قال ادريس دريس الكنبوري، باحث ومفكر، إن « ظاهرة الاعتداء والعنف ضد رجال التعليم، التي أصبحت شائعة في هذه الأيام عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تعطي مؤشرا خطيرا حول انهيار مفهوم المدرسة في المغرب ». وتابع الكنبوري، في تدوينة فيسبوكية نشرها على حسابة الشخصي، » التلميذ ورجل التعليم اليوم هما معا ضحيتان لمنظومة تعليمية واحدة، ولا يجب تحميل المسؤولية لطرف دون آخر، المسؤولية تقع على الدولة وسياستها التعليمية التي أوصلت التعليم إلى الباب المسدود ». وعن أسباب نهيار المدرسة، قال المتحدث نفسه »أحد الأسباب الرئيسية لانهيار المدرسة كمؤسسة اجتماعية فصل التعليم عن التربية. منذ سياسة التقويم الهيكلي في بداية الثمانينات ودخول البنك الدولي على خط التعليم في المغرب أصبحت الدولة تنظر إلى التعليم كما تنظر إلى الفلاحة: كمية الإنتاج وليس نوعية الإنتاج. صارت الأرقام هي الأهم وليس بناء المواطن ». وواصل الكنبوري سرد هذا الانهيار بالقول ‘المدرسة المغربية أصبحت اليوم مؤسسة خارج المجتمع والسياسة العامة للدولة. النخبة تدرس أبناءها في المدارس الخاصة والمعاهد الكبرى، وهذه النخبة جزء منها هو المشرف على التعليم الرسمي الحكومي، كيف يمكن لمسؤول لا يدرس أبناؤه في المدرسة العمومية أن يتحمل مسؤولية المدرسة العمومية؟. إنها مسؤولية ». وحاول المتحدث نفسه تقريب الصورة التي تعيشها المؤسسات التعليمية من خلال حوار دار بين وبين مدير مؤسسة تعليمية، « حكى لي مدير ثانوية قبل أيام أن الوزارة غير معنية إطلاقا بما يحصل داخل المؤسسات التعليمية. في بداية الدخول المدرسي طالب وزير التعليم المعفى بتجهيز المؤسسات وصباغتها لكن دون أن تتحمل الوزارة ولو 1 في المائة من التكلفة، وما تجمعه المؤسسة من رسوم التسجيل لا يكفي حتى لشهر واحد ». الكنبوري تابع سرد تفاصيل هذا الحوار « قال لي إن ميزانية المؤسسة الآن هي 6000 درهم، وعليهم أن يتعاملوا مع هذا المبلغ بطريقة مخادعة حتى تمر الأمور، حتى آلة النسخ معطلة بسبب عدم وجود الحبر، وعلى الأستاذ أو المدير أن ينسخ في الخارج. كان الرجل يتحدث معي داخل المؤسسة وكأنه جندي في ميدان حرب، يريد أن تمر الأمور بسلام، وليس مدير مؤسسة تعليمية دورها تخريج مواطن صالح، مواطن المستقبل. السؤال هو: إلى أين تذهب ميزانية الوزارة؟ ». وخلص الباحث في الحركات الإسلامية إلى إن « التعليم في المغرب انتهى الآن، ولن يستطيع المجلس الأعلى للتعليم أن يصنع شيئا. ليست المشكلة في المجالس، المشكلة في الوعي الوطني بأهمية المدرسة »، مضيفا »الاقتراحات والدراسات مجرد إضاعة للمال والوقت. في نهاية التسعينات شكل الحسن الثاني مجلسا لإصلاح التعليم، استفاد أعضاؤه من التعويضات الشخصية والأسفار خارج المغرب للإطلاع على التجارب الدولية زعموا وفي النهاية لم يكن هناك شيء، وتمخض الجبل عن البرنامج الاستعجالي، ثم تبين أنه برنامج تلفزيوني ». ومضى قائلا » لم أسمع في حياتي أن دولة أصلحت التعليم بخطة تسمى استعجاليه، الاستعجال يكون في البرامج التنموية والاقتصادية، في تعبيد الطرقات، في محاربة أحياء الصفيح، في الصحة، لا في التعليم. والنتيجة أن البرنامج سقط بشكل استعجالي ». وبخصوص الحلول التي يمكنها ان تعيد للمؤسسة دورها الريادي قال « تحتاج المدرسة المغربية اليوم إلى حوار وطني، يعطي الأهمية بشكل أساسي لرجال التعليم، وخصوصا متقاعدو القطاع، لخبرتهم الطويلة ولكونهم ليس لديهم ما يربحونه، شريطة أن لا ينخرط فيه السياسيون والنقابيون ». وزاد قائلا » هذا هو الخطأ الذي حصل في التسعينات حين تشكلة لجنة خاصة لإصلاح التعليم، أن قسما كبيرا منها كان من السياسيين والنقابيين، اليوم يجب تغيير المعادلة، ويجب إعطاء الكلمة في التعليم للمفكرين والمثقفين ذوي الحس الوطني ». وختم تدوينته بالقول « إذا أراد المغرب فعلا النهوض بالمدرسة يجب تخصيص سنة كاملة للحوار الوطني، لقد خسرنا زمنا طويلا ولا مشكلة في خسارة عام آخر إذا كنا سننهض، وتكون الانطلاقة عام 2020، هذا ممكن، فقط نحتاج إلى شيء يسمونه في أمريكا الإرادة السياسية ».