وجه النقيب عبد الرحيم الجامعي رسالة ضمنها خمسة ملاحظات، إلى النقيب بوعشرين، بعد حلوله ضيفا على برنامج » بين السطور » ». الرسالة تحمل عنوان : » عليك الإعتذار، بعد انقلبت من أمين عام لنائب عام « ، وهذا نصها: الزميل النقيب عبد اللطيف بوعشرين، استمعت لحديثك المباشر على الهواء يوم السبت 24 يونيو زوالا مع هند الضوء في برنامجها » بين السطور » والذي خصصتْه لحراك الريف ولتظاهراته وللاحتجاجات التي خرجت بالحسيمة وخرجت من مدن غيرها والتي عَرفَت بشهَادات إعلاميين وقانونيين وبرلمانيين وبتقارير حقوقيين وغيرهم، عنفا متعدد المظاهر ودرجات القسوة بتدخلات من القوات العمومية غير مبررة كلها وغير متكافئة، كما عرفَت اعتقالات جماعية بالعشرات شملت مدنا متعددة بالمنطقة بما في ذلك اعتقال ناصر الزفزافي، كما تلتها محاكمات أعلن فيها العديد من المعتقلين وأمام القضاء انهم تعرضوا خلال إلقاء القبض وخلال الحراسة النظرية للعنف وسوئ المعاملة وللتعذيب، وأعلنوا غَضبهم لاتهامهم بالانفصال وخدمة أجندات أجنبية وخارجية، وذلك خلافا لما جاء على لسانكً بمنطق الهوى وعلى الهواء، ومن دون أن تتحرى أو أن تنصف مواطنين وراء القضبان لا تعرفهم ولا يعرفونك ولم تقدم شهاداتك بحضورهم حتى يتاح لهم الرد عليك. وقد استمعتُ لأجوبتكَ بالصفة التي قدمَتكَ بها مُخرجة البرنامج وهي أَنَّكَ مكلف رسميا من الوكيل العام بالبيضاء لمتابعة التحقيقات، وهي المهمة التي لم تتحفظ عليها عند الجواب ولم تجادل فيها ولم تناقشها ولم توضح حيثياتها أي متى عُينتَ ولماذا عُينت وما هي أسباب تعيينك وماذا وراء تعيينك من قبل جهاز لا تنتمي إلى سِلكه ولا إلى وظيفته ولا تتحمل أية مسؤولية فيه، ومن هنا لا يمكن ان يَمر حديثك وبرنامج مضيفتك وحلقة » ما بين السطور » بكل ما جاء فيها دون أن يترك علامات تَعَجب واستفهام، ومن دون أن يثير ردودا قد يُعْجبك بعضُها وقد تزعجك أخرى، وأنا الذي استمعت اليك، أبدي لك خمس ملاحظات كما يلي: أولا، قدمَتكَ للمستمعين مُعِدة البرنامج السيدة الضوء كأمين عام اتحاد المحامين العرب، وتحدثت معها بهذه الصفة، ولا أدري كيف انقلبتَ منذ بداية حديثك من أمين عام لرجل سلطة ووضعتَ على وجهكَ قناع مسؤول أمْني يحمل بحزامه هَراوة وأصفادا وقنابل من الكلام مسيلة للخوف والوعيد، ووضعتَ نفسك في ورطة كما هو حال بعض المتسرعين من وزراء الحكومة تورطوا عندما طُلبَ منهم التنديد بالحراك فراحوا ينعتون الناس بالمرتزقة وبالانفصاليين وغيرها من أرذل النعوت، فأخذتَ تفرش البِساط بعبارات الثناء على الدولة والسلطة والحرية وعلى التظاهر والتجمع العام الذي تسمح به السلطة من دون ترخيص، ونفخت في مكبر الصوت بالمجان ليسمعكَ من تريد ان يَسمعك، لتفتح مباشرة طريقكَ بسرعة بعبارات نارية للطعن في الاحتجاجات والتظاهرات التي عرفتها المنطقة ومعرجا كما فعَلتْ بلاغات النيابة العامة و بعض من الوزراء ومن ممثلي بعض الأحزاب على ما وقع بالمسجد حيث أعلنت للمستمع إليك ايمانك وإسلامك حتى تُميز مذهبك عن باقي المذاهب كما يفعل الملتحين المتسترين وراء العمامات، ورفضتَ ما جرى بالمسجد واستنكرته ونعتته بالفتنة، فاستغربتُ من كل هذه المواقف، لأنها تصدر عادة من خدام السلطة ومن المستجدين لعطائها ورضاها