تحت عنوان «بوتفليقة رجل القَدَر»، صدر في الجزائر أول كتاب يسلط الضوء على فترة حكم الرئيس المستقيل عبدالعزيز بوتفليقة، للكاتب والصحفي عبدالعزيز بوباكير. وصدر الكتاب عن دار «الوطن اليوم» للمنشورات، في 126 صفحة، تحتوي على 24 عنواناً فرعياً، تستوقف القارئ عند أبرز محطات حكم بوتفليقة (82 عاماً). وقبل صدوره، أثار الكتاب ضجة إعلامية واسعة، بعد أن هدَّد وزير الدفاع الأسبق، اللواء المتقاعد خالد نزار، باللجوء إلى القضاء لإيقاف نشره، اعتراضاً على ما قال إنه «كُتب في حقه». والسبب أن بوباكير نقل، في تصريحات له قبل أيام، شهادة للرئيس الجزائري الراحل الشاذلي بن جديد قالها له شخصياً، وهي أنه «ندم على تعيين الجنرال خالد نزار وزيراً للدفاع مطلع التسعينيات». ويعد «بوتفليقة رجل القدر» أول كتاب يُخصص كلياً لبوتفليقة، منذ استقالته تحت ضغط حراك شعبي سلمي رفض ترشحه لولاية رئاسية خامسة، وطالب برحيله منذ 22 فبراير 2019. في كتابه الصادر قبل أيام، لا يكتفي بوباكير، وهو متخصص في الأدب الروسي وأستاذ للعلوم السياسية، بتقييم فترة حكم بوتفليقة الممتدة على مدار عشرين عاماً، وإنما يغوص في شخصيته من النشأة إلى التكوين، فالطموح والتوجهات الأيديولوجية والفكرية. بأسلوب لغوي مشوق، يترك الكاتب للقارئ اكتشاف نفسية بوتفليقة وفلسفته في الحكم، حتى يصل في النهاية إلى تكوين صورة شاملة. يسند الكاتب عنوان مؤلّفه إلى مقارنة عميقة بين بوتفليقة والإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت. ويرى بوباكير أن لبوتفليقة «معرفة عميقة بدقائق سيرة الإمبراطور الفرنسي وخبايا نفسيته»، وأنه «معجب ومنبهر بشخصيته (نابليون) ومصيرها الاستثنائي». ويفيد بوجود تشابه «مثير للاندهاش» بين نابليون وبوتفليقة، «فكلاهما منحدر من أصول متواضعة، وتوافرت لهما ظروف مواتية دفعتهما إلى أعلى مراقي الشهرة والنجاح». ويزيد بأن كليهما «مفعم بالاعتداد بالنفس وسعة الخيال وطاقة النشاط الفياض والطموح العارم». ومثلما عاد نابليون إلى بلده فرنسا من مصر في صورة المنقذ، عاد بوتفليقة إلى الجزائر، عام 1999 من المهجر بعد قطيعة دامت عشرين عاماً، في ثوب «المنقذ المخلص» من عشرية الإرهاب، بحسب الكاتب. ويعتبر بوباكير أن بوتفليقة آمن دائماً بأنه «رجل قدر» بالنسبة للجزائر، مثلما قال نابليون عن نفسه. ويرى بوباكير، وهو كاتب مذكرات الشاذلي بن جديد ومؤلفات أخرى تناولت التاريخ السياسي الحديث للجزائر، أن بوتفليقة اتخذ معيار «الوفاء» على حساب «الكفاء»، كأداة للحكم، عندما أحاط نفسه بأفراد من عائلته كشقيقه السعيد وعدد من أصدقاء الدرب ورفقاء الكفاح. يتشكل أهم مضمون الكتاب من مقالات نشرها بوباكير سابقاً في عدة صحف منذ وصول بوتفليقة إلى الحكم. فيها نجد أن بوباكير تنبَّأ منذ الولاية الرئاسية الأولى بأن بوتفليقة