تعود تفاصيل قولة فؤاد عالي الهمة هاته إلى ما حدث بعيد انعقاد أول جلسة للاستماع العمومية التي عقدتها هيئة الإنصاف والمصالحة، حيث اتصل إدريس بنزكري شخصيا صباحا ببودرقة وشوقي، طالبا منهما تأجيل الرحلة إلى تطوان لزيارة دار بريشة، ومرافقته إلى دعوة خاصة بمراكش، وذهب الجميع إلى عاصمة النخيل. وقد تداول الجميع وهم في الطريق، كما ورد في مذكرات بودرقة وبنيوب، في عدد من القضايا التي تم تنفيذها في مسلسل العدالة الانتقالية، وكم من مشاريع خطط رسمت معالمها ومنحنياتها في تلك السفرة، وكم فجرت جلسات الاستماع العمومية آمالا كبيرة وكم من «عين ماء» عاد إليها نبعُها، كما جاء في المذكرات. وفي نهاية طريق الرحلة، وقبل الدخول إلى مراكش، عند منتهى هضاب الرحامنة، تلقى بودرقة مكالمة من فؤاد عالي الهمة مستفسرا إياه «أين وصلتم؟» فرد عليه بودرقة مازحا «نحن الآن في عاصمة العالم»، قاصدا بذلك منطقة الرحامنة، وكانت هذه المكالمة، بداية كشف سر الرحلة مع إدريس إلى الجنوب. كان الوصول في الساعة الثامنة مساء، تم الانتقال إلى أحد فنادق المدينة وبعد انتظار وقت قصير، كان في الاستقبال كل من السيد فؤاد عالي الهمة وياسين المنصوري، تجاوز الاستقبال والحفاوة الأبعاد البروتوكولية وأخذا كل المعاني الإنسانية والوطنية. وبعد عرض ردود الأفعال الدولية والمتواصلة بخصوص وقع جلسات الاستماع، سأل فؤاد ياسين «هل أأقول أنا أم تقول أنت؟» فأجابه «من الأفضل أن تقولها أنت»، وسيكون الجواب شافيا كافيا، فقال فؤاد عالي الهمة في نبرة تكاد تكون مفاجأة «لا يمكنكم تصور، أنه لغاية يوم الإثنين، عشية جلسات الاستماع العمومية، حجم الضغوط التي كانت على محيط الديوان الملكي، حتى لا تنعقد جلسات الاستماع العمومية، ويمكن أن أجزم لكم بأن السيف القاطع كان جاهزا للنزول على الأعناق لو وقع خطأ يوم الثلاثاء»، في إشارة إلى اليوم الأول لجلسة الاستماع العمومية. فأضاف بودرقة وبسرعة «طبعا أعناق الهيأة وأعناق فؤاد وياسين»، ثم أضاف فؤاد لقد تلقى صاحب الجلالة منذ مساء الثلاثاء العديد من المكالمات ورسائل التهنئة من طرف رؤساء الدول وشخصيات دولية وازنة ومنظمات دولية ولا يزال سيل الرسائل والتهاني متواصلا، والله وحده يعلم من كان قادرا على رفع السيوف في وجه الإرادة العليا للدولة التي أكدها جلالة الملك محمد السادس أكبر من مرة. استمرت الجلسة وتخللها حوار طويل بدأ مع العشاء وانتهى قرابة الفجر، حول قضايا العدالة الانتقالية وأسئلة حقوق الإنسان. سيؤكد فؤاد عالي الهمة بعد انتهاء أعمال هيأة الإنصاف والمصالحة بسنوات، لقد كانت رئاسة سي عبد الرحمان اليوسفي للحكومة وتجربة هيأة الإنصاف والمصالحة وما أنجزاه في مقدمة الأحداث السياسية الكبرى التي عاشتها البلاد في السنوات العشر الأخيرة، لقد كان الرجل صادقا في قوله وفي نبراته.