يوم 18 فبراير المنصرم قضى المجلس الدستوري بإلغاء نتيجة الاقتراع الجزئي الذي أجري في 3 أكتوبر 2013 بالدائرة الانتخابية المحلية «مولاي يعقوب» (إقليم مولاي يعقوب)..كما أمر بتنظيم انتخابات جديدة لشغل هذا المقعد..
وبغض النظر عن السجال السياسي الذي سبق أن رافق الحملة الانتخابية بهذه الدائرة القروية في أحواز مدينة فاس، وبغض النظر عن حجم الرهانات السياسية التي ترتبط بهذا المقعد والتي تبقى في عمومها رهانات محدودة، فإن الحيثيات التي استند عليها القاضي الدستوري هذه المرة تجعل منه قرارا نوعيا يستحق التنويه لأنه اهتم بتحليل الخطاب السياسي الذي يروج في الحملات الانتخابية، وسيدفع بدون شك جميع الأحزاب السياسية إلى مراجعة خطاباتها وتنبيه مناضليها إلى عدم استعمال العبارات المخلّة بواجب الاحترام والتنافس الشريف الذي ينبغي أن يطبع الفرقاء السياسيين، خصوصا مع التطور التكنولوجي الذي أصبح يسمح بتسجيل كل ما يقال بهاتف محمول.. وتعميما للفائدة أقترح عليكم التأمل في هذه الفقرة من قرار المجلس الدستوري التي تبين المأخذ الأساسي الذي بُني عليه الإلغاء: «حيث إن هذا المأخذ يقوم على دعوى أن الحملة الانتخابية التي نظمها المطعون في انتخابه استهدفت النيل من سمعة الطاعن وسمعة الأمين العام للحزب الذي ترشح باسمه ونعتهما بنعوت غير لائقة تحرض على الكراهية والحقد ضدهما، إذ نظم المطعون في انتخابه مهرجانا خطابيا بجماعة «عين الشقف» ألقيت خلاله كلمات تضمنت عبارات السب والقذف والاستهزاء في حق الطاعن وفي حق الأمين العام للحزب الذي ينتمي إليه؛ وحيث أدلى الطاعن لإثبات ما جاء في هذا الادعاء بقرص مُدمج يتعلق بتسجيل التجمع الخطابي الذي نظمه المطعون في انتخابه بجماعة «عين الشقف»؛ وحيث أكد المطعون في انتخابه تنظيمه لهذا التجمع ولم ينازع في القرص المدمج المتعلق بتسجيله؛ وحيث إنه، يبين من الاطلاع على القرص المذكور ومن دراسة وتحليل مضمونه، أنه تم خلال هذا التجمع الخطابي إلقاء كلمات من طرف المطعون في انتخابه ومن طرف مسانديه استعملت فيها أوصاف قدحية ومشينة في حق الطاعن وفي حق الأمين العام للحزب الذي ترشح باسمه، تخللها ترديد شعارات جاهزة من طرف الحاضرين تضمنت عبارات تحقير لشخص الأمين العام لهذا الحزب؛ وحيث إن هذه الشعارات، التي لا يمكن اعتبارها مجرد انفلاتات عفوية، ظلت تردد طيلة المدة التي استغرقها التجمع، دون أن يعمل المشرفون على تنظيمه وكذا المطعون في انتخابه على منع الحاضرين من الاستمرار في ترديدها؛ وحيث إن احتدام التنافس الذي يطبع الحملات الانتخابية يجب أن لا ينحرف عن ضوابط احترام كرامة الآخرين، التي يتعين أن تحكم حرية التعبير والنقد المسموح بهما في ممارسة الدعاية الانتخابية؛ وحيث إن استعمال عبارات التحقير خلال الحملة الانتخابية سلوك يُجافي مهمة «تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية» التي أناطها الدستور بالأحزاب السياسية، بموجب فصله السابع، كما ينافي مقتضيات المادة 118 من القانون رقم 57.11 المتعلق باللوائح الانتخابية العامة وعمليات الاستفتاء واستعمال وسائل الاتصال السمعي البصري العمومية خلال الحملات الانتخابية والاستفتائية، التي توجب ألا تتضمن برامج الفترة الانتخابية والبرامج المعدة للحملة الانتخابية بأي شكل من الأشكال مواد من شأنها «المس بالكرامة الإنسانية أو الحياة الخاصة أو باحترام الغير»، ولأنها وردت في القانون المتعلق باستعمال وسائل الاتصال السمعي البصري العمومية خلال الحملات الانتخابية، فإن حظر هذه الممارسات يسري على كافة وسائل الاتصال المستعملة في الحملات الانتخابية، بما في ذلك التجمعات الانتخابية؛ وحيث إن هذه الممارسة مخالفة للقانون، الأمر الذي يتعين معه إلغاء الانتخاب الجزئي الذي أُجري بالدائرة الانتخابية المحلية «مولاي يعقوب» (إقليم مولاي يعقوب)». قرار مكثف ومليء بالرسائل السياسية والقانونية..لنا عودة لاحقة إلى الموضوع.