كان من الطيبعي أن تكون الانظار منصبة على حكومة بنكيران منذ يوم ولادتها، لأنها أول فريق حكومي يقوده حزب إسلامي في تاريخ المغرب. وكل المتتبعين يحاولون رسم الملامح الأولى لأداء فريق بنكيران بعد مرور 100 يوما على شروعه في تدبير الشأن العام. وفي هذه المقال يعود الباحث عبد العلي حامي إلى الظروف المحيطة بنشأة هذه الحكومة والتحديات التي عليها مواجهتها.
طبقا لأحكام المادة 88 من الدستور المغربي الجديد فإن الحكومة تعتبر منصبة بعد حصولها على ثقة مجلس النواب، المعبر عنها بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم لصالح البرنامج الحكومي. وهو ما حصل يوم 26 يناير 2012 عندما صوت مجلس النواب بأغلبية 218 صوتا على البرنامج الحكومي الذي تقدم به رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، يوم 20 يناير 2012، ولذلك فإن الحكومة الحالية لن تكمل مائة يوم من عملها من الناحية الدستورية إلا يوم 5 ماي القادم.
استعجال الحصيلة في المغرب، هناك استعجال كبير من أجل معرفة حصيلة عمل الحكومة الجديدة حتى قبل أن تكمل ثلاثة أشهر من تعيينها، وهذا الاستعجال يبدو طبيعيا من طرف البعض الذي يتطلع بشغف كبير لمعرفة ما أقدمت عليه الحكومة من قرارات، لكنه يبدو غير طبيعي بالنسبة إلى البعض الآخر الذي يريد أن يحمل للحكومة في ظرف ثلاثة أشهر حل جميع مشاكل الدنيا، ومع ذلك فإن هذا الاستعجال يعكس حجم الانتظارات المعلقة على عاتق الحكومة الجديدة. لكنه يعكس أيضا انزعاج البعض من كون حزب العدالة والتنمية استفاد من دينامية الربيع العربي رغم أنه لم «يساند» احتجاجات حركة 20 فبراير التي انطلقت في أعقاب الثورات العربية بكل من تونس ومصر. وفي هذا السياق من المفيد التذكير ببعض المحطات الأساسية في هذا الباب، فالجميع يتذكر أن حزب العدالة والتنمية كان يعيش معركة شرسة ضد مجموعة من مراكز النفوذ، خصوصا بعد تفجيرات الدارالبيضاء الإرهابية بتاريخ 16 ماي 2003، كما تعرض لضغوطات قوية من أجل الحد من حضوره السياسي، ترجم ذلك في الانتخابات البلدية ل2003 والانتخابات التشريعية ل2007 وتوج بتأسيس حزب السلطة»الأصالة والمعاصرة» الذي رفع منذ اليوم الأول شعار محاربة حزب العدالة والتنمية، قبل أن ينخرط في توجه هيمني واضح بعد تمكينه من الرتبة الأولى في الانتخابات البلدية ل2009. وحينما اندلعت الثورات العربية في كل من تونس ومصر، ونزل شباب 20 فبراير إلى الشوارع للمطالبة بإسقاط الفساد والاستبداد، وقع نقاش كبير داخل حزب العدالة والتنمية حول المشاركة في هذه المسيرات..وانخرطت مجموعة من القيادات الحزبية في مساندة مسيرات 20 فبراير وأصدرت بيانا توضح فيه للرأي العام أن مطالب 20 فبراير تتقاطع مع أطروحة النضال الديمقراطي لحزب العدالة والتنمية، ووضعت سقفا لنضالها الميداني وهو المتمثل في تحقيق ملكية دستورية برلمانية حقيقية، كما وقع مجموعة من القيادات الحزبية بيان «التغيير الذي نريد» رفقة مجموعة من الشخصيات السياسية والحقوقية المساندة لحركة 20 فبراير. للأسف حصل أن مجموعة من القوى السياسية يسارية وإسلامية رفضت الاتفاق على سقف محدد للمطالب ورهنت مشروعها السياسي بالدينامية الاحتجاجية للشارع بدون سقف سياسي واضح.
«نضال» بطريقة مختلفة
هذا المعطى هو الذي ساهم في إضعاف انخراط حزب العدالة والتنمية في احتجاجات 20 فبراير بشكل بارز، مفضلا النضال بطريقة مختلفة تمثلت في الحركية السياسية القوية التي خاضها بعد الإعلان عن الإصلاحات الدستورية، وقد كان لحزب العدالة والتنمية تأثير واضح في إقناع العديد من المغاربة ب»خيار الإصلاح في ظل الاستقرار» وهو ما تجاوب معه 45.5 في المائة من الناخبين المغاربة يوم 25 نونبر 2011 وبوؤوا حزب العدالة والتنمية المرتبة الأولى، مما مكنه من قيادة الحكومة لأول مرة في تاريخه السياسي.
