اليوم، هناك أزيد من 1500 مقاتل مغربي يوجدون في سورياوالعراق. وبين الأحداث الإرهابية الأخيرة التي شهدتها فرنسا، وأخبار تفكيك عدد من الخلايا الإرهابية بين المغرب وإسبانيا، يعود سؤال التجنيد ليطفو على السطح من جديد، كيف يتم تجنيد الجهاديين؟ وما هي المداخل الحقيقية التي تنفذ منها عقيدة الإرهاب إلى عقول وقلوب الشباب المغربي؟ التحريض باسم الإسلام في حديث خص به « اليوم24»، يعتبر الباحث في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، محمد مصباح، أن تأطير الجهاديين يتم من خلال ثلاثة مستويات: العاطفي والمعرفي والسلوكي. يخاطب التيار الجهادي وجدان المتعاطفين والزبناء المحتملين، من خلال التركيز على خطاب المظلومية والإهانة الممارسة من طرف الغرب أو الأنظمة السلطوية أو كليهما. يقول مصباح، «هذا التأطير يستتبعه تحويل معرفي يعتمد على الأدبيات الجهادية، تحضر المستهدف لمرحلة الفعل. الانتقال من المستوى العاطفي إلى السلوكي قد يحدث بشكل بطيء، كما يمكن أن يحصل في وقت أسرع، بناء على المستوى التعليمي للجهادي المفترض، واستعداداته النفسية، كما أنه مرتبط أيضا بمتغيرات المحيط السياسي». قبيل أحداث فرنسا بساعات قليلة، كان المسؤول عن مكافحة الإرهاب في الاتحاد الأوروبي جيل كيرشوف يعرض فكرة مشروع سيطرح حلولا للتصدي للحملات الدعائية التي يقوم بها تنظيم «الدولة الإسلامية»، ومجموعات جهادية أخرى لتجنيد واستقطاب المجاهدين. المسؤول الأوروبي الكبير كشف أنه من بين الطرق التي ستعتمدها اللجنة بت مقابلات لجهاديين محبطين عائدين من سوريا، وإدراكهم لأسباب المعارك الطاحنة هناك، وأن الأمر لم يعد يتعلق بالإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، بل بصراع مجموعات متمردة متنافسة. الإطاحة بالرئيس السوري كان من بين ركائز الخطاب التحريضي الذي يعتبر قاعدة التجنيد. في مدينة مارتيل، كما أثبتت جمعيات وإطارات مدنية، فإن ضرورة الجهاد في سوريا ضد بشار كان هو المدخل الأول للتجنيد، (عبد السلام.أ) وهو فاعل جمعوي بالمدينة تعرض لمحاولة استقطاب من طرف شاب معروف التحق فعلا بتنظيم الدولة الإسلامية يدعى «محمد بن علي»، وكان مما يتذكره عبد السلام كما حكى ذلك في حديث خص به اليوم24» أن بن علي قال له، «حتى النظام المغربي أدان جرائم بشار، وبالتالي لا تخشى شيئا من الشرطة»، فضلا عن عرضه صور عدد من الشبان الذين وصلوا إلى أراضي سورياوالعراق وتحولوا إلى «أبطال» .. كانت خلايا أحياء في تطوان «طبولة خصوصا» وفي مرتيل أحياء أحريق والزاوية والشبار والديزة وكطلان، تشتغل مثل النحل، حيث يقسم العمل بين المراقبة والتواصل والمحاورات اليومية. في المرحلة الثانية، كانت الكتب والمنشورات ثم الدعوة إلى حضور خطبة متشددة لسلفيين معروفين، وفي آخر خطة التجنيد لقاء وجه معروف في تطوان، شيخ لا يمكن الوصول إليه إلا بعد التأكد من ولاء ونية المجند الحقيقية في الرحيل. يضيف عبد السلام الذي كان موضوع استقطاب في المدينة الساحلية الصغيرة، « لكي يمنحوك ثقة في النفس، فإنهم بعد التحقق من رغبتك في الالتحاق بأراضي القتال، يسمحون لك بالقيام بتجنيد أقاربك والجولان معهم، ويقدمونك كنموذج ناجح، ما يجعل الشاب يتوهم بأنه قائد وشخص مهم فعلا». في أوروبا، تعتبر الباحثة المتخصصة في الإسلام الراديكالي، دنيا بوزار، أن الخطاب الراديكالي أصبح يمثل سلطة على الشباب الذين يتحدرون من عائلات المهاجرين، بل إن جاذبيته معترف بها، وتستشهد