"فبراير.كوم" تعود إلى جذور الامتيازات التي أثارت ضجة في وزارة المالية وجعلت من وزير المالية السابق صلاح الدين مزوار بطلة قصة صحافية سرقت الأضواء من حكومة عبد الاله بنكيران الآن، وبعد أن هدأت العاصفة، حول القضية الساخنة التي طبعت الشهر الماضي بين عبد العزيز أفتاتي، القيادي المثير للجدل في حزب العدالة والتنمية، ووزير المالية السابق، صلاح الدين مزوار، حول اتهام الأول للثاني بتسلمه الملايين من تحت الطاولة، يمكن العودة إلى الموضوع بما يكفي من التأني. نعم، كان أفتاتي على صواب في الجزء الأول من تصريحه الناري في جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس النواب، وهو الذي يتعلق بتسلم وزير مالية سابق أموالا عمومية، والصحيح في هذا الأمر، أن صلاح الدين مزوار، حتى وإن لم يشر إليه بالاسم، علما أن الجميع فهم الشخص المقصود بالتصريح الفائر، كان يتسلم أموالا على شكل تعويضات من خزينة الدولة خارج أجره الشهري، وأن وزراء المالية الذين سبقوا صلاح الدين مزوار تسلموا بدورهم تعويضات مالية تقدر بالملايين، مع الإشارة إلى حرص بعض البرلمانيين الاتحاديين على التأكيد بأن رفيقهم فتح الله ولعلو كان يرفض تسلم تلك التعويضات. فهل ما كان يتقاضاه مزوار وغيره من وزراء المالية من تعوضيات خارج الأجر القانوني؟ نعم، إنه الجواب الذي تؤكده "فبراير.كوم". فما حكاية هذه التعويضات؟ بداية الكعكة كل شيء بدأ في منتصف عقد الستينيات من القرن الماضي. كانت البلاد تغلي على صفيح ساخن، وكان الملك الراحل الحسن الثاني يحاول تثبيت أسس حكمه، وكانت المعارضة بشتى تلاوينها تبحث بدورها عن مكان في البلاد، وهي التي ساهمت في طرد الاستعمار، ولذلك كانت تبحث عن الشكل المناسب سعيا وراء أسلوب حكم متوازن، بين الملكية والأحزاب السياسية المعارضة، وفي خضم هذه المواجهات الباردة تارة، والساخنة تارات عديدة، جاءت سنة 1965، وجاءت معها توترات مارس الشهيرة.. كان البلد غارقا في الوحل، واقتصاده لا يكفي لسد الحاجيات المتزايدة، ولذلك تقرر، والملك الحسن الثاني رئيسا للحكومة، أن يتم الرفع من حماسة الموظفين العموميين في تحصيل الضرائب المباشرة وغير المباشرة، وقطع الطريق على التهرب والغش، وما إلى ذلك من القنوات الضيقة التي "تسقط" فيها الملايير. في هذه الظروف بالضبط، تم استحداث فصل في قانون المالية وهو الفصل 28 يقول :"يفتح ابتداء من فاتح يناير 1965 قصد تحسين البحث عن الغش في الميدان الجبائي حساب لأمور خصوصية يحمل عنوان "مرصودات الخدمات المالية" ويمول باقتطاع قدره عشرة في المائة من مبلغ الاستخلاصات المنجزة برسم الغرامات والعقوبات المالية والزيادات في الأداءات والفوائد والتعويضات عن التأخير المتعلقة بالجبايا المباشرة باستثناء الضرائب والأداءات التي تستخلصها إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة"، كما حدد الفصل 32 كيفية توزيع "مرصودات الخدمات المالية":"إن محصول الغرامات والمصالحات والمصادرات في ميدان المخالفة لنظام الصرف والجمارك والضرائب غير المباشرة المماثلة يوزع تبعا للكيفيات المحددة بقرار من الوزير المكلف بالمالية". من هنا بدأ العمل ب"التعويضات" و"البريمات" الممنوحة لموظفي وزارة المالية، وهي التي ظلت محط انتقاد من طرف المتتبيعن والمعنيين على حد سواء، خصوصا أن طريقة توزيعها والنسب التي توزع بها والمستفيدين منها غير معروفة، ومن هنا بدأ يوصف هذا الصندوق، بالإضافة إلى صناديق مشابهة، بالصندوق الأسود. منذ منتصف العقد السادس من القرن الماضي، شرع العمل بهذا النظام المالي في تحفيز أطر وزارة المالية، ووزارات أخرى كالفلاحة والتجهيز والنقل والداخلية، ومنذ ذلك الوقت لم تكن تُعرف الكثير من التفاصيل عن كيفية صرف الملايير المرصودة في هذا الشأن، ولا عن عدد