ذكر تقرير بصحيفة « لا تريبون » الفرنسية (لاتريبون أفريك) أن تدويل المصارف المغربية في أفريقيا، الذي يعد ظاهرة جديدة لا يمكن إنكاره، يندرج ضمن السياسة المغربية الأفريقية التي تنادي بها أعلى سلطة في البلاد لصالح إرساء التنمية المشتركة والتضامن النشط مع دول جنوب الصحراء الكبرى. وتلعب المجموعات المصرفية المغربية، المصنفة ضمن أفضل خمس مؤسسات مصرفية تعمل في منطقة الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا في سنة 2018، دورا رائدا في حضور المغرب في القارة الأفريقية. ووفقا للجنة المصرفية للاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا، حصلت المصارف المغربية في عام 2018 على 27.8% من حصة السوق في هذا الاتحاد وأكثر من 30% من حصة صافي الدخل العام في المنطقة. دوافع التدويل المصرفي بيّنت كاتبة التقرير حفصة بكري أن حصر موجة تدويل المصارف في شكلها الظاهري (دوافع إدارية، وخيار إستراتيجي للنمو والعائدات) قد يوحي بأنها ظاهرة معزولة تفتقر لأسس التطور. ومع ذلك، لا يشير اختيار الأسواق الأفريقية إلى مجرد خيار فردي للمصارف المشاركة فحسب، وإنما يعكس سلوكا جماعيا مدروسا وإستراتيجيا. وبالإضافة إلى منطقة الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا، سبق وأن دخلت المصارف المغربية بالفعل إلى وسط القارة حيث تتطلع تدريجيا إلى اقتحام شرقها. وتحدث التقرير عن خمسة عوامل رئيسة تُبرر تدويل المصارف المغربية في أفريقيا، تتمثل في الحاجة إلى دعم إستراتيجية المغرب الجديدة لإعادة التركيز الاقتصادي على القارة، ونقائص السوق الوطنية، وانخفاض معدل الخدمات المصرفي، وحاجة هذه المصارف إلى مرافقة عملائها من المجموعات الصناعية الموجودة في أفريقيا، فضلا عن النمو المذهل لأفريقيا. آثار التدويل وأوردت الكاتبة أن تحليل تطور إحصاءات المجموعات المصرفية المغربية الثلاث الموجودة في الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا، المتمثلة في « التجاري وفا بنك »، والبنك المغربي للتجارة الخارجية لأفريقيا الذي سيصبح « بنك أوف أفريكا » مع حلول سبتمبر/أيلول المقبل، والبنك الشعبي المركزي خلال الفترة الممتدة بين عام 2006 و2017، يُبين صعودها في المنطقة. ففي بلد مثل بوركينا فاسو، سجلت المصارف المغربية، التي لم تكن تملك سوى 6% فقط من إجمالي الحسابات المصرفية في عام 2006، نسبة 28.57% في عام 2015، و29.96% في عام 2017 من هذا الإجمالي، وذلك وفقا للبيانات التي جُمعت انطلاقا من قاعدة بيانات اللجنة المصرفية في الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا. وفي الوقت ذاته، ارتفعت شبكة هذه المجموعات المصرفية من 5% إلى 25% في غضون عشر سنوات. أما في مالي، ووفقا للمصدر ذاته، بلغ إجمالي حجم الائتمان المصرفي للمجموعات المصرفية المغربية 44.42% من القروض في عام 2015، مقارنة بحوالي 10% فقط في عام 2007. وقد غطت 48.21% من المؤسسات وحصلت على 36% من حسابات العملاء في عام 2015، مقارنة بنسبة 8.4% من المؤسسات والحسابات في 2007. وبحسب الكاتبة تقدر حصة المصارف المغربية في حجم الائتمان المصرفي التي توفرها داخل الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا بنحو 29.6% في عام 2017، مقارنة بحوالي 11% في عام 2007. ويُوضح ذلك مساهمة المصارف المغربية في تمويل اقتصادات الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا. علاوة على ذلك، يوضح التحليل المعمق للعلاقة بين تطور حجم الائتمان المصرفي الذي توفره المصارف المغربية ودورة الاستثمار الخاص في بلدان الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا، أن سياسة عرض خدمات الائتمان المصرفي للمصارف المغربية قد رافقت النشاط الاقتصادي. وخلال مراحل توسع النشاط الحقيقي، انخرطت المصارف المغربية في عملية توزيع قروض واسعة النطاق. أما بالنسبة للعامل الآخر الذي تأثر بتدويل المصارف المغربية، فيتمثل في الاستثمار المغربي المباشر في أفريقيا. فخشية رؤية عملائها يقيمون روابط مع المصارف المتنافسة في البلدان التي يعملون فيها، اختارت المصارف المغربية متابعة عملائها في أفريقيا. وهكذا، بدت حركة التدويل المصرفي مستدامة ذاتيا منذ هذه المرحلة الأولى. وفي الوقت الراهن، يمكن أن تكون المصارف المغربية قوة جذب لا تسمح بمرافقة الشركات المتمركزة أساسا في أفريقيا فحسب، وإنما باستقطاب مستثمرين مغاربة جدد أيضا. أفريقيا « الإنجليزية ».. عامل مستقبلي وفي الوقت الذي ما زال فيه النشاط المصرفي المغربي في القارة مركزا على أفريقيا الفرنكوفونية نوعا ما، فهل سيكون مستقبل نمو المصارف المغربية في أفريقيا الناطقة بالإنجليزية، وخاصة في الشرق، الذي يثير الاهتمام الأكبر؟ ربما تكون الإجابة بالإيجاب، كما تقول الكاتبة. وفي الواقع، يتطلع وفا بنك بعد البنك المغربي للتجارة الخارجية الموجود بالفعل في شرقي أفريقيا، إلى القيام بعمليات استحواذ جديدة في هذه المنطقة. وتخطط المجموعة المصرفية لإطلاق هذه العمليات في نهاية عام 2019، وذلك انطلاقا من رواندا وكينيا وإثيوبيا. كما قد تكون التجربة التي خاضتها في غرب أفريقيا مصدر إلهام، لاستنساخ النفوذ المالي المغربي في المنطقة الشرقية من القارة.