نبيل بكاني، شاب مغربي، مدون سيناريست ومخرج، سبق له أن فاز بالجائزة الثانية في مهرجان الفيلم العربي بروتردام سنة 2011 عن شريط وثائقي بعنوان "ربيع الكرامة والقمع"، يوثق لأحداث يوم 92 ماي 2011 التي شهدها حي سباتة بالدار البيضاء بعد تدخل قوات الامن بعنف لفك مظاهرة سلمية كانت منظمة من طرف حركة 20 فبراير. بعد عودته مباشرة من روتردام أسس بمعية مجموعة من المهتمين بمجال السينما والتصوير جمعية تعنى بالسينما اتخذت لها اسم جمعية "ربيع السينما". نشر منذ أيام فيديو يلخص أهم لحظات شريطه الوثائقي الثاني بعنوان "هؤلاء القادمون" الذي يوثق لسنة كاملة من الاحتجاج في المغرب. بداية من هو نبيل بكاني؟
نبيل بكاني شاب مغربي محب للفن بكل أنواعه، تخصصت في نظم الإعلام وقد سبق لي أن درست التصوير والانارة وتقنيات السيناريو بالإضافة إلى دراستي لتقنيات الإعلام بمركز تدريب تابع لمؤسسة مختصة في الاعلام والصحافة. كانت لي بعض التجارب القليلة في الشعر وقد كتبت ديوانا بعنوان "ذكريات"، قبل أن أتوجه الى الإخراج وكتابة السيناريو بدافع العشق الدفين. سياسيا أنا يساري التوجه وقد انخرطت في حركة 20 فبراير منذ كانت جنينا على مواقع التواصل الاجتماعي ولا زلت وفيا لدربها، فأنا أؤمن بالديموقراطية وأحاول عن طريق الفن والنضال السياسي المساهمة قدر الامكان في بناء المشروع الديموقراطي.
هل كان لنشأتك وطفولتك أثر في اختياراتك الفنية؟ شاءت الأقدار ان أولد وأترعرع داخل سكن وظيفي، والكثير من الأصدقاء يؤكدون لي أني محظوظ لكوني أعيش في حي كولونيالي بناه الفرنسيون بفلسفتهم العمرانية التي تؤكد على ضرورة تواجد مساحات فارغة بين المساكن مخصصة للنباتات والأشجار ومرتعا للعصافير، هذه البيئة بالنسبة لي كانت عاملا مهما في إنشاء الشخصية الحالمة الميالة نحو الشاعرية والتأمل وهي العناصر الأهم في الشخصية الإبداعية المنتجة للفن والإبداع. فقد كنت عاشقا منذ الصغر للسينما، وكان للمخرج الإنكليزي العملاق ألفريد هتشكوك مكانة مهمة داخل هذا العشق.
لمسنا في شريطك الوثائقي الأول نفس شاب يحمل كاميرا ورؤيا وهم، هل نستطيع أن نصنف أعمالك في خانة السينما النضالية؟
الفن في حد ذاته نضال فكري يحمل رسالة قد تكون سياسية أو اجتماعية، وأنا ذكرت سابقا أني كاتب سيناريو قبل أن أكون مخرجا، ولدي في رصيدي عدد من المشاريع السينمائية والتلفزيونية ماتزال عبارة عن سيناريوهات على الورق، بالنسبة لعملي الوثائقي الفائز بالجائزة الثانية في مهرجان روتردام أو عملي الجديد "هؤلاء القادمون" الذي انتهيت من تحضيره مؤخرا، فقد شاءت الظروف أن أركز على أحداث مرحلية هامة في تاريخ المغرب الحديث ستغير مجراه وهو أمر لم يكن اختياريا، فأنا شخص ديموقراطي أؤمن بالحرية والمساواة قبل أي شيء، وعقيدتي غير قابلة للتجزيء لذلك فأنا ابن المرحلة ومن واجبي أن أوثق لهذه المرحلة الهامة، لكن هذا لا يعني أني نويت التخصص في صنف معين من الافلام فأنا حاليا أحضر لمشروع فلم وثائقي جديد عن المدرس، وقد بدأت تصوير عدة مشاهد في أماكن مختلفة، في انتظار الاستفادة من الدعم السينمائي لأتمكن من تصوير فيلم روائي يعالج قضية اجتماعية هو الآن عبارة سيناريو كنت قد كتبته منذ مدة.
ألن يؤثر ذلك في قيمة انتاجاتك من الناحية الفنية والتقنية، بمعنى أن تطغى الرسالة على الجانب الفني؟ لا أبدا، فالرسالة هي التي تعطي للعمل القيمة الفنية والفن بدوره يضمن للرسالة اعتبارها، فالمسألة مرتبطة بعلاقة جدلية من الصعب فك روابطها لكن تبقى القدرة الإبداعية هي القادرة على حفظ أو خلق التوازن بين هذين العنصرين، و أنا حاولت خاصة في شريطي الوثائقي الجديد "هؤلاء القادمون" أن أوازن بين الزاوية التقنية للعدسة أو الصورة و بين الحس الفني المرهف أو بتعبير آخر حاولت أن أعطي لعملي نوعا من الدراماتيكية.
