نبهت عدة مؤشرات وتقارير إلى تباطؤ نمو الاقتصاد المغربي، بينما تسعى المملكة إلى صياغة « نموذج تنموي » جديد يحرك عجلة الاقتصاد ويتيح تقليص الفوارق الاجتماعية. وكشفت المندوبية السامية للتخطيط، وهي هيئة الإحصاءات الرسمية في المغرب، في تقرير صدر هذا الأسبوع أن معدل النمو المرتقب هذه السنة لن يتعدى 2,7 مقارنة بمعدل 3 بالمئة سنة 2018 و4 بالمئة سنة 2017. كذلك توقع « بنك المغرب » المركزي في تقريرأن يكون معدل النمو هذه السنة في حدود 2,7 بالمئة. ويكمن السبب الرئيسي لهذا التراجع في المردود المتوسط للقطاع الزراعي هذه السنة، بعد نتائج أفضل في الموسمين الماضيين، بحسب المندوبية السامية للتخطيط. وأوضح المندوب السامي للتخطيط أحمد الحليمي لوكالة فرانس برس أن النمو الاقتصادي في المغرب سيظل »مرتهنا بدرجة كبيرة بمردودية القطاع الزراعي، وما يزال هذا الأخير رهينا بالتقلبات المناخية رغم الجهود التي بذلت لتقليص ارتباطه بالتساقطات المطرية » . ويساهم القطاع الزراعي بأكبر نسبة في إجمالي الناتج الداخلي في المغرب (14 بالمئة)، متقدما على قطاعي السياحة والصناعة، ما يجعل النمو الاقتصادي عموما رهينة تقلبات الأحوال الجوية. وتبنى المغرب في 2008 مخططا طموحا هو مخطط « المغرب الأخضر »، يسعى لتطوير القطاع الزراعي من خلال تحديث وسائل الإنتاج وزيادة مداخيل المزارعين الصغار. لكن حصيلة هذا المخطط لا تزال دون الطموحات ولم تمكن بعد من تجاوز تأثير التقلبات المناخية. وتحاول السلطات المغربية في نفس الوقت تنويع أنشطة الاقتصاد ساعية خصوصا لجذب الاسثتمارات الخارجية في القطاع الصناعي. وتعول في هذا الإطار على استقرار البلد وقربه من الأسواق الأوربية وانخفاض تكاليف اليد العاملة والامتيازات الضريبية والجمركية في المناطق الحرة. وأطلق المغرب استراتيجية صناعية للفترة ما بين 2014 و2022 تعول على صناعة السيارات والطيران. بيد أن « القطاع الصناعي، الذي يعد قاطرة للنهوض بالاقتصاد الوطني لا يزال عاجزا عن رفع حصته في الناتج الداخلي الخام » كما توضح المندوبية السامية للتخطيط، وذلك رغم الاستثمارات الجديدة في « مهن صناعية عالمية » مثل السيارات والطيران. وينبه تقرير المندوبية إلى أن الاهتمام الذي تحظى به أنشطة هذه المهن العالمية « لا ينبغي أن يكون على حساب النهوض بالقطاعات الصناعية الأخرى، خصوصا الصناعات الغذائية وصناعة النسيج، والتي لطالما ساهمت في تعزيز الشغل والصادارت ». ويؤكد أحمد الحليمي أن المشكل يكمن أساسا في « ضعف دينامية الأنشطة غير الفلاحية التي لم تستطع تحسين تنافسيتها الضعيفة ». ويوضح « حجم الواردات يرتفع بينما العرض المحلي غير تنافسي، وهذا له تأثير مباشر على التجارة الخارجية يتمثل في العجز المستمر للميزان التجاري ». وتفاقم هذا العجز بنسبة 8 بالمئة سنة 2019 بما يعادل 204 مليار درهم (نحو 18,5 مليار يورو)، بحسب الأرقام الرسمية لمكتب الصرف. وأشار موقع « لوبورسيي » إلى تباطؤ إجمالي في نمو الاقتصاد المغربي خلال العقد الحالي، موضحا أن « المغرب انتقل من 4,5 بالمئة كمتوسط معدل النمو خلال العشرية الأولى من هذا القرن إلى متوسط 3,5 بالمئة منذ سنة 2010 ». ولا يزال المغرب يعاني على المستوى الاجتماعي من تفاقم الفوارق الاجتماعية والمجالية، وارتفاع معدل النمو وسط الشباب. ودعا الملك محمد السادس قبل عامين « الحكومة والبرلمان، ومختلف المؤسسات والهيئات المعنية، كل في مجال اختصاصه، لإعادة النظر في نموذجنا التنموي لمواكبة التطورات التي تعرفها البلاد ». ولم يتضح بعد أي توجه تنموي جديد.