اعتادت خبيرة علم الانثروبولوجيا دنيا بوزار أن تقارع الشبان حججهم الدينية بالحجة الدينية لمحاولة إبعادهم عن التشدد في الاسلام .. وفشلت في ذلك. ولذا طورت بوزار الجدة التي تبلغ من العمر 51 عاما أساليبها الخاصة على غرار أساليب منظمة « الكوهوليكس أنونيماس » لتوعية مدمني المشروبات الكحولية وعلاجهم. والقاعدة الرئيسية لديها هي: لا تحاول استعمال المنطق في محاولة إقناع هؤلاء الناس. وقالت بوزار المسلمة التي يتابعها سرا ثلاثة حراس شخصيين من رجال الشرطة وهي تجلس في أحد المقاهي الباريسية « من السمات المشتركة أن الشاب الذي تم تجنيده يعتقد أنه مختار وأنه يعرف الحق. » وأضافت « بمجرد أن تستخدم المنطق- والمعرفة- لمعالجة هذا النوع من الشبان فإنك تسير في طريق الفشل. » وتقول بوزار إنها تستخدم بدلا من ذلك الذكريات والموسيقى بل والروائح لمحاولة صرف المتشددين الشبان عما هم فيه. وتضيف أن المسؤولين عن تجنيد الشبان يستخدمون أساليب طورتها طوائف دينية سرية ولذلك فإن فك هذه القبضة يستلزم عدة مهارات. وتعمل بوزار الآن لحساب وزارة الداخلية لتدريب السلطات المحلية على أساليبها. ويقول بيير نجاهان المسؤول عن برنامج حجمه ستة ملايين يورو (6.62 مليون دولار) لمنع التشدد في فرنسا إن بوزار وفريقها « يحرزون نتائج نحن راضون عنها تماما. » ولا تقول بوزار أو المسؤولون الفرنسيون إن أسلوبها هو الحل الوحيد لمواجهة تجنيد المتشددين. لكن بوزار تقول إن أساليبها تمثل بداية لعملية يمكن أن تحقق نجاحا. وقد شهدت فرنسا تحول عدد من مواطنيها إلى التشدد الاسلامي أكبر من أي دولة أخرى في أوروبا وفقا لأغلب التقديرات. وأكد هجومان دمويان في فرنسا هذا العام المخاطر. وتقدر الحكومة الفرنسية أن 1800 مواطن انضموا لشبكات الجهاديين في سوريا أو العراق أو على وشك التوجه إليهما. وهناك 7000 غيرهم معرضون لخطر السير في هذا الطريق. وتعمل بوزار في حماية الشرطة وتغيير أماكنها باستمرار. ونحو خمس المتشددين الفرنسيين في العراق أو سوريا من النساء. وتقول بوزار إن قلة فقط من المتشددين الذين تساعدهم ينتمون لأسر مسلمة إذ أن نحو 80 في المئة منهم كانوا في الأصل إما ملحدون أو مسيحيون كاثوليك بل إن بعضهم من اليهود. وقد تعامل المركز الذي تديره باسم مركز منع الاتجاهات الطائفية المرتبطة بالإسلام مع نحو 600 أسرة في العام الأخير كما يستقبل نحو 15 مكالمة أسبوعيا. ويعمل في المركز ستة أفراد. وتقول بوزار إنها أخفقت في حالتين أو ثلاث حالات لكنها « أنقذت » نحو 50 شابا. وفي بعض الأحيان يثور لغط حول أساليبها. ولا يمكن التحقق من الحالات التي تتعامل معها من جانب جهة مستقلة لأنها تخفي هويتهم حفاظا على الخصوصية. ويقول من لهم مآخذ عليها إنها ليست من علماء الاسلام ولا تتحدث العربية وتلعب بعلم النفس كما يفعل الهواة. لكن بوزار التي كانت إخصائية اجتماعية تتعامل مع القصر المنحرفين أو المعرضين لخطر الانحراف على مدار 15 سنة لديها فريق يضم أعضاء مروا كلهم بتجربة التجنيد أو تجنيد عزيز لديهم وتقول إن لديهم الخبرة في التعامل مع الشبان الذين تحولوا إلى التشدد. وفي عام 2004 بدأت بوزار مشروعا مع عشرة أشخاص كانوا بسبيلهم إلى التشدد ونشرت كتابا عن ذلك. وبعد عامين وأثناء عملها مع أحد الأئمة لاقناع صبية بأنهم يسيرون في الطريق الخطأ أدركت أنها فشلت في مهمتها. وتقول إنه عندما تحدث الإمام عن الدين كان الشبان يقولون « اصمت. هذا لم يقل به الله… أنا أعرف كلام الله. » وتعقدت الأمور بدرجة أكبر في أوائل العام الماضي عندما بدأ « أخوة » من تنظيم الدولة الاسلامية يتصيدون زوجات عن طريق الانترنت. وكان كثير من المجندات فرنسيات متعلمات جئن من خلفيات تتسم بالاستقرار. وقال سيرج ايفيز أخصائي الطب النفسي الأسري في مستشفى بيتيه سالبيترييه في باريس والذي يعالج بعض المجندين ممن قابلتهم بوزار « هؤلاء المراهقين يمرون بعملية إيحاء تكاد تكون على مستوى التنويم المغناطيسي. » * المصفوفة وللاسلاميين العاملين في مجال التجنيد عبر الانترنت سطوة على مستوى العالم. وفي وقت سابق من العام الحالي كاد