ومناصِبها، ولا يمكن ان تصدر في اعتقادي عن شخص يسمى امينا عاما يتقلد منصبا اقليميا في مؤسسة هي اتحاد المحامين العرب، الذي لا زال بين الموت والحياة في قسم الانعاش بالقاهرة، و الذي كان عبر عقود خلت من الزمن ذلك المنبر الحر الذي لا تخدعه مناورات السلطة ولا يحيد عن دفاعه عن ضحايا الشطط وانتهاكات حقوق الانسان، قبل أن يتحول كما تعلم ذلك إلى بوق لبعض الأنظمة التي أسقطها الحراك العربي أو إلى أجير يتحدث كمدعي عام. ثانيا ، وقفتَ في لقائك مع مُضيفتك في برنامج » بين السطور » خطيبا منددا ومنذرا من طبيعة الاحتجاج ومن المحتجين وظننتُ أنني أسمع مرافعة للنيابة العامة أو كما يسمى عندكم بالقاهرة بالمدعي العام، أو بالمدعى الاشتراكي أيام زمان، وبرهنتَ على مقدرة لغوية مليئة بالمزايدة القانونية التي وصلت حد النفاق القانوني والذي لم تكن لا كلاما دقيقا ولا واضحا حيث يمكن للمرء أن يفهم الشيء وضده، وعبرتَ بلغة غريبة عن قبولكَ لما استعمل من تجاوزات ومن اعتقالات ومن هراوات ومن كلام سفيه ضد المحتجين، وأصبحت جلادا كقضاة محاكم ستالين تدين بعنف من دخل للمسجد واحتج على خطبة سياسية، في حين لم تقل كلمة واحدة في إمام وخطيب انقلب لبوق سياسي وحول المسجد لتجمع سياسي تحريضي، كما جردت المحتجين من حقهم في السلامة البدنية ومنحت ظروف التخفيف لمن مارس الاعتقالات بالجملة ولمن قصف بالقنابل المسيلة للدموع وخراطيم الماء جموع المحتجين، وقدمت شهادة وأنت محامي دون وإشعار نقيبك كما يفرض عليك ذلك القانون، ولا أدري كيف تُكَذِب المعتقلين ممن أعلن جاهر تعرضه للتعذيب سواء لدفاعه أو أمام النيابة العامة وأنت من الحاضرين الذين استمعوا الى تصريحاتهم لأنك كنت متفرجا في قاعة التقديم أمام الوكيل العام الذي لم يكذبهم بل اخذ علما بتظلمهم، وبالمناسبة لا ادري ما هي الصفة التي كنت بها حاضرا للاستنطاق إذ أن القانون لا يسمح بحضور مسطرة التقديم والاستنطاق إلا لمحامي المشتبه فيه، وأنت في اعتقادي لا علاقة لك لا بالملف ولا بأطرافه وغير مطلع لا على محاضر البحث ومضامينها، وتدخلتَ مع الأسف في أمور سرية لا تهمك بل تعني دفاع المعتقلين والمعتقلين انفسهم، وتعني بالطبع اجراءات التحقيق وحقوق الدفاع وغير ذلك مما لا يمكن أن تقبل فيه الشهادة وَمِمَّا يصعب عليك أن تدلي فيه برأي الآن وقبل الأوان، وختمتَ هذه الفقرة من برنامج بين السطور لما أعْلنتَ بأن المحتجين قد اعتدوا على رجال الأمن وعلى اسرهم وأبناءهم ورغم ذلك فقد قابلوا الاعتداء بمرونة وملائمة، ففهمت عندئذ ما صَعُبَ علي فهمه في أول وهلة لماذا قدمَتكَ الصحفية باللقاء بمراقب الوكيل العام، ولماذا كنت قابلا لهذه الصفة دون أي تحفظ ، وبالفعل كنت مُخلصا للدور الذي عُهد به إليك والذي لعبته بإتقان وتفان وإخلاص، وهكذا أصبحتْ أدوار بعض النقباء و بعض أمناء اتحاد المحامين العرب تشبه ادوار المخبرين أو حَملة الطبول الفارغة أو كتابا لجامعة وزراء الداخلية العرب…./ ثالثا، تحولت من أمين عام لاتحاد المحامين العرب إلى محلل سياسي لمواقف الملك ومواقف والده من ساكنة الريف ومن منطقة الريف ومعلق على مواقف الدولة من حاجيات الريف الذي قلت عنه بأنه منطقة معروفة بالاتجار في الحشيش والتهريب، بل توقفت كثيرا عند قلق