حرص وزير العدل والحريات وهو يعرض حصيلة العشر سنوات من مدونة الأسرة، أن يؤكد على الخلافات السياسية التي سبقت ميلادها، أذ قال بالحرف:" وجدير بالذكر أن المرحلة التي سبقت إصدار المدونة عرفت تجاذبات وتقاطبات هدأ من حدتها تدخل جلالة الملك محمد السادس حفظه الله، والذي بحكمته وتبصره، اقترح نص المدونة الذي حظي بتوافق الجميع." وأضاف وزير العدل:" و إذا كان لنا اليوم، جميعا أو لبعضنا، مقاربات تعديلية لهذا النص أو ذاك، فإن على الجميع أن يأخذ بعين الاعتبار حساسية الموضوع وخصوصيته، وضرورة الحفاظ على روح التوافق الذي ينبغي أن تستمر اليوم وغدا بشأن كافة المواضيع ذات الأهمية الخاصة." "فبراير.كوم" تنشر النص الكامل لمداخلة وزير العدل التي ألقاها صباح اليوم. حضرات السيدات والسادة : يسعدني أن ألتقي بكم اليوم لنحتفي جميعا بمرور عشر سنوات على دخول مدونة الأسرة حيز التنفيذ، والتي شكل صدورها دون شك حدثا تاريخيا متميزا في مسار النهضة الحقوقية ببلادنا، كان له الوقع الإيجابي الكبير على تطوير النظام القانوني للأسرة و النهوض بأوضاعها، و المساهمة في إدماج المرأة في مسلسل التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتكريس قيم العدل والمساواة بين الجنسين في الحقوق و الواجبات وضمان استقرار الأسرة المغربية بكل مكوناتها. فقد أتت مدونة الأسرة بمشروع مجتمعي، يؤسس لثقافة أسرية جديدة استطاعت من خلاله التوفيق المرن بين ثوابت الشريعة الإسلامية السمحة والمتغيرات الاجتماعية التي عرفها المغرب، في انسجام مع مبادئ الاتفاقيات والمواثيق الدولية التي صادقت عليها بلادنا. ورغم مرور عشر سنوات على صدور المدونة إلا أنها لا زالت تشكل موضوعا خصبا للنقاش والتداول الحقوقي الذي لم تهدأ أبدا فورته،- ولعل حجم الحضور اليوم يشهد على صحة ذلك-، ولن نجانب الحقيقة إذا قلنا أن مثل هذا النقاش، وبهذا الزخم، قلما يحظى به نص قانوني، الأمر الذي يعكس الأهمية التي تحظى بها مدونة الأسرة من طرف جميع فعاليات المجتمع، ويدل على الحيوية التي تتمتع بها كل شرائحه في تفاعلها معها ورغبتها الأكيدة في التطور و التقدم وإرساء دعائم مجتمع عصري قائم على المساواة، متشبث بثوابته و منفتح على عصره، تشكل الأسرة المتوازنة فيه النواة الأساسية.
حضرات السيدات والسادة : لاشك أن تنظيم يوم دراسي من هذا الحجم، بمشاركة حكومية واسعة وحضور وازن للهيئة التي أشرفت على وضع المدونة منذ عشر سنوات خلت، ولثلة من نساء ورجال القضاء والمحاماة وأساتذة الجامعات المغربية وفعاليات المجتمع المدني وغيرها من الفئات المهتمة بالموضوع، ليشكل فرصة لنا جميعا لخوض نقاش بناء وحوار هادف حول واقع القضاء الأسري ببلادنا، وآفاق الارتقاء به نحو الأفضل، والوقوف على أهم المكاسب والتراكمات الإيجابية، ورصد مكامن الخلل في أدائه، وتبادل وجهات النظر من أجل تشخيص وتحديد الإشكالات المطروحة أمامه وتقديم الحلول المناسبة لها، وإغناء الممارسة القضائية بالتجارب العملية والخبرات الميدانية بما يتوافق وفلسفة المشرع المغربي في الحفاظ على تماسك الأسرة المغربية واستقرارها، وتوفير الرعاية والحماية لها في كل تجلياتها وأبعادها وتحقيقا للإرادة الملكية السامية بخصوص مدونة الأسرة