يخطط للبقاء في الحكم لأطول فترة ممكنة. ويقول إنه «قد يغادر الكرسي في ال80 من العمر»، فهو لا يحب الدستور، الذي أوصله إلى الرئاسة، وسيقدم على تعديله. وكان دستور عام 1996 يحدد الولاية الرئاسية بخمس سنوات، قابلة للتجديد مرة واحدة، فقام بوتفليقة، في 2008، بتعديل أتاح له الاستمرار لولايات مفتوحة، أي رئاسة مدى الحياة. ويرصد الكتاب كيف استجمع بوتفليقة كل السلطات بيده، عبر استصغاره للأحزاب «فبالنسبة له لا يوجد سوى حزب واحد، هو حزبه هو (جبهة التحرير الوطني)». ويوضح ميول بوتفليقة إلى الاستفراد بالسلطة «كل السلطة»، عندما تجاهل البرلمان بغرفتَيه، وعوض المؤسسات الدستورية بلجان إصلاحية فشلت في مهمتها، وجعل من نفسه «تجسيداً للجزائر كلها». ويخلص القارئ من خلال الربط بين محاور الكتاب إلى أن بوتفليقة المختلف عن رفقائه في السلاح (خلال الثورة التحريرية (1954: 1962) بنزعته الليبرالية وتوجهه الحداثي، حكم بالمنطق نفسه الذي حكم به الرئيسان أحمد بن بلة وهواري بومدين، خلال الستينيات والسبعينيات. وتحت محور «بيان الانقلاب»، يفيد الكاتب بأن الأسباب التي ساقها بوتفليقة وبومدين وحلفهما آنذاك للانقلاب على «بن بلة» عام 1965، توفرت كلها في حكم بوتفليقة، ومنها الاستفراد بالحكم، وصولاً إلى ممارسة السياسية بالدسائس. يرى الكاتب أن بوتفليقة، ومنذ السنوات الأولى للاستقلال، كان يحمل عاطفة خاصة حيال فرنسا. فالرجل كان يحلم، منذ أن كان وزيراً للشباب والرياضة ووزيرا للخارجية وعمره 25 سنة (في 1963)، بمصالحة تاريخية مع هذا البلد المستعمر، حسب المؤلف. ويتابع أن ما عجز بوتفليقة عن تحقيقه، حينما كان تحت جناح بومدين، اجتهد في تحقيقه عندما صار رئيساً، عبر الانضمام إلى فضاء الفرانكفونية، والإسهاب في الحديث باللغة الفرنسية والتغني بمحاسنها. ويفيد الكتاب بأن بوتفليقة بذل كل ما شأنه إعادة الدفء بين البلدين، في إطار احترام سيادة الجزائر واستقلالها. عن كتابه «بوتفليقة رجل القدر»، يقول الكاتب بوباكير للأناضول: «كتبت كل مقالات الكتاب منذ ولاية بوتفليقة الأولى»، أي حتى في الفترة التي كان فيها في أوج قوته. ويتابع أن بوتفليقة لم يتعرض له «بل العكس، كان من أفضل قُرائي، ويقرأ لي بمتعة كبيرة، ويطلب مقالتي كاملة، ولا يكتفي بملخص عنها». ويستدرك: بعض المقالات سببت لي مضايقات من «محيط الرئيس ومقربيه، ولكن ليس من الرئيس». وينفى بوباكير أن يكون الكتاب قد تعرض لأي نوع من الرقابة قبل رحيل بوتفليقة، قائلاً: «لا توجد رقابة على الكتاب في الجزائر». وعن ربط شخصية بوتفليقة بنابليون، يفيد بأن بوتفليقة معروف بتأثره ب «الثقافة الفرنسية ورموز فرنسا، وبالأخص نابليون بونابرت باعتداده بنفسيته واعتقاده أنه الرجل المنقذ، كما كان متأثراً أيضاً بشخصية (الزعيم الفرنسي) شارل ديغول (1890: 1970)».