كثيرون استغربوا ما الذي يجعل الملك يعود للمرة الخامسة، لحد الآن، لمراقبة وتتبع أشغال مشروع تأهيل المدينة القديمة في الدارالبيضاء. منهم من تساءل: لماذا كل هذا الحرص الملكي على المتابعة والمراقبة وعلى العودة عند كل مرة إلى عين المكان ليضع تحت المجهر ما دبج على الورق وما يعريه الواقع. لعل الملك الغاضب من بعض التلاعبات والذي قطع بعض الرؤوس في الجمعية الخيرية في عين الشق بعد زيارة ميدانية مفاجئة، والذي يحرص في العديد من المشاريع التنموية الكبرى على الانتقال شخصيا للمعاينة والتتبع والرصد، لا يطمئن قلبه إلا بعد أن يكون قد قارن بين ما خٌط على الماكيط وما تحمله الخطاطات، وبين ما تكشف عنه العين وتفضحه الزيارات الميدانية. في هذا السياق، يوجه سراج الدين موسى الكاتب العام لفدرالية جمعيات المدينة ورئيس جمعية أولاد المدينة باسم سكان المدينة القديمة، كما أكد في حوار حصري ل"فبراير.كوم" دعوة إلى الملك محمد السادس، لزيارة المدينة القديمة، يختار الملك برمجتها وتوقيتها، لكي يطلعه وأبناء المدينة، بعيدا عن أعين بعض المتربصين والراغبين في إخفاء بعض الحقائق-على ما وصفه بحقيقة وواقع مشروع تأهيل المدينة العتيقة. وإليكم بعضا من نقاط الضوء التي يسلطها على هذا المشروع كما يقدمها ل"فبراير.كوم" عن مشروع تأهيل المدينة القديمة بمدينة الدارالبيضاء الذي يدخل سنته الثالثة.
مسجد "مكيرجة" بين مساهمة المحسنين والوكالة
برمجت لجنة توجيه وتأهيل المدينة القديمة للدار البيضاء، بناية مسجد "مكيرجة"، أي مسجد الصومعة "المكرجة"، ضمن مسار الزيارة الملكية الخامسة للمدينة القديمة، وتأتي الزيارة لهذه البناية بعدما تم ترميمها، كواحدة من البنايات التي تدخل في برنامج تأهيل المدينة القديمة، والذي أعطى انطلاقته الملك في غشت 2010، وعلى اعتبار أن مصاريف الترميم والإصلاح رصدت من الميزانية الإجمالية التي خصصت لهذا المشروع والتي حددت في 30 مليار سنتيم، لكن المفاجأة التي عرفها مشروع "مكيرجة" كما يسميه أهل المدينة، هو أن لجنة تأهيل المدينة القديمة لم تتكفل بالترميم، فهذه العلمية، كما يوضح رئيس جمعية أولاد المدينة، تمت من جيوب المحسنين بمساهمات مالية متفرقة، ومن طرف بعض من فعاليات المدينة القديمة، حيث انطلقت الأشغال به شهرين قبل رمضان الأخير، وتكلفت المندوبية الجهوية لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بتثبيت "الجامور" الذي تم جلبه من مدينة فاس، إلى جانب التكفل بأشغال الصباغة أسبوعا قبل الزيارة. وقبل الزيارة الملكية بيوم واحد، تم وضع زرابي تم نقلها بعد انتهاء الزيارة الملكية إلى جهة غير معلومة يضيف رئيس جمعية اولاد المدينة دائما، وفي هذا السياق يتساءل:أين هو دفتر التحملات الذي يتضمن المصاريف التي قدمت للملك على أنها رصدت لترميم الزوايا والمساجد بالمدينة القديمة؟
ألوان الطيف في سور المدينة تحول ترميم سور المدينة القديمة إلى ما يشبه "ألوان قوس قزح"، فعلى طول شارع الموحدين الذي يعتبر بمثابة الشريط الساحلي الذي تطل عليه بنايات المدينة، تغير لونه إلى لونين، والسبب أن طول امتداد ترميم هذا السور تكلفت به شركتين، وكل شركة عملت على ترميمه بطريقتها الخاصة، أما جانب السور المتواجد على طول شارع الطاهر العلوي، فقد تعددت ألوانه، وبالتالي أضاع سور المدينة ملامحه بفعل تعدد هذه الشركات القادمة من فاس وسلا وورزازات، وطبيعة المواد المستعملة من "توفنة حمراء وصفراء وجير وإسمنت" ليطرح مصدرنا السؤال عن مدى حرص لجنة التأهيل والوكالة الحضرية على المحافظة على الموروث الثقافي والنسيج الحضري في المدينة القديمة، في ظل وجود الميثاق العالمي للحفاظ وترميم المواقع الأثرية.
"بركات"سيدي بوسمارة
شملت تفاصيل مشروع تأهيل المدينة القديمة بالدارالبيضاء الجانب الصحي المتمثل في المراكز الصحية المتواجدة داخل سور المنطقة، وذلك من خلال ترميمها وإحداث أقسام طبية جديدة بها، باعتبارها مشاريع ذات أولوية، ومن بين هذه المراكز، المركز الصحي الحضري بوسمارة، الذي تفاجئ سكان المدينة القديمة بهدمه عن آخره، رغم أنه المشروع الذي قُدم للملك خلال زيارته في رمضان 2011، على أساس أن يٌحتفظ بالطابق الأرضي مع إضافة طابق ثاني يكون بمثابة مركز خاص بالمدمنين، حيث رصدت له ميزانية حددت في 80 مليون سنتيم ستتكفل به وزارة الصحة.. لكن، واقع الأشغال وما آلت إليه بناية المركز الصحي الحضري بوسمارة التي تم هدمها على آخرها، أظهر أن هناك مبلغ مالي آخر خصص له، وقدره 300 مليون سنتيم، حيث تمت برمجته في إطار مشاريع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، بمقاطعات الدارالبيضاءآنفا، على أن تتكفل به جمعية كريان سانطرال بصفتها حاملة المشروع. إنه التشخيص الذي يجعل رئيس جمعية اولاد المدينة ومعه مجموعة من سكان المدينة يتساءلون عن السبب وراء هذا التباين في الأرقام.
حاولنا في "فبراير.كوم" الاتصال ببعض المسؤولين على تتبع المشروع في الدارالبيضاء، لكن كتاباتهم أغلقت الأبواب في وجهنا.
ويضيف سراج الدين موسى الكاتب العام لفدرالية جمعيات المدينة في نفس السياق:"لسنا أصحاب خلفيات سياسية، وبعيدون كل البعد عن أي صراع سياسي بالمدينة، وكل من يريد أن يحشر مواقفنا في صراعات سياسوية ضيقة، نؤكد لجلالة الملك إن هذه ليست الحقيقة.. هناك تحركات ضد بعض الجمعيات التي تحمل هاجس خدمة وتنمية المدينة، وثمة من يسعى إلى إخفاء الحقيقة، وثمة من يرفع تقارير مغلوطة تحاول أن تقدمنا كأصحاب مواقف ومرجعيات سياسية".