"الحسن الثاني بين التقاليد والحكم المطلق" عنوان واحد لأبرز الكتب التي سلطت الضوء على شخصية الملك الراحل الحسن الثاني لصاحبه الكاتب والصحافي الفرنسي انياس دال. "فبراير.كوم" تنشر صفحاته على امتداد خمسون حلقة غذا:شخصية الحسن الثاني المركبة كيف سمعت بالحسن الثاني للمرة الأولى؟ كانت المرة الأولى التي سمعت فيها باسم الحسن الثاني في شهر يوليوز سنة 1965 بمدينة فاس. أصدقاء مغاربة كانوا يتابعون تعليمهم الجامعي بمدينة ليلْ الفرنسية وجهوا إلي دعوة لزيارة عائلاتهم المغربية. وبما أن الحرارة تلك الظهيرة كانت محتملة إلى حد ما، فقد خرجنا للقاء بعض أصدقاء لهم بمدينة فاس بأحد مقاهي المدينة الحديثة. وبقينا لساعات طويلة نخوض في الحديث عن الوضعية السياسية في البلاد، وعن حالة الاستثناء التي تم إعلانها في البلاد. وقبل بضعة أشهر من ذلك، كان الملك قد أعطى أوامره للجنرال أوفقير بسحق الشباب المتظاهر بمدينة الدارالبيضاء. ومن المعلوم اليوم أن حوالي ألف شخص لقوا حتفهم، وضمنهم العديد من الشباب، على يد رجال الشرطة والجيش. لقد كان هناك شبه إجماع ضد الحسن الثاني من طرف الشبيبة الطلابية المغربية. ثلاثة أشهر بعد ذلك، لم يزد اختطاف واختفاء المهدي بنبركة، بضواحي باريس، إلا تأكيد تحفظاتي إزاء حاكم أوتوقراطي لم يكن يبدو أن شيئا يحول دون تصفية معارضيه. ولم يعمل الملك الشاب (كان عمره 32 سنة حين اعتلى عرش أسلافه)، خلال عشرات السنين، سوى على تعميق خطورة حالته. وخلافا للآمال التي كان يعقدها البعض، فإن نهاية حالة الاستثناء، في يوليوز 1970، وبعد واحد وستين يوما من إعلانها، لم تغير من الوضع في شيء. بل بالعكس، لقد كان الدستور الجديد، حسب تعبير المخلص إدريس البصري «ترسيخا وتكريسا لحالة الاستثناء (...) لقد أصبح العاهل ملكا مطلقا».من هنا دخلت المملكة في دوامة جهنمية: المحاولتان الانقلابيتان لسنتي 1971 و1972، واللتان كانتا ترجمة لقمة الاستياء التي بلغها المغاربة تجاه ملك مستبد لا يأبه للمشاكل التي يعاني منها شعبه. ولم يستطع الملك آنذاك تلميع صورته، بصورة معجزة، إلا في سنة 1975، بفضل المسيرة الخضراء التي كانت فكرة مثمرة، ولكن أيضا بفضل الظرفية الاقتصادية الملائمة، وبفضل وجود جهاز قمعي منظم وفعال. ورغم إنقاذ عرشه، فقد واصل الحسن الثاني، خلال ما يربو على خمس عشرة سنة، قيادة البلاد والتحكم في مقاليدها بيد من حديد، عن طريق استعماله وتوظيفه البارع لأبرز قادة الأحزاب، المسماة أحزابا وطنية، ولقادة المركزيات النقابية. ولتحقيق هذا الهدف، لم يتوان الملك في اللجوء إلى كل الوسائل: الإغراء، التهديد، القمع، التوظيف، التصفية... يتعلق الأمر بسنوات الرصاص التي سعى ابنه محمد السادس، إلى حد ما، إلى تصفيتها وتعويض جزء من الضحايا وعائلاتهم، لكن دون معاقبة المسؤولين الرئيسيين. ورغم الحصيلة المتواضعة التي خلفها الحسن الثاني على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، فإن عددا كبيرا من المغاربة بكوا عند موته، يوم 23 يوليوز من سنة 1999، هذا في الوقت الذي تأسف فيه العديد من أصدقائه الغربيين على «فقدان صديق عزيز»، بدءا بالرئيس الفرنسي جاك شيراك، الذي كان قد دعاه أياما قليلة قبل وفاته إلى حضور استعراض احتفالات يوم 14 يوليوز بباريس.ورغم أن المسلمين يتسامحون عموما، أكثر من غيرهم، أمام الموت، على اعتبار أن الميت بات أمام خالقه، وبالتالي لم يعد هناك ما يقال، فلا يمكن للمرء إلا أن يتعجب لحجم مظاهر الحزن، ولحجم كلمات المدح التي قيلت في حق الملك الراحل. وهذا يترجم، دون شك، الحزن الكبير والأسى والقلق الذي صدر عن شعب وجد نفسه، بين عشية وضحاها، محروما من أب وقائد. كما يترجم كذلك حدود نظام لم يتردد الشعب المغربي داخله في الانحناء أمام سيد لا يشعر بوجود فعلي له بدونه. وربما ساور العديد من المغاربة، في نهاية الأمر، شعور بالارتياح لرؤية مرحلة ما طويلة مظلمة تنتهي ليبدأ الأمل في انطلاق عهد جديد أفضل بكثير. والمثير في الأمر أنه في أوروبا، التي يعرف فيها رجال السياسة عموما كيف يتجنبون الأمداح السطحية أو المتجاوزة، كانت ردات أفعال شخصيات كبيرة مثيرة للاستغراب: منها رد فعل جان بول الأول، الذي صرح بأن الحسن الثاني «قاد بلاده بكرامة وثبات على درب التقدم الروحي والمادي» وبيير موروا، الذي لم يكن من المتعودين على فندق المامونية، شأن بعض رفاقه الاشتراكيين، والذي لم يتردد في القول بأن العاهل الفقيد «ترك لمحمد السادس مغربا صديقا وحداثيا ومفتوحا، إلى حد كبير، على كل أشكال التقدم السياسي والاقتصادي والاجتماعي»، كما صرح خلفه في قصر ماتينيون، لوران فابيوس، بأن الحسن الثاني «وهو يضع الأسس لديمقراطية حقيقية، كان يسعى مرة أخرى، في سنواته الأخيرة، إلى الاستجابة لانتظارات وآمال الشعب المغربي».