إنه محمد باهي، واحد من جيل من طينة خاصة. رأى باهي النور في نفس اللحظة التي كان المغرب يعيش تحت جبروت الاستعمار، ولذلك كان لا بد أن يشر ب من قي الوطن والوطنية، ولذلك لا بد أن يكون في الصفوف الأمامية للدفاع عن البلد، في كل أنحاء البلد، حتى في الصحراء، فكان واحدا من الذين كانوا يصوغون بلاغات جيش التحرير في الصحراء إلى سنة 1958، سنة، ولذلك كذلك يعرف باهي أسرارا عديدة في الصحراء، ومنها سياق ولادة البوليساريو، ومنها كيف انقلب رفاق الولي السيد مؤسس البوليساريو من تأسيس الجبهة لتحرير التراب المحتل، وعودته إلى الوطن، إلى المطالبة بالاستقلال! حينما ولدت « التحرير »، صحيفة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، كان الصحافي محمد باهي من ضمن جنودها، واستمر في حضن « التحرير » إلى حين تحرير الجزائر سنة 1962، حيث سافر لمتابعة التطورات والتفاعلات باقتراح من الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي، فكان أول صحافي عربي دخل الجزائر، وأول صحافي دخل ليبيا في ثالث يوم من الاتقلاب الذي قاده العقيد القذافي. ومن الجزائر، تابع تطورات كثيرة تهم العلاقة بين الجزائر والمغرب، وتابع بالضبط حرب الرمال الشهيرة، حينما تواجه الجيش المغربي بالجيش الجزائري، مثلما تابع الانقلاب الذي قاده هواري بومدين ضد الزعيم أحمد بن بلة سنة 1965، الرئيس الجزائري الذي اقترح على محمد باهي الذي يعرف تفاصيل الصحراء وتصاريسها في السياسة والجغرافية قيادة جمهورية في الصحراء! ألم يكن يدرك الرئيس الجزائري طبيعة العلاقة التي تربط باهي بالصحراء، وهو الذي قضى في أحضانها سنوات من العشق؟ لا يهم، لكن المؤكد أن الاقتراح الغريب هذا رد عليه محمد باهي بمقولة تاريخية عبر مقاله الشهير من ركن « رسالة باريس » بصحيفة الحزب: »لم يكن لينين خادما عند فرانكو ». قضى باهي عقودا في الكتابة ومع الكتابة .. في السياسة والجغرافيا والحزب والإعلام .. المغرب والمغرب العربي وإفريقيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتبنية ... مئات الأفكار المواضيع ... وفي سنة 1981، أي بعد 18 سنة من الاغتراب خارج الوطني، عاد محمد باهي إلى المغرب، بعد أن سلمته الدولة جواز السفر، ليلتحق بالتجربة الإعلامية الحزبية « الاتحاد الاشتراكي »، إلى أن عينه الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي مشرفا على إعادة هيكلة الجريدة في ماي 1996، لكن الموت لم يمهله العمل حيث فارق الحياة في الشهر الموالي!!