كيف تنظر إلى تعاطي المتلقي المغربي مع مثل هذه الاعمال ؟ بعد الإعلان عن فوز فيلمي الأول في مهرجان روتردام للفيلم العربي، لمست كثيرا من الإهتمام بهذا العمل خاصة من لدن الشباب الفيسبوكي والشباب المستعمل للإنترنت بشكل عام، حيث تناقلت إعلان (ترايلر (الفيلم العديد من المواقع الإلكترونية والصفحات الفيسبوكية، وبعد عودتي إلى المغرب إلتقيت بالعديد من الأشخاص بعضهم لم تكن لي معرفة مسبقة بهم لكنهم كانوا ينوهون بعملي ويتمنون لي الاستمرارية، فالشباب والمغاربة عموما تواقون إلى التغيير والتحرر وهم في حاجة لمن يقدم لهم وثائق مصورة تلامس واقعهم اليومي دون تحفظ ودون انحياز لطرف ما، والكثير من المشاهدين المغاربة يتوجهون نحو قناة الجزيرة الوثائقية او فرانس 24 لمشاهدة أشرطة وثائقية تصور لميدان التحرير والثورة التونسية في غياب منتوج مغربي، وعلى العموم تبقى الرسالة أكثر أولوية من رغبات المتلقي فما يوثقه صانع الوثائقي اليوم هو بمثابة شهادة على العصر وعلى المرحلة سيحفظها التاريخ للأجيال القادمة.
أسست جمعية باسم "ربيع السينما"، هل " الربيع الديموقراطي" هو الذي سيؤسس لربيع ثقافي فني سينمائي أم العكس؟ بمعنى اخر أيهما يجب أن يسبق " ربيع السينما " أم " ربيع ديموقراطي حقيقي "؟
حين نتكلم عن تغيير ديموقراطي حقيقي فإننا نعني بطبيعة الحال مشروعا مجتمعيا شاملا يمس مختلف جوانب الحياة، فمثلا مسألة الثقافة الأمازيغية عرفت تطورا كبيرا في إطار الحراك الشعبي واستطاعت أن تفرض قناعاتها، لقد أحدث الربيع العربي تحولا عميقا سيغير معالم المنطقة العربية على جميع المستويات وستتفاعل معه كل الفعاليات الحية الثقافية منها والفنية والحقوقية وغيرها، فهو إذن بمثابة إلهام بدونه لا يكون إبداع، هذا الإبداع الذي بدوره سيساهم في خلق فكر جديد بل فلسفة جديدة سيكون لها تأثير قوي على المجتمعات العربية وعلى الديموقراطية الصاعدة، إذن فالمسألة هنا مرتبطة بتفاعل متبادل بين عناصر مختلفة (الديموقراطية، الفن، الثقافة و غيرهم...) وليس بمقدورنا أن نجزم بأن أحد هذه العناصر سيؤسس للآخر، بل هذا التفاعل هو الذي سيقود إلى نتيجة أكثر تطورا لكن تبقى رهينة بمدى مساهمة كل الفاعلين في هذا المجتمع كل من موقعه سواء كان حقوقيا أو سينمائيا أو ثقافيا...
ما تقييمك لواقع السينيما الوثائقية بالمغرب؟
السينما المغربية عرفت تطورا كبيرا خلال السنوات العشر الماضية حيث شهدت الساحة السينمائية ارتفاعا مضطردا في أعداد الإنتاجات السينمائية التي فاقت الخمسة عشر فيلما سنويا، كما عرفت بروز مخرجين شباب جدد، كذلك المستوى التقني الذي يضمن جودة الصورة والصوت عرف تطورا، لكن على مستوى المادة المقدمة ففي الواقع لا نلمس كمشاهدين أي تغيير ملحوظ. تقريبا نفس المواضيع تتكرر بتقارب كبير في المعالجة السينمائية، بحيث مايزال هاجس الخطوط الحمراء حاضرا بقوة وهذا مرتبط بوضع الحرية عامة وحرية التعبير والإبداع خاصة والتي عرفت تراجعا كبيرا عقب الاحتجاجات التي يعرفها الشارع المغربي ما يزيد من تأزيم إشكالية كتابة النصوص السينمائية، أضف إلى ذلك إشكالية الدعم الذي يبقى في غالب الأحيان حكرا على أسماء بعينها تتردد داخل المركز السينمائي، بحيث يفرض هذا الأخير شروطا بيروقراطية تستوجب على أي مشروع سينمائي ضرورة وضعه من حامله بشركة إنتاج تتبناه وتقدمه للجنة الدعم التابعة للمركز السينمائي، حيث يتم توجيه الدعم إلى الشركة بدل توجيهه مباشرة إلى المخرج الذي يجد نفسه في كثير من الأحيان فريسة تعامل تجاري محض لرغبات ومزاجيات أرباب مقاولات تجارية يتعامل بعضها بشكل زبوني وبطغيان منطق الربح على المضمون