"علاش تعاديني وتهجرني وتخلي رصامي خالية..". "الرصام" هي العظام، وبعد رحيل السوسدي كما لو فقدت لمشاهب جزءا من عظامها وعمودها الفقري بعد معاناة مع المرض، توفي صباح اليوم بمستشفى محمد الخامس جراء أزمة صحية طالت جهازه التنفسي، والسوسدي من مواليد العام 1952 بحي كاسطور بالمحمدي بالدار البيضاء، وقد فارق الحياة عن عمر ناهز الستين عاما وبعد أربعين عاما من العطاء الفني المتميز. تربى السوسدي في جيل هزته "الغوانيات" فتدرج عبر مراحل الإبداع، بداية مع برنامج المسابقات التلفزيونية:"الوقت الثالث"، الذي حصل فيه على جائزة أحسن صوت بعد أدائه لأغنية "دوستي" الهندية، ثم عبر مسرح الطيب الصديقي، إلى أن استقر به المقام في فرقة "أهل الجودة"، التي أسسها مبارك الشادلي وضمت بالإضافة إلى الشادلي، عبد الرحيم معلمي، وصلاح نور، وسعيد سعد، والصوت النسائي حليمة، وتكون بذلك الانطلاقة الفعلية لاسمه في عالم الغناء. وبعد تجارب فنية عدة مع فرقة "أهل الجودة"، انتقل السوسدي ومبارك الشادلي إلى فرقة سمياها "الدقة"، ضمت بالإضافة إليهما، كلا من حميد الطاهري مسؤولا عن المجموعة، وعازف "السنتير" محمود، وعازف البانجو سعيد، وبعد تجربة جميلة مع الفرقة وفي فاتح ماي 1974 تحديدا، انضم محمد السوسدي رفقة رفيق دربه مبارك الشادلي إلى فرقة مولاي الشريف لمراني المسماة "لمشاهب". هذه الفرقة التي ستطلق اسم محمد السوسدي كنجم في الساحة الغنائية في ثمانينيات القرن الماضي، حيث أبدع في كتابة عدد من الأغاني الوطنية والاجتماعية والقومية، التي ما تزال علامة فارقة في تاريخ فرقة "لمشاهب"، ونذكر منها، أغنية "فلسطين" التي استغرق العمل عليها أكثر من سنة، وأدتها المجموعة بموسكو سنة 1978، خلال انعقاد مؤتمر الأممية الاشتراكية، الذي حضره الراحل ياسر عرفات وأصر على الاحتفاظ بنسخة منها، و"الغادي بعيد" و"الليل"، و"طبايع الناس"، ورائعة "بغيت بلادي"، التي غنتها المجموعة خمس مرات في حفل واحد في حضرة الملك الراحل الحسن الثاني، والذي أحبها كثيرا، وأمر بتسجيلها باستوديو القصر الملكي، وكان يجد متعة في عزفها على البيانو، لما تحمله من كلمات صادقة تعبر عن حب المغرب.