يبدو أن حكاية الوزراء الذين دفعوا الأموال وقبلوا الأيادي والأقدام، ستسيل المزيد من المداد، بعد أن أثارها الزميل توفيق بوعشرين. في هذا السياق يدخل رد القيادي في حزب البام السيد حكيم بنشماس. بدون تردد وبتفاعل سريع جاء رد السيد "بوعشرين " مدير نشر جريد أخبار اليوم على موضوع إحاطة المجلس علما المحظورة " تلفزيا" بقرار تسلطي من طرف رئيس الحكومة ، التي تقدم بها السيد حكيم بنشماش رئيس فريق الأصالة والمعاصرة بمجلس المستشارين، في تفاعل منه مع ما جاء في عمود السيد "بوعشرين" بجريدة أخبار اليوم، عدد1282 بتاريخ30/01/2014" الذي عاب فيه على الأحزاب السياسية كونها لا تدقق في الأسماء قبل اقتراحها للدخول إلى الوزارات، وأنه يعرف وبلغة يقينية أشخاصا دفعوا أموالا طائلة ليصيروا وزراء، ويعرف آخرين قبلوا الأيدي والأرجل لدخول الوزارة ووزراء هددوا بالانتحار إذا لم يدخلوا القصر ويخرجوا منه بظهير التعيين...".
لقد جاء مضمون الرد مفاجئا وبعيدا عما كنا ننتظر من السيد "بوعشرين". فبدل أن يذهب بعيدا في الدفع بالنقاش السياسي بشأن محاربة الفساد إلى مداه الواقعي البعيد، الذي يترجم شجاعة الصحافي في الدفاع عن الأخلاق والقيم ومبادئ الديمقراطية ، وهي الشجاعة والجرأة التي اعتاد صاحب الافتتاحية ادعاءها والتعبير عنها من خلال مقالاته الصحفية خاصة تلك التي تهم الحياة العامة الأخلاقية للفاعلين السياسيين ووقوفه عند بعض الظواهر المنحرفة التي تسود الحياة السياسية المغربية، متقمصا بذلك دور الصحفي الذي يقدم الدروس للأحزاب السياسية .
فبدل امتلاك تلك الجرأة المزعومة التي عودنا بها، اختار من خلال ما ورد في رده الصحفي التعبير عن بؤس أخلاقي وجبن مهني، كأنه لم يستسغ أن يتحول مضمون افتتاحيته إلى موضوع رأي عام يناقش داخل مؤسسة البرلمان وجعله مناسبة لمساءلة الحكومة حول قضية شكلت أولوية لدى الرأي العام الوطني ، وكأنه كذلك يقاوم أية محاولة من بعض النخب السياسية والمؤسسات التفاعل و الارتقاء بالحوار السياسي إلى المستوى الذي يطمح إليه الجميع، وهو بهذا يتقاسم مع رئيس الحكومة نفس العداء للبرلمان وخاصة مجلس المستشارين كمؤسسة دستورية وفضاء للتفاعل ومناقشة كل قضايا الشأن العام قصد إماطة اللثام عن كل التساؤلات والشكوك التي ظلت تضر بالطبقة السياسية بصفة خاصة، وبالسياسة بصفة عامة .
لقد كنا نعتقد، أن إثارتنا لما جاء في مقالة السيد بوعشرين حول ما وصفه بالطرق غير السليمة للإستوزار من قبل الأحزاب السياسية المغربية، هو تفاعل وانسجام مع صاحب الافتتاحية وروح الافتتاحية، في إثارة نقاش جدي وحيوي نرى أنه من واجب أي برلماني الذهاب به بعيدا ليأخذ تجسيده المؤسساتي ويخدم المصلحة العامة، ولا يظل حبيس صفحات الجريدة ،إلا أن الرد بهذه الطريقة يجعلنا، نذهب إلى حد الجزم أن خلفية صاحب العمود لم تكن سوى تعبير عن سادية دفينة تتلذذ بتسجيل نقط سلبية على الطبقة السياسية، وليس همها هو جعل الصحافة في خدمة مصداقية المؤسسات وتخليق الحياة العامة وتطوير المسار الديمقراطي.