وللاهتمام الذي تحظى به من طرف جلالته حفظه الله، والذي عبر عنه في خطابه السامي يوم 3 فبراير 2004، بمناسبة استقباله لرئيسي مجلس النواب والمستشارين، وتسليمهما لجلالته القانون بمثابة مدونة الأسرة بعد مصادقة البرلمان عليه بالإجماع، حيث قال حفظه الله :"فإننا لن ندخر جهدا لتفعيلها على الوجه الأمثل، من خلال قضاء مؤهل ومستقل، وفعال ومنصف ... كما أننا عازمون على أن نوفر لتفعيل مدونة الأسرة، ليس فقط وسائلها المادية والبشرية وآلياتها القانونية، وإنما بالمضي قدما، في إنجاز التنمية الشاملة، وتشجيع العمل الميداني الملموس، للنهوض الفعلي بأوضاع الأسرة...". نهاية الاستشهاد بكلام جلالة الملك. معشر السيدات والسادة : لقد مرت عشر سنوات إذن، على دخول مدونة الأسرة حيز التطبيق، تحققت خلالها مكاسب كبيرة للأسرة المغربية، وتأكد بما لا يدع مجالا للشك صحة الاختيارات التي انتهجها المغرب في سبيل تحديث منظومته التشريعية والقضائية في مجال الأسرة، إلا أنه بالرغم من ذلك لم تصل النتائج المحققة على أرض الواقع إلى درجة الطموحات الكبرى المتوخاة، بسبب معوقات اعترضت أو شابت التطبيق السليم لمقتضيات مدونة الأسرة والقوانين ذات الصلة، تتوزع بين معوقات مادية وأخرى بشرية وتنظيمية، دون أن نغفل الواقع الاجتماعي والاقتصادي والموروث الثقافي الذي حد من فعالية وجدوى كثير من المقتضيات والمستجدات التي أحدثتها نصوص مدونة الأسرة. وهكذا فقد شهد زواج الفتى والفتاة دون سن الأهلية ارتفاعا ملحوظا حيث انتقل من 18.341 زواجا خلال سنة 2004 إلى 35.152 زواجا خلال سنة 2013، وإن كانت نسبته من مجموع رسوم الزواج بقيت إلى حد ما مستقرة حيث تراوحت بين 7,75% سنة 2004 و 11,47% سنة 2013 مع تسجيل كون سنة 2011 عرفت أكبر نسبة في هذا النوع من الزواج خلال عشر سنوات بمعدل وصل إلى 11,99% من مجموع رسوم الزواج المبرمة خلال تلك السنة. وبالنسبة للتعدد، فقد شهد نوعا من الاستقرار خلال عشر سنوات إذ سجل أكبر نسبة سنة 2004 و2011 بما قدره 0,34% من مجموع عقود الزواج المبرمة، وأدنى نسبة بلغت 0,26% من مجموع رسوم الزواج المبرمة سجلت خلال سنة 2012 و2013. أما في ما يتعلق بالصلح، الذي أولته المدونة عناية خاصة للحفاظ على كيان الأسرة واستقرارها، أنه تم تسجيل نسب مهمة بخصوصه على مدار عشر سنوات من تطبيق المدونة، إذ بلغ عدد حالات الصلح في قضايا طلبات الإذن بالإشهاد على الطلاق التي سجلتها المحاكم على مستوى أقسام قضاء الأسرة بمختلف ربوع المملكة خلال سنة 2013 ما مجموعه 8.702، وبلغ هذا العدد في نفس السنة بخصوص طلبات التطليق ما مجموعه 10.389 حالة صلح وهو ما يعني أن المحاكم استطاعت أن تحافظ على كيان 18.491 أسرة خلال سنة واحدة فقط. وبخصوص انحلال ميثاق الزوجية بالطلاق، فيمكن القول بأن وضعيته عرفت نوعا من الاستقرار خلال عشر سنوات إذ تراوحت حالاته بين أدنى معدل سجل خلال سنة 2010 بمجموع بلغ 22.452 رسما وأعلى معدل سجل خلال سنة 2005 بمجموع بلغ 29.668 رسم طلاق، مع ملاحظة وجود تدنٍ في حالات الطلاق الرجعي مقابل ارتفاع عدد حالات الطلاق الاتفاقي، حيث سجلت سنة 2013 عدد حالات رسوم الطلاق الاتفاقي بلغ 14.992 رسما بما نسبته 59,46% من مجموع رسوم الطلاق، مقابل عدد