بينما طار رئيس أميركا من واشنطن، ورئيس وزراء أستراليا من سيدني، وجاء قادة آخرون من أربعة أقطار الأرض إلى أوروبا، لبناء تحالف دولي ضد "داعش"، قيل إنه سيحمي المنطقة والعالم من إرهابٍ يهدد بالانتشار إلى كل مكان، بادر رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، المهندس هادي البحرة، إلى إرجاء اجتماع كان مقرراً أن تعقده الهيئة العامة للائتلاف، بحجة زيارة يعتزم القيام بها إلى المملكة العربية السعودية، علما أن اجتماعات الهيئة كانت ستنتهي يوم 15 سبتمبر/أيلول الحالي، والزيارة ستبدأ يوم 17 منه، وأن الفترة بينهما تكفي لتحضير المحادثات مع الأشقاء في المملكة، مثلما تكفي فترة ما قبل اجتماع الهيئة لتدارس أي أمر يريد الزائر عرضه في المملكة. في حالات كالتي استدعت عقد المؤتمر الدولي حول أوضاع منطقتنا، يلغي كبار مسؤولي الدول زياراتهم الخارجية، ويركزون جهدهم على المستجدات، خصوصاً إن كانت خطيرة، وكان ما عليهم تقريره بشأنها سيحدد وجهة التطور ونمطه إلى أعوام، وربما عقود مقبلة، غير أن المهندس البحرة اختار الطريق المعاكسة، وقرّر، في ساعة شدة، كالتي تمر بلادنا بها منع "الائتلاف" من مناقشة قضية تمس، بصورة خطيرة، أوضاع سورية والثورة والصراع الدائر عندنا وحولنا، وفضل إدارة ظهره لمكان الحدث والسفر إلى المملكة التي لو اعتذر عن زيارتها لقبل اعتذاره، ولرأى مضيفوه فيه شخصاً مسؤولاً يعمل بحسابات السياسة العليا، في ساعة مفصلية من تاريخ وطنه. فهل بادر إلى تعطيل بحث موقع الائتلاف ودوره من الجهود الدولية حيال الإرهاب، لأنه انتظر شهرين ونيف، من دون جدوى، دعوة رسمية ما توجه إليه من بلد ما، أم أنه أراد التهرب من الهيئة العامة، لأنه ليس لديه ما يقوله لها، بعد أن بلغ "الائتلاف" الحضيض خلال شهرين من رئاسته، بشهادة أصوات تتقاطع في الداخل والخارج، وغاب حتى لم يعد أحد يخصه بأي اهتمام، وإلا لكان تلقى دعوات متعددة إلى لقاءاتٍ عربية وإقليمية ودولية، عقدت للتداول في شؤون محض سورية؟ أم إنه أراد تحاشي أسئلة كانت ستنهال عليه كالمطر، حول الموت السريري الذي بلغه "الائتلاف" بجهوده وجهود المطبخ الذي يتولى إدارته، ويضم شخصين أو ثلاثة مشهود لهم بكسب الانتخابات، بيد أنهم أحجموا عن تقديم أي شيء بخصوص المعضلة السورية وخراب الائتلاف غير حديث غائم عن "الانتقال إلى الداخل"، يكرر رغبات سبقهم إليها كثيرون، صارت، اليوم، نسياً منسياً بعد أن رفضها بالأمس من كان يفترض بهم حمل "الائتلاف" إلى الداخل، واعتبرها من فاتحهم المهندس بشأنها غير واقعية أو غير عملية؟
مهما يكن من أمر، اتخذ المهندس قراره إرجاء، كي لا أقول تعطيل، اجتماع الهيئة العامة في آخر لحظة، بشهادة الدكتور نذير الحكيم، أمين سر اللجنة السياسية، الذي أعلن، في بيانٍ رسمي، أن اللجنة استجابت لقرار رئيس الائتلاف تأجيل اجتماع الهيئة نحو نيف وشهر، في إشارة صريحة إلى رفضه تحميل أعضاء اللجنة المسؤولية عن هذا الخطأ السياسي، المخالف تنظيمياً بنود نظام الائتلاف الداخلي التي تنص على عقد هيئته العامة اجتماعاً شهرياً تناقش فيه القضايا التي تطرح نفسها على الثورة.
تُرى، أي دور سيحصل عليه ائتلافٌ بقي خارج تحالف دولي قام وانتهى أمره، غاب عن تأسيسه دونما سبب مقبول. كان في وسعه العمل لإقناعه بإعلان نظام الأسد إرهابياً وتجب مقاتلته، مستغلا أسف وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، لأن العالم ترك الجيش السوري الحر يقاتل الإرهاب طوال عام بمفرده.