ما ألذ الشكولاطة ! خصوصا إذا كانت من النوع الفاخر.. وتزداد لذة لما تصلك ملفوفة داخل علبة أنيقة حتى باب بيتك رفقة ابتسامة وبطاقة تهنئة، أْمْ مْ مْ ...ما ألذها لما تضعها في الفم دون أن تحتاج إلى أن تضع يدك في الجيب.. ومع ذلك لا تغرَنَّك اللذة المحرمة..ترتشفها كقبلة دافئة وتذوب فعلا بين الشفتين كالشَّهد، لكنها قد تعرضك إلى اللّسْع المؤلم، وقد تخلف حساسيتها المفرطة نذوبا غائرة ليس فقط، على صورتك، بل قد تخدش صورة أهلك وحزبك وحكومتك، وسيتذكر الناس فجأة من أنزلك بالمظلات بعد أن نسوا من كثرة المصائب تفاصيل الحكاية. في وطن لا يزال الكثير من أطفاله يعانقون الحياة بزغرودة فقط، وقطعة خبز حافٍ، هناك وزير في حكومتنا يستقبل المهنئين بمولوده الأول بقطع الشكولاطة الفاخرة المدفوعة الثمن من جيوب دافعي الضرائب. في وطن لازالت بعض أمهاته تلدن على الرصيف أو في الطرق الوعرة المؤدية إلى المستوصف البعيد في الجبال المنسية، هناك من يولد وفي فمه ملعقة من شكولاطة عمومية.. في وطن ينص دستوره على الحكامة والشفافية، وتتبنى حكومته شعار الحرب على الفساد، يعيش المفسدون في سلام ويترقون في المناصب ويطلون علينا من الشاشات مبتسمين وكأن شيئا لم يكن .. ومن لم يعجبه الأمر، فليبتلع قطعة شكولاطة من النوع الرخيص، لعلها تخفف الإحساس بالمرارة والغبن. يبدو أن الشكولاطة العمومية لها نكهة لا تُقاوَم، فهي وظيفية ولا تكلفك شيئا ولها مذاق الريع؛ قيمتها ليست في نوعيتها الفاخرة الموقعة باسم ماركة عالمية، قيمتها في فاتورتها الموقعة من وزارة الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة..ونِعْمَ التحديث الذي يؤجل مصالح المواطنين وتقريب الخدمات الإدارية إليهم ويبدأ أولا بالمصالح الشخصية وتقريب الشكولاطة من بيوت الوزراء. لا نحاسب الوزير الشاب على الحق في الفرح والاحتفال ولا على متعة ازدراد الشكولاطة، من حقه استقبال مولوده البكر والبريء بكل الطقوس الحلوة والباذخة الممكنة. فالله فرق بين عباده في الرزق، والوطن أيضا فرق بين أبنائه في الحلو والمر..من حقه الاستمتاع بنعم الله والوطن، لكن ليس على حساب المال العام وباستغلال سلطته الوزارية لقضاء مصالحه الشخصية واستقبال ضيوفه المتميزين بالشكولاطة العمومية. لا أدري لماذا يطالبون الشعب القنوع بالتقشف، وهم يأكلون الشكولاطة؟. ويرفعون الصوت عاليا بشعارات محاربة الفساد، ويتسترون على المفسدين. يتذكرون الحكامة والشفافية حين يشُكُّون فقط، في سلوك الخصوم السياسيين، وينسونها حين يضبطون حلفاءهم متلبسين. ويمطرون المواطنين بالنصائح والوصلات التحسيسية لاحترام الطابور وتخليق السلوك، ويبيحون لهم سلك السبل الملتوية لاستغلال النفوذ من أجل شكولاطة. الشكولاطة فعلا لذيذة وصعبٌ مقاومة سمرتها الساحرة، خصوصا لمَّا تكون مرتبة بذوق فرنسي راقٍ داخل علبة شفافة، كما أنها صامتة ومتكتمة حين تضعها بين الشفتين..لكنها حين تسيح، تصبح مقززة وصاخبة وملطخة كالفضيحة.. حين تسيح الشكولاطة تخلف بقعا صعبة ومستعصية، لن ينفع معها الدَّعْك بالبلاغات المتناقضة ولا الشَّفط بالهروب إلى الأمام ولا النَّقع في ماء التستر، ولن تختفي بمساحيق غسيل الدماغ ولا بإخفاء الفاتورة من وثائق الوزارة .. حين تسيح الشوكلاطة، تلطخ الكل وتظل عالقة كوصمة عار.