العنف الذي تعاملت به السلطة مع المتظاهرين ليلة الجمعة المنصرمة غير مبرر. خرج المواطنون في مظاهرة سلمية للتنديد بقرار العفو الملكي الذي استفاد منه الإسباني المتهم باغتصاب 11 طفلا والذي كان يقضي حكما بالسجن لمدة 30 سنة؛ فتعرضوا لحملة عنف كبيرة وغير مبررة. كنت وما أزال ضد الاستغلال السياسوي للقضية من طرف البعض، لتصفية حسابات مع الملكية أو مع حزب العدالة والتنمية عبر وزيره في العدل مصطفى الرميد. القضية خطيرة فعلا، لكن استغلالها ببعض الأساليب الرخيصة أحيانا لا يخدمها ولا يخدم المدافعين عنها. هذا لا يمنع أن القضية برمتها هي كارثة حقوقية وإنسانية ووطنية بكل المفاهيم. وهي تستدعي التأمل في ثلاث نقاط أساسية: أولا، الإسباني دانيال غالفان كان أول متهم بالاعتداءات الجنسية على الأطفال يأخذ حكما "مثاليا". 30 سنة هي أقل ما يستحقه شخص اعتدى على جسد وإنسانية وكرامة 11 طفلا. استفادته من العفو هو ظلم صارخ في حق ضحاياه وعائلاتهم، وظلم في حق قضية الاعتداءات الجنسية على الأطفال التي ينشط فيها المجتمع المدني بشكل كبير في المغرب. يجب أن يكون لدينا الوعي أن مثل هذه القرارات قد تبعث رسائل مشفرة. هل تعني استفادة دانيال غالفان من العفو أن القانون المغربي سيكون دوما متساهلا مع المعتدين جنسيا على الأطفال؛ وأنه حتى حين تصدر في حقهم أحكام جزرية مهمة، فسيكون لهم الحق في الاستفادة من العفو الملكي؟ هل هذه هي الرسالة التي نريد إيصالها للضحايا ولعائلاتهم، وللمجتمع المدني؟ النقطة الثانية تتعلق بالعفو الملكي نفسه. لعل هذه المناسبة الأليمة فرصة لطرح نقاش جدي حول آلية "العفو الملكي" التي لا يجب بتاتا أن تكون منافية للقانون. كلنا نعرف أن العفو الملكي أصبح آلية في أيدي مافيا تبيع العفو بمبالغ مالية ترتفع أو تنخفض حسب ملف السجين. هذا سر لم يعد يخفى على أحد. الباحثة سمية نعمان كسوس روت كيف أنها ساهمت في فضح وسجن أب كان يعتدي جنسيا على بناته الثلاث لسنوات، وتلقى حكما بالسجن 20 سنة، قبل أن يستفيد من العفو الملكي بعد قضاء سنتين فقط، مقابل مبلغ 50.000 درهم. الغموض الذي يكتنف تدبير هذه الآلية ليس مبررا وهذه فرصة لكي يعرف المغاربة كيف يتم اختيار المستفيدين، ما هي شروط الاستفادة، من يحدد اللوائح... كما يجب أن يتم توفير لائحة بالجرائم التي لا يمكن بتاتا أن يستفيد أصحابها من العفو الملكي (مرتكبو جرائم الإعتداءات الجنسية على الأطفال، كبار تجار المخدرات، مرتكبو جرائم العنف ضد الأصول...). هناك مجرمون لا يستحقون الاستفادة من ظروف التخفيف ولا من العفو الملكي. اليوم، ضحايا دانيال غالفان تعرضوا للعنف والظلم مرتين: حين اغتصبهم هذا الوحش الآدمي، وحين تم العفو عنه. الضرر الجسدي والنفسي مضاعف. كرامتهم أهدرت مرّتين. النقطة الثالثة وهي أساسية بدورها: صمت الديوان الملكي كان خطأ سياسيا في هذه الظرفية. بلاغ رسمي (بدل الإشاعات) لتفسير ما حدث والالتزام بتصحيحه (عبر فتح تحقيق، عبر معاقبة المسؤولين، عبر إعادة النظر في قرار العفو....) كان قد يوضح الكثير من الأمور وقد يهدئ الكثير من الغضب المشروع الذي راج. على العكس، اختارت الدولة المغربية التعامل بالعنف مع المتظاهرين على أساس أنها "مظاهرة غير مرخص لها". جزء كبير جدا من الشعب كان غاضبا. أي نعم كان هناك كم لا بأس به من سوء النية لدى البعض ومن الاستغلال السياسوي للقضية من طرف البعض الآخر. لكن الغضب من استفادة دانيال غالفان من العفو هو في النهاية أمر مشروع جدا، وبغض النظر عن بعض المغالطات التي رافقته. كان على الوقفة الاحتجاجية أن تمر بسلام... العنف الذي راجت صوره على الأنترنيت غير مبرر بتاتا. إنه تعود بنا سنوات إلى الوراء ويضعنا في خانة الدكتاتوريات البئيسة. للأسف، ما سيبقى للتاريخ أن ناشطين مغاربة عُنِّفوا بشكل كبير بسبب تظاهرهم السلمي ضد قرار عفو ملكي استفاد منه مغتصب أطفال... لنقلها صراحة وبكل الوجع والحزن الذي يسكننا: العنف و القمع أسوء أساليب التواصل مع الرأي العام. الصمت إزاء الأزمات السياسية الكبيرة خطأ كبير أيضا. بالقمع الكبير لوقفة الجمعة 2 غشت، وبصمت القصر الملكي إزاء هذه القضية، لم نحقق إلا شيئا واحدا: التشكيك، أمام الرأي العام الوطني والدولي، في أننا ديمقراطية ناشئة. لم يكن المغرب يستحق هذا الطيش...