رئيس فعلي للسلطة إن المكانة التي يحتلها رئيس الحكومة في الدستور الجديد تجعل منه الرئيس الفعلي للسلطة التنفيذية إذا حرص على ممارسة مهامه الكاملة كما هو منصوص عليها دستوريا. فقد أصبح مجلس الحكومة يقرر في السياسات العمومية والسياسات القطاعية وفي القضايا الراهنة المرتبطة بحقوق الإنسان وبالنظام العام وفي مشاريع القوانين وفي تعيين الكتاب العامين ومديري الإدارات المركزية في الإدارات العمومية، ورؤساء الجامعات والعمداء، ومديري المدارس والمؤسسات. كما أن التعيين في بعض الوظائف داخل المجلس الوزاري الذي يترأسه الملك ينبغي أن يتم في دائرة المقترحين من طرف رئيس الحكومة، وبمبادرة من الوزير المعني، وذلك في الوظائف المدنية التالية: والي بنك المغرب، والسفراء والولاة والعمال، والمسؤولون عن الإدارات المكلفة بالأمن الداخلي، والمسؤولون عن المؤسسات والمقاولات العمومية الإستراتيجية. كما أن تعيين والي بنك المغرب والولاة والعمال والسفراء ومديري المؤسسات العمومية الإستراتيجية لا يخرج عن دائرة الرغبة التي يعبر عنها رئيس الحكومة من خلال سلطة الاقتراح. الحكومة مطالبة بممارسة سلطتها التنفيذية الكاملة فيما يتعلق بتحديد السياسة العامة للدولة، كما تتحمل مسؤوليتها الكاملة أمام البرلمان انسجاما مع قاعدة الربط بين تعيين رئيس الحكومة، ونتائج الانتخابات التشريعية لمجلس النواب، ومع قاعدة ربط المسؤولية العمومية بالمحاسبة ومع تقوية سلطة رئيس الحكومة على الوزراء بصفته رئيسا للسلطة التنفيذية، ويتولى المسؤولية الكاملة على الحكومة وعلى الإدارة العمومية ويتولى قيادة وتنفيذ البرنامج الحكومي، كما يوقع على الأعمال الملكية بالعطف طبقا لما يحدده للدستور، حتى يتحمل رئيس الحكومة مسؤوليته الكاملة باعتباره رئيسا للسلطة التنفيذية.
دعم ملكي طبعا علينا أن نذكر أن الحكومة الحالية تشتغل في ظل الدعم الملكي المعلن لهذه التجربة وهذا شيء أساسي، سيساعد على ترسيخ تقاليد سياسية جديدة تتجاوز منطق التنازع لتؤسس لمنطق التفاهم والتعاون انطلاقا من احترام تام لمقتضيات الدستور الجديد. إنجاح هذه التجربة ليس مسؤولية حزب العدالة والتنمية لوحده، وإنما هي مسؤولية الأحزاب المشكلة للتحالف، كما أنها مسؤولية جميع الفاعلين السياسيين والاجتماعيين والاقتصاديين لأن المغرب اليوم اختار التعامل مع رياح الربيع العربي بطريقة مختلفة تماما عن البلدان العربية الأخرى وقد نجح في الشوط الأول، والجميع يترقب نتيجة الشوط الثاني لتأكيد أطرحة «الاستثناء المغربي»، والنتيجة الطبيعية لتأكيد ذلك هي نجاح التجربة الحالية، ووضع المغرب في سكة الديمقراطية الحقيقية وفي سكة الإقلاع الاقتصادي والاجتماعي والقطع مع جذور الفساد والإفلات من المحاسبة والمراقبة.
مرحلة انتقالية نحن الآن في مرحلة انتقالية، والجميع مطالب بالتكيف معها بالشكل الذي يخدم مصلحة البلاد والعباد، والمهم أن الحكومة الحالية تشتغل في سياق سياسي جديد مختلف تماما عن التجارب الحكومية السابقة. لكن من الطبيعي أن هناك أطرافا معينة لا يروقها التحول الذي حصل في المغرب، وهناك أطراف كثيرة كان لها دور أساسي في إعاقة التحول الديمقراطي في السابق مع تجربة التناوب الأولى بقيادة شيخ الاشتراكيين عبد الرحمن اليوسفي، وليس من المتوقع أن تتراجع بسهولة عن منطقها الاستئصالي وإن كانت رياح الربيع العربي قد حدت من شراستها وأثرت في فعاليتها، وهناك اليوم محاولات لإعادة تموقعها في الساحة عبر تسويق «نظرية الفشل الحكومي» حتى قبل أن تكمل الحكومة شهرها الثالث، كما أن هناك من يسعى إلى تغذية الاحتجاجات الاجتماعية والاقتصادية وإلباسها لبوسا سياسيا لجر الحكومة إلى مواجهات ليست مسؤولة عنها، كما أن هناك عقليات داخل السلطة لم تتكيف بعد مع مستلزمات التحولات الجديدة من قبيل الإفراط في استخدام القوة ضد بعض التظاهرات بشكل سلمي. لكن من اللافت أن تلتقي إرادة بعض المستفيدين من الوضع السابق مع رغبة بعض القوى الراديكالية الموجودة في الشارع حول برنامج واحد هو: إفشال الحكومة. وهو أمر عجيب فالتطرف الموجود في الشارع يخدم، بحسن نية، التطرف الموجود داخل بعض مراكز النفوذ المتحصنة ببعض المؤسسات داخل الدولة. في حلقة قادمة نرصد بالدراسة والتحليل حصيلة عمل الحكومة بعد استكمال مائة يوم من تاريخ تشكيلها.