الملك مما جري بالحسيمة مستشهدا بتصريحات الرئيس الفرنسي ماكرون عند زيارته الاخيرة للمغرب، ولما تحدثت عن الحكومة فقد أظهرت انحيازا سياسيا، ولَك الحق في ذلك إن شئت، ولكنك كنت ملكيا اكثر من الملك لما أعلنت انتصارك لإنجازاتها والتي قلت عنها بأنها لم يسبق لها نظير في مجال العدل وهذا لم يسبق قوله حتى من وزير العدل نفسه. رابعا، تدخلت في عدد من القضايا الشائكة وأبديت مواقف جاهزة ولم تتحفظ كما يقول القانونيون سواء في مواضع فيها خلاف بين الفقهاء منذ قرون مثل قضية الإحالة ولا في مسالة حيَاد واستقلال القضاء الذي لا زال النقاش في أوضاعه قائما ومحتدما، بل أعلنت اتفافك على نقل اختصاص محكمة الحسيمة لمحكمة الدارالبيضاء، وأخذت تتحدث عن المحاكمة العادلة بدءا من دور الفرقة الوطنية وقلت بأنها استمعت للمشتبه فيهم دون ممارسة التعذيب ولا إكراه فتجاوزت تصريحات المعتقلين انفسهم وما قدموه جهرا من احتجاج على ما تعرضوا له من ممارسات منافية للقانون بلغت حد التعذيب، وأنت استمعت إلى تصريحاتهم تلك بنفسكَ، وهو ما دفع النيابة العامة وقاضي التحقيق لتعيين أطباء لفحص المشتكين، فتحولتَ بتصريحاتك هاته إلى قارئ فنجان وعالم غَيب وطبيب وخبير نفسي ولسان حال جهاز الفرقة الوطنية التي لا تحتاج لشهادة أحد وحرجت عن مهمة المراقب التي طلبت منك، و كان عايك أن تؤجل شهادتك و تنتظر حتى وضع الخبرة لمعرفة نتائجها والتأكد من وجود أو عدم وجود تعذيب، وحكمت في موضوع التعذيب قبل أن يقول القضاء كلمته، واخترت التأثير على مجريات البحث ضدا على النزاهة الفكرية والاستقلال التي يجب أن يتحلى بها كل محامي وكل مراقب للتحقيق والمحاكمة. خامسا، وأخيرا، كنتَ أول أمين عام وأول محامي مغربي تُوظفه النيابة العامة لمتابعة الملف تبعا لما قالته وبحضورك مسْتضِيفتكَ في البرنامج، فبرهنت عن عدم حِيادكَ كمُراقب كما تفرض التقاليد الحقوقية و القانون الدولي في المراقبين والمتتبعين للملفات الكبرى و للمحاكمات السياسية، وأبديت وجهات نظرك المتعددة قبل الاوان في قضية لا زالت فصول التحقيق فيها لم تنطلق بعد، وحكمت أحكاما مسبقة من دون زيارة للمعتقلين أو الاستماع إليهم و معرفة وجهة نظرهم فيما جرى قبل الاعتقال وأثناء الاعتقال في البحث التمهيدي، ومن دون أن تتصل بمحاميهم فكنت متحيزا منحازا في تصريحاتك غير منصف في استنتاجاتك غير متقيد بقواعد مهنة المحاماة التي تفرض عليك حتى و أنت أمين عام لاتحاد المحامين العرب الاستقلال والتجرد، وسمحتَ لنفسكَ بالكلام وقول ما لا يقوله رجل دفاع، فقبلت ضمنيا » كأمين عام أو كمدعي عام » التهمَ التي وجهها قاضي التحقيق للمعتقلين وحددتها له النيابة العامة مسبقا، واتخذت مواقف تسيء لقرينة البراءة وللعلاقات المهنية بين المعتقلين ومحاميهم، وللحياة الشخصية لهم، ولأسرار التحقيق، وهي كلها أمور لا يجمُل لرجل قانون ولمسؤول في منظمة إقليمية مثلك ان يسقط فيها . عليك الاعتذار للمعتقلين ولاتحاد المحامين العرب، وأتمنى أن يغفر لَكَ المعتقلون الذين نالوا منكَ القسوة والأحكام غير العادلة، أما التاريخ فلن يغفر لَكَ، لأنك أردت أن تكون غير محامي أو كما يقول:Albert Camus – "L'homme est la seule créature qui refuse d'être ce qu'elle est" مع تحياتي