سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
نيوزويك: الاحتجاج القوي الذي رافق سؤال أستاذة لطلبتها عن سر كراهية التاريخ اليهودي لباقي الأديان فيما تعايش اليهود والمسلمين تاريخي يرعاه اليوم محمد السادس
"شربي الحريرة ، محدها سخونة، ومتحشميش ، هكذا تدعو المضيفة بشكل مؤدب ضيفتها لهذا اليوم على مائدة الإفطار الرمضانية. في المغرب تعد "الحريرة" حساءا تقليديا، يتكون من الطماطم، والحمص، واللحوم ومختلف التوابل، التي يعتاد المسلمون على تناولها في شهر رمضان المبارك حينما يحل موعد الإفطار. أما مضيفة هذه الليلة من شهر رمضان، فليست سوى امرأة يهودية، تدعى "سوزان أبيطان"، التي أبت في هذه الليلة، إلا أن تدعو جيرانها، وأصدقائها المسلمين، واليهود إلى منزلها بقلب مدينة الدارالبيضاء.
على مائدة الإفطار،التي تجتمع حولها تسع نساء، وثلاث رجال، خمسة منهم مسلمون فيما الآخرون يهود، تبدو أطباق التمر، والفطائر التقليدية المغربية، ومختلف المشروبات، والمرطبات.
وبصوت عال وقوي تقول سوزان، وهي تعد طبقا من الخيار والبيض المسلوق، وفي طريقها إلى غرفة الأكل:" لمدة طويلة نشأ المسلمون، واليهود معا في المغرب، فنحن إخوة وأخوات، وفي أحايين كثيرة يقع اقتسام حتى نفس حليب الأم ".
منذ سنوات، تعمل سوزان، البالغة من العمر59، كمساعدة في التوعية المجتمعية، حيث تقدم المساعدة للأسر الفقيرة، المسلمة واليهودية، وتشجعهم على تعليم أطفالهم، مشيرة إلى أنه "لايتم التمييز بين المسلمين واليهود".
وعلى مائدة الإفطار، تجلس "سعاد فتوك"، صديقة سوزان، والتي تتأسف على حالة الفوضى التي أضحت عليها العديد من البلدان العربية، حيث تنامى حسب قولها التطرف الديني بشكل كبير، ويبدو أن هذا السبب هو الذي جعلها رفقة سوزان تقدمان على تأسيس جمعية للتسامح، بمدينة الدارالبيضاء، للجمع بين المسلمين واليهود، والمسيحيين.
وتؤكد سعاد، وهي ترشف فنجان قهوة، بعد أول يوم طويل من الصيام، وعينيها الداكنتين تنظران إلى المائدة الموضوعة أمامها، والمليئة بألذ المأكولات والمشروبات :" يحز في النفس أن العديد من البلدان العربية، قد انتهى أمرها إلى نشوب مظاهرات كبيرة".
وتضيف سعاد، بأنها أصبحت مهتمة بالتغييرات التي حصلت في عقليات الناس في المنطقة قائلة : "هناك تراجع فيما يخص التسامح، وبالمقابل هناك تزايد لقضايا ومشاكل الأقليات في العديد من البلدان"، ملفتة النظر إلى الحادثة، التي وقعت مؤخرا بمدينة وجدة، وهي مدينة ليست بعيدة عن الحدود الجزائرية، حيث طالبت أستاذة للغة الإنجليزية من طلبتها، الإجابة على سؤالين في الاختبار النهائي : وكان السؤال كالتالي : "كيف يبرز التاريخ اليهودي الكراهية تجاه باقي الشعوب؟"، فيما سألت الطلبة في السؤال الثاني عن إمكانية "البرهنة على أن سوء المعاملة اليهودية هو راجع بالأساس إلى وجود فراغ روحي لدى اليهود؟"، قبل أن تطلب من طلبتها الاستعانة بالمعطيات والحقائق التاريخية للإجابة على هذا السؤال.
وعقب هذا الحاث، احتجت مختلف المنظمات، والمؤسسات في جميع أنحاء البلاد ضد هذا النوع من أسئلة الاختبارات، من بينها المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الذي قال رئيسه إدريس اليزمي: "ما زلنا نحقق في الحادث ، لكن بالنسبة لنا آثار العنصرية واضحة انطلاقا من السؤالين، وهذا الحادث يعتبر ضربا لحقوق الإنسان ". أما الأستاذة الجامعية، التي ماتزال تدرس بالجامعة، فقد رفضت الإدلاء بأي تعليق بخصوص الحادث .
ومن جهته يؤكد "سيرج بردغو"، رئيس الجالية اليهودية في المغرب، في لقاء معه بمكتبه المطل على المدينة القديمة بالدارالبيضاء:"بالطبع ليس من الجيد أن تقع مثل هذه الحوادث، لكنه من المهم أيضا معرفة كيف كان رد فعل المجتمع المدني ضد هذا الحادث"، مضيفا :" المغرب يواجه نفس التحديات، التي تواجهها باقي دول المنطقة حاليا- لكنه يجد حلول مختلفة لمثل هذه الإشكاليات- من جهة لأن الملك محمد السادس أطلق عملية الإصلاح في البلد منذ أمد طويل- "فلاتنسوا أن الملك هو أمير المؤمنين، وهذا يشمل أيضا، بالإضافة إلى المسلمين، اليهود والنصارى".
ويشير "بردغو" إلى أن اليهود والمسلمين يقتسمون تاريخا طويلا، وهذا يمنحهم إلى جانب الجالية اليهودية أملا كبيرا في التعايش. ففي الوقت الذي لا توجد فيه إحصائيات مضبوطة حول عدد اليهود بالمغرب، فالتقديرات تشير إلى أن مابين 3000و 4000 يهودي يعيشون بالمغرب، وفي جميع أنحاء العالم يدعي أكثر من مليون يهودي أن المغرب هو بلدهم الأصلي. والعديد منهم غادر المغرب مابين سنة 1948 حينما أنشئ الكيان الإسرائيلي، وسنة 1956، حيث حصل المغرب على استقلاله من الحماية الفرنسية.
وكان الملك محمد الخامس، جد الملك الحالي، هو الذي وضع اليهود تحت حمايته، حينما بلغت أوروبا المسيحية ذروتها الفاشية، وحينما قتل الملايين من اليهود الآخرين في الجالية اليهودية في غرف ومعسكرات الغاز النازية. وفي ذلك الوقت، حاولت حكومة "فيشي" في فرنسا، تعزيز قوانينها في المغرب، وإجبار اليهود الذين يعيشون في العديد من مناطق المدن الأوروبية، على الانتقال للعيش فيما يسمى ب "الملاح". كما أن المغرب، قد خصص بدوره "كوطا"، لتعيين عدد من اليهود في وظائف عمومية، إما كمحامين وأطباء أو موظفين عموميين.
في سنة 2011، عزز المغرب تعدده الهوياتي والعرقي، والديني في الدستور، الذي ينص على أن"ضمن الآخرين فالتأثيرات اليهودية قد "غدت"، و "أغنت" هوية الأمة ووحدتها. وقد صوت المغاربة لصالح الدستور الجديد في استفتاء.