يواصل الطامحون لمنصب رئاسة الجمهورية في تونس إيداع ملفات ترشحاتهم لهيئة الانتخابات، استعدادا لخوض غمار ثاني انتخابات رئاسية تشهدها البلاد بعد الثورة منتصف الشهر القادم، في حين قررت النهضة وبعد مشاورات لأيام ترشيح عبد الفتاح مورو. وأكد رئيس مجلس شورى النهضة عبد الكريم الهاروني للجزيرة نت أن الحركة حسمت بأغلبية مريحة لصالح مورو، موضحا أن هذا القرار يعد سابقة في تاريخ الحركة منذ نحو خمسين سنة على تأسيسها. وأثنى الهاروني على المناخ الديمقراطي الذي ساد اجتماع مجلس شورى الحركة، رغم تباين الآراء والنقاش داخلها. ووصف الهاروني مرشح الحركة مورو بالشخصية الوطنية التي تحظى بشعبية داخل الحركة وخارجها، مبررا عدم اختيار شورى النهضة مرشحا من خارجها لعدم وجود شخصية تراعي مصلحة البلاد والحركة. ويبدو أن قرار النهضة، المتخذ بعد نقاشات منذ السبت الماضي، لاقى معارضة من داخل مكتبها التنفيذي تدعم مرشحا توافقيا من خارجها، وهو ما ظهر جليا في تدوينة للقيادي رفيق عبد السلام عبر صفحته الرسمية، حيث أقر بحاجة البلاد لمرشح توافقي « غير معاد لتوجهات الثورة ومتشبع بخياراتها الديمقراطية ». واعتبر عبد السلام أن تقديم مرشح نهضوي مرهق لتونس وتجربتها الديمقراطية، ومنهك للحزب وآفاقه المستقبلية، كما برر موقفه في دعم مرشح من خارج الحركة بالأوضاع الدولية وصعود تيارات يمينية معادية للحرية والديمقراطية، ولتشكل « محور إقليمي » معاد للربيع العربي. وبلغ عدد المرشحين 29، بحسب ما أكده عضو الهيئة العليا للانتخابات أنيس الجربوعي للجزيرة نت، يتوزعون بين شخصيات متحزبة وأخرى مستقلة. وكانت الهيئة قد فتحت أبوابها لاستقبال ملفات الترشح من 2 غشت الجاري إلى حدود التاسع من الشهر نفسه. وأقر الجربوعي بغياب الجدية عند بعض المرشحين المتقدمين الذين خلت ملفاتهم من أبسط الشروط، حيث يُشترط على المتقدمين للانتخابات الرئاسية أن يستوفوا شرط التزكيات المحدد بعشرة آلاف إمضاء من الناخبين أو عشرة نواب من البرلمان، أو 40 من رؤساء مجالس الجماعات المحلية المنتخبة. وأعرب الجربوعي عن أسفه لاستغلال بعض المرشحين الثغرة القانونية في القانون الانتخابي الحالي التي تتيح لأي شخص التقدم بملف ترشحه حتى دون استيفاء العدد اللازم للتزكيات، لافتا إلى أن الهيئة وبسبب ضيق الوقت ووفاة الرئيس الباجي قايد السبسي لم تتمكن من توجيه البرلمان لتنقيح هذه النقطة. ومن الشخصيات الحزبية والمستقلة المرشحة محمد عبو عن التيار الديمقراطي، ومهدي جمعة عن حزب البديل، ونبيل القروي وحمادي الجبالي كمستقلين، وعبير موسى عن الحزب الدستوري الحر. ويرى مراقبون أن تقديم موعد الانتخابات الرئاسية على التشريعية بعد وفاة السبسي أربك حسابات العديد من الأحزاب التي كانت تعول على نتائج التشريعية لتحديد وزنها وطبيعة التوافقات في اختيار مرشحها للرئاسية، مما جعلها تتمهل بحسم مرشحها للرئاسة على غرار أحزاب حركة النهضة ونداء تونس وتحيا تونس. وفي حين لم يحسم رئيس الحكومة يوسف الشاهد قرار ترشحه، قررت الهيئة السياسية لحزبه تحيا تونس دعوته بشكل رسمي للترشح للانتخابات الرئاسية، بينما راجت أنباء غير مؤكدة عن إمكانية تقديمه لاستقالته وتفويض أحد وزرائه لتسيير الحكومة. ولم يعلن نداء تونس عن مرشحه للرئاسة، في حين كشفت مصادر من داخل الحركة للجزيرة نت عن ترشيح وزير الدفاع الحالي عبد الكريم الزبيدي، الذي قد يقدم ملف ترشحه لهيئة الانتخابات كشخصية مستقلة، محافظا بالتوازي على منصبه وزيرا للدفاع. أثارت بعض الشخصيات جدلا بين الناشطين، في ظل ما اعتبر غيابا لأبسط معايير الكفاءة والجدية في التقدم عند البعض، فتساءل الإعلامي زياد الهاني عبر فيسبوك عن جدوى تقديم بعض المرشحين لملفاتهم دون احترام لمعايير وضوابط الترشح، داعيا هيئة الانتخابات إلى التوقف عما وصفها بالمهزلة التي من شأنها « ترذيل » العملية الانتخابية. بدوره دعا القيادي السابق في نداء تونس برهان بسيس إلى وقف « المهزلة » من خلال مواصلة هيئة الانتخابات استقبال « جحافل من المضطربين وعابري السبيل »، واصفا رغبتهم في التقدم بملف الترشح ب »الفلكلورية » والمسيئة لصورة الدولة. ورأى آخرون أن الديمقراطية يجب أن تقبل بمحاسنها وبمساوئها في ظل ما يمنحه الدستور من تكافؤ الفرص للتقدم لهذا الاستحقاق الرئاسي، وقال الناشط الأمين البوعزيزي إن « فوضى » الرئاسيات كشفت فضل الثورة ونزعت القداسة عن « غول » الرئاسة. وأثنى الإعلامي أمان الله المنصوري على ما وصفه بالاستثناء التونسي الذي يمكن بموجبه لأي مواطن يستجيب للشروط أن يكون رئيس دولة، وعبر عن سعادته لوجود مرشحين غير معروفين جنبا إلى جنب مع وجوه سياسية لها وزنها. وفي خطوة غير مسبوقة، أعلنت التلفزة التونسية خوض غمار المناظرات بين المرشحين، بالتزامن مع انطلاق الحملات الانتخابية المقررة من 2 إلى 7 شتنبر القادم.