ناقش أكاديميون وإعلاميون مغاربة وأجانب، اليوم الجمعة بالرباط، دور ومكانة الإعلام في مواكبة مشروع النموذج التنموي الجديد. وانكب المتدخلون، خلال يوم دراسي نظمه المعهد العالي للإعلام والاتصال حول موضوع » الإعلام المغربي وآفاق النموذج التنموي : الأدوار والمسؤوليات »، على اقتراح تصور إعلامي مهني منظم لمساءلة مكونات هذا المشروع، والدفع في اتجاه اعتماد مقاربات مهنية واخلاقية نقدية مواكبة للجيل الجديد من المشاريع التنموية. وأجمعوا على ضرورة التفكير في جعل الإعلام، كممارسة مهنية وآلية لاتاحة المشاركة المواطنة والديمقراطية، في صلب النقاش العمومي حول مشروع النموذج التنموي الجديد بالمملكة في زمن التحولات الرقمية المتسارعة، وتحديد أدوار ومسؤوليات الفاعلين في قطاعي الإعلام والاتصال. وفي هذا الصدد، سجل مدير المعهد عبد اللطيف بن صفية في مقاربته لمستوى الاهتمام الاعلامي بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالمغرب، أن المشاريع الانتاجية الكبرى والاستراتيجيات والخطط الاقتصادية بالمغرب قليلا ما تدمج البعد الإعلامي في تصوراتها، ونادرا ما تشرك الإعلاميين، بالمعني المهني، في كل مشروع تنموي على حدة، معتبرا أن المقاربة الإعلامية المؤسساتية لمشاريع ومخططات التنمية ترتبط مجملها بنشاط المسؤول « الشخص ». وبعد أن توقف عند التطور الهام الذي عرفه المشهد الإعلامي بالمغرب إن على مستوى الهيكلة أو تقنيات العمل، أكد السيد بن صفية أنه يتعين على الدوائر الرسمية تغيير نظرتها إلى الإعلام بشكل شامل، والارتقاء به إلى مرتبة الشريك الفعلي، مشددا على ضرورة اعتماد وسائل الإعلام الوطنية أسلوب التخطيط الإعلامي الرصين، وجعل البعد/الهاجس التنموي يسكن جميع أركان الإنتاج الإعلامي. من جانبه، أكد مدير الإعلام بوكالة المغرب العربي للأنباء، رشيد الماموني، على أهمية إشراك وسائل الإعلام في التفكير في آفاق النموذج التنموي الجديد، مذكرا بدعوة الإعلامي المخضرم محمد برادة خلال منتدى الوكالة، إلى إشراك الإعلام في هذا النقاش. وركز الماموني في مداخلته على أخلاقيات مهنة الإعلام في ظل التطورات التي تشهدها المهنة والتحديات التي تواجهها، مستحضرا الانتشار « المهول » للأخبار الزائفة على وسائل التواصل الاجتماعي، « والتي تتطلب منا التعامل معها كمهنيين، حيث نبذل جهدا أكبر في تسليط الضوء على الأخبار الصحيحة مما نبذله في البحث عن الأخبار ونشرها ». وأبرز أنه ردا على هذه الإشكالية، أطلقت وكالة المغرب العربي للأنباء خدمة جديدة للتحقق من صحة الأخبار باسم « SOS Fake-NEWS » موجهة للهيآت الخاصة أو العمومية التي تعتبر أنها متضررة من الأخبار الزائفة، مبرزا أن هذه الخدمة تتيح الرد على تلك الأخبار بناء على وقائع حقيقية وآراء مؤسسة ومسؤولة تتعدى مجرد بلاغات توضيحية. من جانب آخر، استعرض التحديات التي باتت تفرضها التكنولوجيا، مقدما نموذج وسائل الإعلام الكبرى في الولاياتالمتحدة التي اتجهت نحو تقديم الأخبار على الهواتف الذكية وشبكات التواصل، بما فيها تطبيق « تيك توك » المنتشر بين الفئات الأصغر سنا، نظرا لحجم استهلاك الأخبار عبر هذه الوسائل. وأوضح ان استعانة وسائل الإعلام الأمريكية هاته، من قبيل « نيويورك تايمز » أو « واشنطن بوست » بهذه المواقع يندرج في إطار سعيها لإعداد الجيل القادم للقراء منذ الآن، على اعتبار أن هذه الفئات الشابة التي تستعمل هذه التطبيقات ستصبح أهم كتلة مستهلكة للأخبار غدا. ولم يفت المسؤول الإعلامي التأكيد على إسهام الذكاء الاصطناعي في تحرير نصوص الإعلام، خاصة في مجالي المال والرياضة في عدة