رسوم الطلاق الرجعي الذي بلغ 1877 رسما فقط بما نسته 7,44% من مجموع رسوم الطلاق. أما فيما يتعلق بالتطليق فقد عرفت أحكامه ارتفاعا ملحوظا على مر السنوات إذ بلغت خلال سنة 2013 ما مجموعه 40.850 حكما بالتطليق مقابل 7213 حكما تم تسجيله سنة 2004، مع ملاحظة أن التطليق للشقاق يستحوذ على النصيب الأكبر من هذه الأحكام وصلت نسبته خلال السنوات الثلاث الماضية إلى حوالي 97%، وهنا تجدر الإشارة إلى أن الإقبال عليه لا يقتصر على الزوجات فقط بل إن الأزواج أيضا ينافسونهن في الإقبال عليه، حيث سجلت سنة 2013 نسبة 56% من طلبات التطليق للشقاق قدمت من طرف النساء و44% من الطلبات تقدم بها الرجال. أما بخصوص تصريف القضايا داخل أقسام قضاء الأسرة، فيظهر أنه يمر بشكل مقبول اعتبارا لكون نسبة القضايا المحكومة لم تقل خلال أغلب السنوات العشر من عمر مدونة الأسرة عن 81% من عدد القضايا المسجلة، في حين أن تنفيذ هذه الأحكام وفي معظم السنوات لم ينزل عن نسبة 86% من مجموع الأحكام المطلوب تنفيذها، مع ملاحظة أنه من الضروري إيلاؤه مزيدا من الجهد من أجل الوصول إلى نتائج أفضل. حضرات السيدات والسادة الأفاضل : إن وزارة العدل والحريات، إيمانا منها بضرورة الارتقاء بمنظومة القضاء الأسري، عملت في السنتين الأخيرتين على بلورة أوراش هامة تم تنفيذها في إطار برنامج "دعم تطبيق مدونة الأسرة من أجل تسهيل ولوج النساء إلى خدمات العدالة" -النوع الاجتماعي والحكامة الديمقراطية- بشراكة مع هيئة الأممالمتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، حيث تم إنجاز مجموعة من الدراسات الهامة. ومن جانب آخر شكل ورش صندوق التكافل العائلي، تجربة رائدة في تحقيق السلم الاجتماعي في المغرب، باعتباره يرمي إلى تحقيق نوع من الاستقرار والأمن والتضامن الأسري، انطلاقا مما يوفره لفئة من المجتمع تعاني من الهشاشة ، حيث يعمل على ضمان حد أدنى من العيش الكريم، من خلال ضمان الحماية لبعض الأمهات وأطفالهن ولا سيما المطلقات في وضعيات صعبة نتيجة ما يواجهنه من صعوبات عند تعذر تنفيذ الأحكام المتعلقة بنفقة أولادهن أو تأخرها، إلا أن عدد المستفيدات من الصندوق إلى غاية 01/04/2014 وصل إلى ما مجموعه 3386 مستفيدة ،وبلغ ما تم صرفه لهن إلى حدود نفس التاريخ ما يناهز 22.691.518,00 درهم، وهي حصيلة محدودة تتطلب دراسة أسبابها والكيفية الملائمة لمعالجتها إن على صعيد التشريع أو التدبير. وإيمانا من وزارة العدل والحريات بالدور الهام الذي أصبح يلعبه المساعدات والمساعدون الاجتماعيون والمتمثل أساسا في تمكين القضاة من معطيات واقعية وعلمية بخصوص الوضع الاجتماعي للأسر موضوع النزاع، وتسهيل عمل القضاة من خلال تمكينهم من عناصر واضحة ومحددة تفضي إلى تقدير موضوعي يلغي المنهجية التقديرية، عملت على إرساء ركائز هذه المؤسسة الجديدة في أقسام قضاء الأسرة ابتداء من سنة 2009، حيث تم تكوين 68 من أطر كتابة الضبط في المجال الاجتماعي، وخلال سنة 2011 تم تعيين 24 من المساعدات والمساعدين الاجتماعيين أما خلال سنة 2012 فقد تم تعيين عدد مهم منهم بلغ 99، كما أن فوجا جديدا يبلغ عدده 73 مساعدا ومساعدة في طور التكوين حاليا في أفق إدماجهم في مختلف أقسام قضاء الأسرة. وبمناسبة