إن ما يجهله السيد بوعشرين هو كون محاربة الفساد ليست معركة أخلاقوية ولغوا مزوقا بالمحسنات البديعية، بل هي عملية سياسية تاريخية تشكل استراتيجية واقعية قيمية وسياسية، تتعزز عبرها مصداقية المؤسسات، وتتقوى بها هبة الدولة، وتترسخ من خلالها حقوق المواطنة.
وبما أن السيد بوعشرين يعتقد واهما ان من الممكن ان تنطلي على القارئ النبيه حيل لوك الكلام وإطلاقه على عواهنه، فليسمح لنا بتقديم الملاحظات التالية :
- في نظرنا أن صيغة الإشارات والتعميم والعمومية التي شملت اتهاماته لكل الطبقة السياسية ما هي إلا محاولة يائسة للهروب إلى الأمام، فهي من جهة، تؤشر على تراجع مفضوح عن لغة اليقينية والجزم التي وردت في افتتاحيته بعنوان " وزراء أقل درجة من سائق الحسن الثاني"، ومن جهة أخرى تموه على القارئ بادعاء امتلاك جرأة هي في الواقع تخفي جبنا يفقأ العين حين يلتمس لغة اللف والدوران والهروب الى الامام، لأن وضع جميع السياسيين في سلة واحدة دون تمييز، يجعل السياسة من حيث يدري أو لا يدري تفقد مصداقيتها لدى الرأي العام المغربي وتقوي العدمية والتطرف ومعاداة السياسة.
- في نظرنا تردد السيد بوعشرين بين لغة اليقين تارة حسب ماورد في افتتاحيته الأولى ، ولغة التعميم والالتواء تارة أخرى ،وهو ما ورد في الرد الأخير بتاريخ6 فبراير 2014 ، عدد 1287 ، يبين أن رؤية السيد بوعشرين غير نزيهة بالقدر الذي يدعيه، فهو يتبنى أسلوب الإلتفاف والإلتواء عندما يدعي أنه لا يقصد الحكومة الحالية عند حديثه عن فساد الإستوزار، بل عن الحكومات السابقة، كما أن افتتاحيته في هذا الموضوع تسعى إلى استبلاد القارئ بدعوته إلى تشكيل لجنة تقصي الحقائق في هذا الموضوع وإعلانه استعداده تقديم ما لديه من معلومات أمامها، مع أن الجميع يعلم أن الطعن في شرعية وسلامة الانتخابات البرلمانية لا تتم إلا أمام المجلس الدستوري، ولعل دعوته هاته تظهر ميله افتعال معارك وهمية ولغوية، إذ لو كان يملك حدا أدنى من شجاعة الصحافي النزيه والمستقل لأعلن على صفحات جريدته عن كل المعلومات والوزراء الذين حسب يقينه استوزروا بطرق غير أخلاقية، سواء في الحكومات السابقة أو الحكومة الحالية.
- في نظرنا أن السيد بوعشرين يتمادى في تغليط الرأي العام، بدل تنويره، بإثارة موضوع السيد احمد اخشيشن متعمدا نسيان أن هذا الأخير كان وزيرا قبل تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة، وأن الحزب قد عمم وقتها بلاغا بعد تأسيسه يفيد بتجميد عضوية السيد احمد اخشيشن بمجرد أن اختار الحزب موقع المعارضة. وهذا ما يدعونا للتساؤل : لماذا يتراخى ذكاء السيد بوعشرين كلما تعلق الأمر بتدقيق المعطيات وتميييزها، ويتوقد أسلوبه ويتنطع في صيغ الضبابية وخلط الأوراق؟
- في نظرنا أن اعتماد السيد بوعشرين على كتابة صحفية حول مواضيع هامة وحساسة تقوم على ما يروج ويشاع دون تدقيق يسمح للرأي العام على الإطلاع على حقائق الأمور، وهي كتابة تخل بنبل العمل السياسي وتضر بسمعة البلاد،تضع حاجزا إسمنتيا بينه وبين الصحافة الجادة التي تروم تخليق الحياة السياسية من خلال تسمية الأشياء بمسمياتها، وفضح المفسدين وكل من يساهم في الفساد أو يتستر عليه، وليست صحافة السيد بوعشرين التي تجتر ببلادة ما يروج في الدهاليز والصالونات وردهات محيط السلطة .