تجارب إعلامية، من بينها وكالة « أسوشييتد بريس »، معتبرا أن هذا المتغير « يسائلنا أيضا على مستوى أخلاقيات المهنة في ما يتعلق بطريقة التعامل مع خطأ الآلة ». ويتطلب هذا الواقع، حسب الماموني، « التفكير في هذه الإشكاليات الجديدة واستيعاب تحولاتها، والحرص على الالتزام بمعايير الصحة والدقة والجودة في إنتاج الخبر الصحفي، في واقع تنتشر فيه الأخبار الزائفة بشكل كبير ». من جانبه، تطرق تريستان ماتلار للنقاش الدولي حول وسائل الإعلام وإسهامها في تنمية المجتمعات من زاوية نظرية، مشيرا إلى الطريقة التي تم بها تقديم وسائل الإعلام « العبر وطنية » كفاعل في التنمية والدمقرطة في بلدان الجنوب والشرق. وتناول في مداخلته التي تمحورت حول الإعلام والتنمية والدمقرطة، نظريات التحديث التي فسرت دور الإعلام في التحولات المجتمعية، وما تعرضت له من انتقادات، مشيرا إلى أن التعاطف، كسمة سيكولوجية تستميل افراد المجتمعات، تعد من أكبر محركات التطور نحو مجتمع حداثي من خلال القدرة على تمثل الآخر والتشبه به. أما الأستاذ بالمعهد العالي للاعلام والاتصال، السيد مهدي عمري، فقد اعتبر أن ظهور الهواتف الذكية إلى جانب التكنولوجيا الرقمية، أسهم بشكل كبير في إحداث تغيير جوهري وعميق في مهنة الصحافة، معتبرا أن الهواتف الذكية أصبحت أداة للإنتاج الإعلامي ومختبرا مصغرا بين أيدي الصحافيين لصناعة محتويات إخبارية متميزة. وشدد على أهمية التحسيس بمنافع استعمال الهاتف الذكي في العملية التدريسية والتدريبية للطلبة الصحفيين، داعيا إلى إدراج صحافة « الموبايل » كمادة في مقررات كليات ومعاهد الاعلام والتواصل، وتعميم التجارب الدولية الرائدة في هذا المجال بهدف بلورة النموذج التنموي الذي ينبغي أن تعتمده مختلف مهن الإعلام والتواصل بالمغرب. من جهتها، سجلت الأستاذة نادية المهيدي، الدور الذي يضطلع به الإعلام المغربي كرافعة للنموذج التنموي الجديد، وأداة لنقل المجهود الاقتصادي للمملكة خارج حدودها، لا سيما في القارة الإفريقية. ولدى تطرقها لموضوع الإعلام العابر للحدود، اعتبرت أن النموذج التنموي للمغرب ينتقل إلى إفريقيا، خاصة في إطار التنمية جنوب-جنوب، مبرزة أن الإعلام المغربي، في أدائه لهذا الدور، يسعى لأن يكون قوة لينة وهادئة، على خلاف ما يقوم به الإعلام الصيني في إفريقيا، الذي يعبئ كافة الوسائل، خاصة الإلكترونية، لإعادة طرح طريق الحرير. ونوهت بريادة وكالة المغرب العربي للأنباء في مجال الإعلام العابر للحدود، وما تبذله من أجل التعريف بالمجهود الاقتصادي للمملكة، إلى جانب ما تقوم به بعض القنوات العمومية التي تبنت استراتيجية موجهة نحو البلدان الإفريقية، إلى جانب بعض منابر الصحافة المكتوبة. بدوره، ذكر رئيس التحرير المركزي بالشركة الوطنية للاذاعة والتلفزة المغربية، السيد محمد ايت لشكر، بأنه قبل إطلاق ورش النموذج التنموي الجديد تم إطلاق الورش الكبير للجهوية المتقدمة، معتبرا أن هذه الأخيرة من شأنها أن تشكل أساسا للنموذج التنموي الجديد. وأبرز الدور الهام الذي يمكن أن يضطلع به الإعلام في بلورة هذا النموذج، على غرار مساهمته في ترسيخ فكرة الجهوية المتقدمة، مشيرا في هذا الصدد إلى ما قامت به وسائل الإعلام، خاصة العمومية، من توسيع لشبكاتها وتعزيز الأخبار الجهوية. وتتضمن أشغال هذا اليوم الدراسي مناقشة مواضيع تتمحور حول « التنمية المجتمعية: طموح بشري كوني »،و « مقاربات الاعلام وأهداف التنمية الشاملة »، و الإعلام المغربي وديناميات النموذج الجديد للتنمية »، فضلا عن « الابتكار في زمن الثورة الإعلامية الرقمية ومشروع النموذج التنموي ».