ولم يتم تنفيذ الحكم القضائي , يسترجع المستفيد منه حقه في تنفيذه بكل الطرق القانونية بما فيها الحجز على اموال الدولة. لان المقاول هو كذلك متابع من قبل الابناك باسترجاع قروضها له , متابع من من ادارة الضرائب بأداء الضرائب و غيرها المستحقة عليه , متابع من قبل الاجراء بأداء مستحقاتهم . اما الجماعات الترابية فأنها لا يجب ان تستفيد من هذه القاعدة بل يجب ان تتحمل مسؤولية تذبيرها للمرفق العمومي الذي ترشحت لتسييره, وتتحمل مسؤولية ضبط التصرف في أموال ذلك لمرفق العمومي وان تتحمل مسؤوليتها السياسية امام ناخبيها ومسؤوليتها المدنية و الجنائية اتجاه من تتعاقد معهم لانجاز المشاريع التي تخطط لها. وأن تحملها لهذه المسؤولية سيساعد الشفافية والتخليق. الذي هو اليوم مطلب شعبي. لذا لا يجب ان تخلق لها القواعد القانونية التي تختفي وراءها لتتصرف في المال العام في غيرما اعد له تحت ذريعة المادة 9 . علما كذلك ان المادة 9 لا تبين كيف سيتم تنفيذ الاحكام في اجل 90 يوما او في اجل 4 سنوات. وهل يستم ذاك في إطار الشفافية وتنفيذ الاحكام بأسبقية صدورها, ام انها ستخضع هي كذلك للمحسوبية والمساومة في التنازل على جزء من الدين. كما يمارس ذلك اليوم في الحالات التي يكون فيها المستفيد من الحكم في وضعية الحاجة التي تلزمه بالقبول بأقل مما حكم له به. يتبين ادن ان العنوان ليس فيه أي اثارة وإنما يترجم الحالة التي تريد الحكومة ان تضع فيها من يريد ان يقاضيها أمام المحكمة على حقه المشروع اتجاها. بينما كان عليها ان تختار سن قواعد من نوع آخر , لحمايتها من غلو بعص الاحكام القضائية في التعويضات التي يحكم بها على الدولة و الإدارات العمومية و الجماعات الترابية.