أحداث كثيرة ووقائع مثيرة أفرزتها الثورات العربية منذ انطلاق شرارتها الأولى في تونس، مرورا بباقي بلدان شمال إفريقيا لتساهم في إسقاط أنظمة واستبدالها بأخرى، لكن هذا التحرر ألقى بظلاله بشكل سلبي على الجانب الروحي والديني، وهو ما مهد لتغول مفهوم التطرف، والدعوة إلى الخلافة في أكثر من مناسبة وأكثر من بلد. كلها أسباب ساهمت بشكل أو بآخر في تغيير العقيدة من قالبها الكلاسيكي المسالم إلى طابع الترهيب والاقتتال، وما حدث في العراق وتحديدا في الموصل وما يحدث الآن في سوريا واستقطاب الجماعات الإسلامية لمقاتلين من جميع بقاع العالم لنشر دين اللاديمقراطية، خير دليل على أن البلدان العربية لم تستوعب بعد أنها مسلوبة حضاريا وفكريا. كلها مواضيع في الصميم شغلت الرأي العام الدولي قبل العربي، وارتأت جريدة « فبراير » إثارة هذا النقاش وتسليط الضوء على ما وقع، بمحاورة واحد من أكبر هامات الفكر العربي، شاعر له إسهامات شعرية وصل صيتها إلى أبعد الحدود: إنه الشاعر السوري علي أحمد سعيد اسبر »أدونيس »، سألناه عن الربيع العربي، وعن الإسلام في الدول العربية والمغرب تحديدا، وعن نظرة الغرب إلى الإسلام والمسلمين؟ أدونيس: « المغرب بلدي ولي أصدقاء كثيرون وهو جزء من حياتي، ولا أزور المغرب للترفيه بل لكي أغتني وأزداد معرفة » كان هذا منطلق حوارنا قبل أن نبحر معه في ردهات الخريطة العربية بدءا بالربيع إلى خريف الإسلام الجديد: حيث تحدث عن الربيع العربي وتدبيره من قبل جهات خاصة، حيث لم يكن الوضع كما تمناه الكثيرون أو كما رسموه على أقل تقدير، وهذا ما تسبب في تدمير أربع بلدان عربية، ووصف الوضع الإنساني في المنطقة ب »كارثة أخلاقية وحضارية » . وأكد نفس المتحدث بأن الأحداث الناتجة عن هذه التحولات أفرزت للعالم حقيقة واحدة، وهي أن الإنسان العربي/المسلم « وحش حقيقي » حين يلبس عباءة الإسلام كرخصة ربانية لذبح طفل أمام الملأ أو أمام الكاميرا، أو حين ينفذ القصاص على آخر كونه أخطأ في الصلاة، أو رمي الأبرياء في حفرة جماعية تطبيقا لحد السماء، وأيضا عرض النساء سلعا تباع في الأسواق. وتساءل أدونيس « من يعطي الحق للذين يمارسون حد الرجم أو الوأد أو القتل، على من اتهموهم بالردة والكفر أو « اللا دينيون على حد قوله ». وتبث، حسب نفس المتحدث، أن « الثورات العربية » صناعة أمريكية إسرائيلية، وبأن جميع المرتزقة الذين حاربوا بدون رحمة ولا شفقة في البلدان العربية باسم الإسلام، جنسياتهم مختلفة، وهذا تأكيد على أن الأنظمة العربية أسهمت في تطوير وسائل الاستعمار وخلقت أسلوبا جديدا لهم، بحيث أتاحت لهم إمكانية « شراء جنودا من المسلمين يقاتلون على أرض المسلمين تحت وصاية الأجانب ». وفي سياق آخر تحدث أدونيس ردا على سؤال » هل المثقفين العرب جبناء » بأن المثقف يحتاج إلى اعتراف رسمي من البيئة التي يسكن فيها حتى يكون له تأثير داخل المجتمع، ولخص جوابه في سؤال يحمل أكثر من معنى: هل يعترف المجتمع العربي بمثقفيه كما يفعل المجتمع الفرنسي مع مثقفيه؟. ووصف أدونيس المجتمع العربي ب « المشلول والمعطل »، إذ لا يستطيع أن يقوم أحد بوظيفته الايجابية، فهو مجتمع مركب على أساس أن لا يستطيع أن يفعل أي شيء إلا « المخرب والمدبر والقاتل »، أما الآخرون الذين يحملون راية السلم لا يستطيعون أن يتحركوا. وبخصوص تصريح الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند كون الاإسلام يتطابق والإسلام، قال أدونيسان الغرب لا يفهم الإسلام ولا يعرفه ، والإسلام في طياته كمعتقد قائم على اللا ديمقراطية، لأنه لا يعترف بها بل يدعيها فقط. وأوضح بأن الإسلام تحول إلى إسلامات متنوعة، لأن إسلام النص القرآني سار غائبا وحل محله إسلام الجماعات الإيديولوجية، سواء كانوا- الإخوان المسلمين- أو متدينين على نحو آخر، لأن الإسلام اليوم حسب أدونيس لا يتمحور حول العلم والمعرفة وإنشاء الجامعات وإلغاء الأمية أو خلق مجتمع تنتهي فيه البطالة، بل يتمحور فقط حول السلطة وحول العنف.