المستفيدين منها، علما أن وزير المالية والحلقة الضيقة المقربة منه هم أكبر المستفيدين... وقد ظل الوضع على ما هو عليه، ولم يكن يتسرب عن هذا الصندوق سوى بعض الأخبار القليلة وغير الدقيقة، ولذلك بالضبط كانت تُنظم الوقفات الاحتجاجية الواحد تلو الأخرى ... ومع مجيء حكومة التناوب بقيادة الاشتراكي عبد الرحمان اليوسفي، استطاع الرأى العام أن يطلع على جزء من هذه الخبايا، حيث أصدر وزير المالية فتح الله ولعلو تصورا هيكليا لمنحتين رئيسيتين، الأولى تسمى المنحة الأساسية والثانية تُعرف بمنحة المسؤولية. كما توضحها الجداول المرفقة، حيث يتلقى الموظفون بوزارة المالية، وحتى الذين لا مسؤولية لهم، وكيفما كانت السلاليم التي ينتمون إليها، تعويضا أساسيا (Prime de base) على أساس الدرجة والسلم والنقطة كما يوضح الجدول الأول، بينما يتلقى المسؤولون ثلاثة أنواع من التعويضات أو العلاوات، وهي التعويض الأساسي، والتعويض الجزافي والتعويض الجزافي الكلمتري على التنقل، بالإضافة إلى الراتب الشهري، والذي يقل بكثير عن تلك التعويضات مجتمعة: يتلقى نائب المدير بمديرية الضرائب، كما توضح الجداول، تعويضات أساسية ب 33 ألف درهم كل ستة أشهر، زائد التعويضات عن المسؤولية ب108 ألف درهم، ثم تعويض جزافي عن التنقل ب36000 درهم سنويا، وهذا يعني أنه يتلقى تعويضات سنوية تقدر ب318 ألف درهم، وهو ما يعني 26500 درهم في الشهر عبارة عن تعوضيات، دون احتساب مرتبه الشهري. وحسب نفس الجداول، فإن رئيس قسم يتلقى التعويضات التالية" تعويضات أساسية تتراوح بين 25000 و33000 ألف درهم كل ستة أشهر، بالإضافة إلى تعويضات عن المسؤولية تصل إلى 66 ألف درهم كل ستة أشهر، ثم التعويض الجزافي عن التنقل بقيمة 36 ألف درهم. ويتقاضى رئيس مصلحة، تعويضات أساسية تتراوح من 13500 إلى 21300 درهم، كل ستة أشهر حسب السلم والدرجة، وتعويضات المسؤولية تقدر ب45 ألف درهم كل ستة أشهر، بالإضافة إلى التعوضات الجزافية عن التنقل. باختصار، الأموال التي يتلقاها موظفو وزارة المالية كعلاوات أو تعويضات تفوق أجورهم بكثير، ولذلك حينما ارتفعت الأصوات عن ضرورة الكشف عن قيمتها وعدد المستفيدين منها وكيفية الاستفادة منها، كان يُفترض أن يُفتح هذا الورش على مجهر الوضوح، وإلا ظلت تمثلات المغاربة تعتبره صندوق أسودا. مازلنا في حاجة إلى قانون مالية 1965، والذي أقر تلك العلاوات والمنح والتعويضات، حيث منذ ذلك الوقت، والقوانين المالية تتضمن خانة تسمى "مرصدات المصالح المالية" في الركن المتعلق ب"الحسابات الخصوصية"، وهي الجداول التي تكون دائما في آخر القانون، وهي الخانة التي يشار إليها بالميزانية المرصودة لموظفي وزارة المالية للاستفادة من المنح والعلاوات، وإذا اتبعنا هذا المنطق، فسنجد أن هذه العلاوات قد ارتفعت من 18 مليار سنة 1998 في عهد حكومة التناوب، إلى 32 مليار في عهد حكومة عباس الفاسي، والآن في عهد حكومة عبد الإلاه بنكيران... ليس عيبا أن يتقاضى موظفوا وزارة المالية علاوات تحفزهم على البذل والعطاء، وذلك للوقوف في وجه التهرب الضريبي والغش، وهو ما يضر بميزانية الدولة، لكن لماذا لا يُكشف عن النمط المعمول به في هذا الجانب إلى العموم لتفادي القيل والقال؟ ليس هذا فقط، فالآلاف من موظفي إدارات عمومية ووزارات أخرى لها وزنها، يُعتقد أن موظفيها يتقاضون علاوات ومنح وتعويضات أقل بكثير من التي تُصرف لموظفي وزارة المالية، وهنا أيضا يُفترض فتح حوار وطني للتوضيح وإعادة الترتيب من جديد، ومنها سبب عدم استفادة موظفين كبار تابعين لوزارة المالية من نفس حجم المنح والعلاوات، ومنهم العاملون في مكتب الصرف والصندوق المركزي للضمان وصندوق الإيداع والتدبير ومكتب التقاعد وبنك المغرب، وهي مؤسسات بالغة الأهمية في مسلسل تدبير المالية العمومية في بلادنا.