انتهاء الفترة الانتقالية لسماع دعوى الزوجية في الأسبوع الأول من شهر فبراير 2014، عملت وزارة العدل والحريات على التحسيس بضرورة تسوية كل زواج غير موثق، وحث المواطنين المعنيين على استصدار أحكام بثبوت الزوجية قبل انتهاء الفترة المحددة لذلك؛ وقد تم في هذا الإطار توجيه عدة مناشير ودوريات وكتب إلى المسؤولين القضائيين قصد التعامل مع هذا الموضوع بمرونة ويسر ووفق القانون، كما تم تنظيم حملات وطنية واسعة من أجل توثيق الزواجات غير الموثقة، ولقد أسفرت هذه المجهودات عن حصيلة إيجابية حيث بلغ عدد الأحكام الصادرة خلال سنة 2013 ما مجموعه 23.057 حكما، وبلغ عدد الجلسات التنقلية 510 جلسة. كما عملت وزارة العدل والحريات بتشارك مع هيئة "يونيفام" على إنجاز وصلتين إشهاريتين (تلفزية وإذاعية) حثت من خلالهما المواطنين، بأسلوب تواصلي بسيط، على ضرورة الإسراع بتوثيق زيجاتهم حماية لحقوهم وحقوق أطفالهم قبل نهاية الأجل القانوني لسماع دعوى الزوجية، وقد تم بثهما باللغتين العربية والأمازيغية في القنوات التلفزية الوطنية ومختلف المنابر الإعلامية المسموعة. وستكون هذه الندوة مناسبة لمعرفة الموقف الملائم الواجب اتخاذه إزاء مقتضيات المادة 16 من المدونة وتحديد ما إذا كان من المناسب اقتراح تمديد فترة أخرى لسماع دعوى الزوجية من عدمه. كما أنها مناسبة لتدارس جملة من الاشكاليات التي تم تخصيص سبع ورشات لتعميق النقاش في شأنها، اختيرت لها مواضيع بالغة الاهمية تتعلق بثبوت الزوجية، وزواج الفتى والفتاة دون سن الأهلية، والصلح والوساطة في قضايا الأسرة، والطلاق والتطليق، والنفقة، وصندوق التكافل الاجتماعي، والكفالة. وجدير بالذكر أن المرحلة التي سبقت إصدار المدونة عرفت تجاذبات وتقاطبات هدأ من حدتها تدخل جلالة الملك محمد السادس حفظه الله، والذي بحكمته وتبصره، اقترح نص المدونة الذي حظي بتوافق الجميع. و إذا كان لنا اليوم، جميعا أو لبعضنا، مقاربات تعديلية لهذا النص أو ذاك، فإن على الجميع أن يأخذ بعين الاعتبار حساسية الموضوع وخصوصيته، وضرورة الحفاظ على روح التوافق الذي ينبغي أن تستمر اليوم وغدا بشأن كافة المواضيع ذات الأهمية الخاصة. معشر السيدات والسادة : لي اليقين التام في أن العقول الحاضرة اليوم من قضاة ومحامين وكتاب ضبط، وفعاليات حقوقية ومدنية، وكفاءات علمية وأكاديمية، بما أوتيت من كفاءة ودراية، و بما تحمله من هم صيانة الاسرة وحماية أفرادها دون إفراط ولا تفريط، ودون تقصير ولا شطط، لقادرة على ايجاد الحلول المناسبة ، بما عهدناه فيها من تحلٍ بروح المسؤولية، والتزام بمعايير الحوار الهادئ والمتزن، كما أنها قادرة على توفير الأرضية الصالحة للتداول في شأن العقبات التي ما زالت تعترض سبيل تطبيق مدونة الاسرة، وكذا رصد مجالات قصورها وطرح البدائل الممكنة التي تأخذ بعين الاعتبار خصوصية الاسرة المغربية وامتداداتها السوسيو ثقافية. وفي الختام أرجو لكم التوفيق في أشغال هذا المنتدى، سائلا المولى عز وجل، أن يلهمكم السداد والرشاد، وأن يوفقنا جميعا لخدمة هذا البلد الأمين تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة حفظه الله. ( وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) والسلام عليكم ورحمة الله ت