- في نظرنا أن أسلوب السيد بوعشرين الذي اختار تعميم الأحكام والاتهامات، هو أسلوب يفضح محاولاته تقمص دور الداعية الأخلاقي في مجال الإعلام والسياسة، ولا يمت بصلة للأخلاق الصحفية، ولا ينعكس فقط على مصداقية العمل الصحفي بل يضر كذلك المؤسسات السياسية ، فهو بهذه الأحكام العامة يحمي الفساد ويتستر عليه ، إذ لا يسعى لمواجهة مظاهر الفساد بالقدر الذي يسعى فيه إلى تبني خطاب أخلاقوي فج لا يفيد المواطنة وبناء الديمقراطية .
- في نظرنا أن مداد السيد بوعشرين خانه هذه المرة، وأسقط عنه قناع الحياد الصحفي المزعوم إزاء مختلف الفاعلين ، ليطل علينا بين السطور من حين لآخر بتحيزه المكشوف ، فهو يتحدث على أن جميع الأحزاب السياسية المغربية لا تحتكم إلى قواعد الديمقراطية باستثناء الحزب الذي قال عنه أنه وضع مسطرة خاصة في هذا المجال، ليعود ويقول حتى هذا الحزب لم يحترم هذه المسطرة داخل هيئاته المختصة، فإذا كان هذا الحزب يضع معايير ومساطر ولا يحترمها، فما وجه وجاهة اعتباره مختلفا عن باقي الأحزاب السياسية التي اتهمها السيد بوعشرين، مادام هذا الحزب يعلن معايير ولا يأخذ بها ؟
وهنا نود أن نتساءل إذا كان حزب العدالة والتنمية لا يحترم الضوابط والمساطر التي يضعها من أجل الإستوزار، فلماذا تم استثناؤه من الحكم العام الذي شمل جميع الأحزاب السياسية ؟ إن هذا الأسلوب الملتوي الذي اعمدتموه السيد بوعشرين في علاقتكم بحزب العدالة والتنمية يؤكد مما يجعلكم تبدون وكأنكم مناضل عضوي داخل حزب العدالة والتنمية، يلوم وينتقذ حزبه على عدم احترام المسطرة وليس "كصحفي محايد مقيد بقواعد الموضوعية وأخلاقيات مهنة الصحافة" دوره رصد السلوكات السياسية للفاعلين بنزاهة.
خلاصة القول، نريد أن نؤكد على أن إثارتنا لهذا الموضوع ، لم تكن سوى تجسيد لدور البرلمان في مساءلة الحكومة حول موضوع هام أثير من طرف صحافي اعتقدنا خاطئين بنزاهته وجديته، بعدما اختار الاصطفاف بوعي أو بدون وعي إلى جانب حكومة فضلت منطق الصمت إزاء هذا الموضوع الذي يكذب كل الخطابات العنترية لرئيس الحكومة حول التخليق ومحاربة الفساد وادعاء الطهرانية السياسية.
إن رفض السيد بوعشرين الدفع بالموضوع نحو المزيد من التفاصيل وتعميق المعطيات تنويرا للرأي العام، يجعلنا نخلص إلى أن هناك تحالف موضوعي بين صحافة تعيش مفارقة إعطاء دروس أخلاقية للسياسيين وفي نفس الوقت تفتقد للجرأة وتتهرب من الدخول في تفاصيل معركة الفساد وتنوير الرأي العام مستريحة في ضمير أخلاقوي لا يفيد بناء صرح المواطنة بهذا البلد العزيز، وبين حكومة تسلك نفس النهج من موقع آخر ، وهو موقع المسؤولية، وتتشدق بخطابات محاربة الفساد دون أن تضطلع بمهامها الدستورية والسياسية . السيد بوعشرين: الموضوع باختصار هو لمذا تحجب عن قراءك وعن الرأي العام الوطني المعطيات التي يفترض ان تكون في جعبتك بشأن الاتهامات الخطيرة التي وجهتها لحكومة السيد بنكيران، ولماذا لا تعممها بالصيغة نفسها التي عممت بها الوثيقة الشهيرة بشأن ما أسميته بتبادل المنافع بين السيدين مزوار وبن سودة؟ أفلا يندرج مثل هذا العمل ضمن أخلاقيات صاحبة الجلالة يا سيد بوعشرين؟!
إقرأ المزيد: السباعي ل"فبراير.كوم": هؤلاء من قصد بوعشرين بدفع أموال وتقبيل الأيدي والأرجل من أجل الإستوزار