لست من اتباع نظرية المؤامرة ولا انساق مع التفسير المخابراتي للأحداث، ومقولة ان كل ما يجري امام أعيننا اعد في غرف مغلقة، ووضع في مخططات سرية قبل ان نراه واقعا في حياتنا. لكن مع هذا الحذر المنهجي، هناك حقائق على الارض يصعب تجاهلها، وآثار على الرمل يستحيل غض البصر عنها ،وبصمات فوق الاحداث والاثات لا يراها الا مغفل او أعمى. مخطط الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي في مصر ليس مخططا ليبراليا لإسقاط حكم أصولي منغلق، ولا هي ثورة جديدة ضد مشروع (أخونة )الحروسة. هذا مخطط دولي وإقليمي ثم مصري استهدف راس الربيع العربي.
منذ عدة اشهر تمت اقامة غرفة عمليات في دولة خليجية ( عدة مصادر غربية وعربية كشفت معلومات جد خطيرة عن غرفة العمليات هذه وعن أعضائها وعن ميزانيتها ) وتكلفت بإعداد وصفة كاملة لإجهاض الربيع العربي ،الذي جاء بحكومات الإسلاميين الى السلطة كليا او جزئيا، وطبعا مصر تقع في قلب هذا المخطط، لانها دولة مركزية في العالم العربي ،وما يقع داخلها يفيض على جوارها ومحيطها. دول الخليج وخاصة السعودية والإمارات العربية المتحدة كانت مزعجة جداً من صعود ليس الاخوان فقط ( وهم مكروهون في الخليج لأنهم تنظيم دولي له جذور في أكثر من بلد عربي وهو من يمارس المعارضة في هذه البلدان ) بل العملية الديمقراطية وحكم صناديق الاقتراع والتداول على السلطة واقتسام الثروة، والحد من الفساد، وحرية الاعلام والتعبير وتنظيم الاحزاب والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني ،وكلها من محرمات أنظمة الخليج التي مازالت تعيش في جلباب أنظمة القرون الوسطى. لهذا فان إمارات النفط هذه مستعدة لدفع المليارات لحماية عروشها وأنظمتها من الانهيار اذا ما نجح النموذج المصري مع الاخوان او دونهم.
المستفيد الثاني من إجهاض الثورة المصرية هي اسرائيل التي لم تكن المؤسسة الأمنية والعسكرية فيها راضية إطلاقا على ذهاب مبارك، الذي كان يحرس اتفاقية السلام ومعها حدود اسرائيل ويبيع لها الغاز بثمن رخيص. اول امس كتبت جريدة يدعوت احرنوت في افتتاحية العدد(إن حكم الاخوان المسلمين في الأمد البعيد سيئ لاسرائيل، فمعناه تجميد العلاقات في أحسن الحالات ومواجهة عسكرية في اسوئها. أما الحكم العلماني، سواء أكان مدنيا أم نصف عسكري فيترك الخيارات مفتوحة) اسرائيل أخذت على مرسي دعم حماس ورأت في وصول حكومة منتخبة على ود مع اسلاميي فلسطينالمحتلة تشجيع لهؤلاء على المزيد من العداء لإسرائيل. لهذا فان سقوط حكم الاخوان عاجلا وصعود الجيش الى السلطة اكبر ضمانة على تقيد مصر الجديدة باتفاقية كامب دايفيد. وباوفاق التهدئة المعلنة وغير المعلنة.
هناك تخمينات عدة حول دور اسرائيل في التأثير على امريكا لاتخاذ موقف إيجابي من انقلاب العسكر على صناديق الاقتراع في مصر، والابتعاد عن نظرية ترك الشعوب العربية تختار من يحكمها وبعد ذلك تجد واشنطن طرقا للتفاهم مع من يحوز شرعية السلطة، لان ذلك افضل من الاعتماد على حكام فاسد ين لا يمثلون شعوبهم( هذه مقاربة أعدت في مراكز صناعة الأفكار في امريكا بعد احداث 11 شتنبر حيث انتهى فريق من الباحثين الى ان سبب كره المسلمين لأمريكا هو دعمها للأنظمة المستبدة التي تحكمهم لهذا فان الحل هو رفع اليد جزئيا عن هذه الأنظمة ). الارتباك الحاصل اليوم في موقف الادارة الامريكية يفسر من جهة بتعقد القرار في امريكا ومن جهة اخرى بتأثير اسرائيل الظرفي على واشنطن في الملف المصري والذي لا يدخل ضمن منظور استراتيجي بعيد .في بداية الأزمة قال أوباما في حديثه مع مرسي ان امريكا مع العملية الديمقراطية ثم بعد الانقلاب العسكري لم تدن واشنطن الانقلاب واكتفت بالتعبير عن قلقها وتخفيض مستوى تمثيليتها الديبلوماسية.
الان نأتي الى القوى الداخلية وهي شعوب وقبائل و تيارات وأحزاب ورجال اعمال و اعلام خاص وقضاة ومراكز قوى وجيش وأجهزة أمنية ... لا يجمعها الا كره الاخوان من جهة .والخوف من الديمقراطية والمحاسبة من جهة اخرى ، هذه القوى تعرف انها لا تستطيع لوحدها ان تسقط مرسي لهذا جرى الاستعانة بقوتين كبيرتين الاولى، هي الجيش الذي كان مؤهلا للعودة الى لعب دور سياسي مباشر في مصر من جهة ومن جهة اخرى لانه صاحب مصلحة اقتصادية وجب حمايتها
والقوة الثانية التي وظفت في المخطط هي الشباب الثوري وجزء من الطبقة الوسطى التي كانت انتظاراتها كبيرة في دولة ما بعد الثورة واذا بها تحبط مع إدارة مرسي للحكم خاصة وان هذا الاخير ساعد خصومه بالأخطاء التي ارتكبها وسقوطه في الفخاخ التي نصبت له مثل اصطدامه مع القضاء والإعلام والسلفيين، لقد جرى إخافة مرسي وجماعته من نزع السلطة من ايديهم فدفعه ذلك الى استعجال المسك بخيوط السلطة ووضع اتباعه المخلصين في مراكز القرار تحت ضغط الخوف اكثر من شيء اخر.
لقد وظفت القنوات التلفزية المملوكة لرجال الاعمال الذين كانوا مستعدين لإحراق البلاد دفاعا عن ثرواتهم وامتيازاتهم ( طالبت إدارة الضرائب من رجل الاتصالات نجيب ساويرس لوحده بأداء مليار دولار عن تهربات ضريبية سابقة وتلاعبات محاسبية كبيرة في شركاته العملاقة ) لقد وظف الاعلام في تشويه صورة الاخوان، مع ان هؤلاء ساعدوا باخطائهم وسذاجتهم على ذلك. كما وظف القضاء في معركة معقدة لضرب هيبة الرئيس من خلال الغاء انتخابات مجلس الشعب وإرجاع النائب العام الذي كان مبارك قد وضعه في منصبه الحساس وغيرها من الاستفزازات التي رد عليها الرئيس بطرق فجة.
هنا اكتملت الخطة بخروج الملايين الى ساحة التحرير ولان واضعي المؤامرة يعرفون ان الملايين ربما لا تصمد لأيام وأسابيع حتى يخضع الرئيس، تدخل الفريق السيسي في اليوم الاول للتظاهر وبقية القصة معروفة.