صبي بريطاني في الرابعة عشرة من عمره تعرف على أصدقاء في تجمع جهادي أن يقنع زميلا استراليا له بقطع رأس شرطي في استعراض تخليدا لذكرى قتلى الحرب. وتعتقد بوزار إن الفرنسيين من أولئك الذين يحاولون تجنيد الشبان يتمتعون بمهارات خاصة. فقد درست عملية التجنيد بفحص هواتف وأجهزة الكمبيوتر الخاصة بمئات من المراهقين الفرنسيين وسمعت شبانا وأسرهم ممن جاءوا إليها طلبا للعون يصفون تلك العملية. وقالت « العاملون في التجنيد يرسمون عوالم فضلى مختلفة للشبان. ومن خلال الاستماع إلى الطريقة التي يقعون فيها في الشراك نستطيع أن نفك الخداع. » وفي البداية تكون الرسائل دينية وفي بعض الأحيان يكون إحساس المراهقين بالغربة هو الصنارة التي يسقطون بها. ويوحي فيلم على الانترنت عن عملية التجنيد إلى أن المشاهد يسير وهو نائم في مصفوفة من الفساد والخداع. فيبدأ بشابة في ملهى ليلي وقد فغرت فاها بينما يتدفق مشروب كحولي في حلقها وتظهر فيه لقطات تربط أمريكا بالماسونية ويحث المشاهد على إيقاظ العالم وينتهي بلقطات من فيلم ذا ميتركس (المصفوفة) تظهر البطل وهو يختار بين حبة زرقاء وحبة حمراء بحثا عن الحقيقة. ويخلط المسؤولون عن التجنيد بين الخيال واللقطات الاخبارية ومشاهد شاعرية. فقد شعر صبي تعاملت بوزار معه بأنه أسير شخصيات من لعبة الكمبيوتر « أساسينز كريد » (عقيدة القاتل). كما جذبت البعض شخصيات من قصة « لورد أوف ذا رينجز » (ملك الخواتم). وتقول بوزار إن لدى العاملين في التجنيد صورا متعددة للشخصيات ويستخدمون البحث بكلمات رئيسية للوصول إلى أنواع من الشخصيات. من الصور التي يروجون لها فتيات تبحثن عمن يحميهن أو باحثون عن البطولة والفروسية أو شخصيات تسعى لتلبية نداء الواجب أو مغامرون يريدون حكم العالم. وتقول بوزار عن شابة اسمها ليا كانت تستعد لشن هجوم على معبد يهودي إن الشفقة كانت مفتاح شخصيتها. ويوضح حسابها على موقع فيسبوك أنها تريد أداء عمل انساني. فعرض عليها من يسعون لتجنيدها لقطات فيديو توحي لها بأن بوسعها أداء عمل انساني في سوريا حسبما تقول في فيلم أنتجه مركز بوزار. وقالت « لقطات الفيديو أظهرت السكان السوريين وهم يتعرضون للقصف بالغاز… والقنابل والنساء ينقلن إلى المستشفيات في حالات صعبة… حتى من دون حجابهن. » ووصفت المشاهد بأنها فظيعة جدا وقالت « كنت أريد المغفرة ». ويوالي العاملون في التجنيد استهداف الشبان ليلا ونهارا بوابل من الوعظ والأوامر. ويجد بعض الشبان أنهم يرددون عبارات دينية يحتمون وراءها تقريبا من أي تأثيرات أخرى. وتقول ليا « سمعت نفسي أقول الشيء نفسه مرارا وتكرارا. ومازلت أجد من الصعب أن اصدق أنني كنت أتعرض لعملية تلقين. ومازلت أجد من الصعب تصديق أني كنت بهذا الغباء. » * بروست في باريس في أوائل 2014 التقت بوزار بمجموعة من الاسر التي انضم أبناؤها للاسلاميين. وأحضرت إحدى الأمهات ابنتها من جرينوبل. وكان الابوان يشعران باليأس. فقد اكتشفا أن ابنتهما لديها حساب سري على فيسبوك يمتلئ بشعارات الدولة الاسلامية. وكانت البنت قد أجرت ترتيبات للسفر إلى سوريا خلال يومين. ولم تكن تعرف أن والديها علما بأمر حساب الفيسبوك. وكان الاثنان في حيرة من أمرهما لا يعرفان ماذا يفعلان. وطلبت بوزار العون من عائلات أخرى. وقرروا مقابلة الفتاة مع أسرتها. لكنهم رفضوا الحديث معها مباشرة عن حساب الفيسبوك. وبدلا من ذلك تحدثوا مع بعضهم البعض عن تجارب تجنيد الاولاد وفقدهم. واستمعت البنت وفي النهاية انهارت واعترفت. وتشبه هذه التجربة تبادل القصص في منظمة الكوهوليكس انونيماس. كما استعارت بوزار فكرة من الكاتب الفرنسي مارسيل بروست الذي كتب تحفة فنية عن ذكرى قال فيها إن طعم قطعة من الكعك الاسفنجي أعادت إليه تجربة حميمة من الطفولة. واقترحت على الأسر أن تستخدم وسائل لاستثارة العواطف مثل الموسيقى والصور والأماكن والروائح بل والطعام « لإيقاظ » المجندين. فالآباء وحدهم هم القادرون على ذلك. وقالت بوزار « عندما يتاثر الانسان في مقتبل العمر بذكريات طفولته » يثوب إلى نفسه « بضع لحظات ». وأضافت أن هذه هي البداية التي تحتاج إليها الأسر.