الباحثة المرموقة وعضو المرصد العلماني، خلال حوار مع صحيفة «الهافينغتون بوست» في نسختها الفرنسية، بحالة اثنين من الشباب الذين عادوا من سوريا إلى تولوز، وهما من المراهقين، معلقة أنه من السهل استقطاب الشباب الذين يحتاجون إلى الحب… قبل أن تشير إلى أنه بالنسبة للتعبئة العادية، فإن خطاب التوظيف هو نفسه دائما، «إن الله قد اختارك لتكون ضمن مجموعة منتقاة، وتملك الحقيقة، وتهدف إلى حفظ المجتمع الذي تحكمه الشرور، أي الجنس والمال والعنف. وقبل أقل من شهرين، أصدر المركز الدولي لمكافحة الإرهاب «ويست بوانت»، تقريرا تناول فيه تحولات الخطاب الجهادي في أعقاب «الربيع العربي». التقرير تناول عنصرين اثنين، أولا تحمس قادة الجهاد العالمي للاستجابة المتسقة والفعالة مع أحداث الربيع العربي، وظهور نوع من الخطاب المتشدد، القائم على التمسك بمبدأ التزام الجهاد، واستعمال الخطاب المعادي للديمقراطية باستخدام الحجج الدينية، مشيرا إلى أن هذه الجماعات الجهادية الجديدة تتميز بأنها تكثف أكثر من الدعاية للجهاد. هذه الدراسة تضيف أن الأحداث في سوريا ساهمت في استعادة مصداقية الجهاد، وخلص التقرير، الذي يوجد في أكثر من مائة صفحة، إلى الفرضية المركزية للإيديولوجية الجهادية غايتها الوصول إلى قناعة وحيدة أن الجهاد هو الحل الوحيد لتخليص المسلمين من الحكام الطغاة بها، وإقامة دولة إسلامية عالمية، أو على الأقل تحقيق الوحدة بين الجهاديين. من السجن إلى الجهاد في حي بني مكادة بطنجة، تحول الكثير من المنحرفين إلى أمراء وقادة في سوريا، الكثير من الفاعلين في الحي الذي صارت هويته «سلفية جهادية»، يعتبرون أن الاستقطاب بداية التجنيد، كما حدث في حالة الجهاديين «بلدي والموساوي» اللذين قتلا في معارك بسوريا. كان التركيز عليهما في البداية عقب وقوعهما في شراك الإدمان، واختيارهما حسب مصادر حقوقية من طنجة، تم من طرف أحد النزلاء السلفيين في السجن، حيث كان أحد أقربائهما موجودا في السجن نفسه. وعند تحديد بلدي والموساوي هدفين للتجنيد، قامت مجموعة أخرى بمراقبة الهدفين بعد خروجهما من السجن، والحرص على عدم الابتعاد عنهما، وتشكلت خلية خاصة به من حيهما والأحياء المجاورة لهما، وتكونت من ثلاثة أفراد، أحدهم هو المنسق أو المسؤول، والآخرون مهمتهم الاحتكاك المباشر بالهدفين، وانطلق غسيل الدماغ.. عند التأكد من إخلاص الهدفين، وقيامهما بالواجبات الدينية (المواظبة على الصلاة، وعدم الاستماع إلى الموسيقى، وعدم الاختلاط )، تأتي مرحلة اللياقة البدنية، وهي إحدى نقاط التحول، وقد شوهد الرجلان وهما يتدربان بقسوة على حمل الأثقال وفنون الحرب ورياضة كمال الأجسام. في إحدى الأمسيات وعقب صلاة المغرب، فوجئ سكان الحي بالموساوي وبلدي يقومان بجولة في الحي، وكان حديثهما مع مجموعات الشباب يتمحور حول الجهاد في سبيل الله، باعتباره الطريقة المثلى للحصول على الشهادة والجنة، ومغفرة الذنوب جميعها، قيام الليل وغيرها من الطقوس المغالية في التعبد، إلى أن حانت لحظة الصفر، وانطلق الرجلان نحو الدارالبيضاء، ومنها إلى تركيا ثم الوصول إلى أرض «الجهاد» الموعودة سوريا. ثلاثي المال والزواج والمكانة بالموازاة مع خطة التجنيد، ستظهر شبكة تؤدي مبالغ مالية لمن اقتنع بالالتحاق بسوريا، مبالغ كبيرة يتم صرفها عبر ثلاث مراحل، حيث يتم إعطاء جزء من المبلغ في المرحلة الأولى فور التيقن من عزم الشابين على الالتحاق بسوريا. ومباشرة بعد السفر، تمكنت عائلة أو أقارب الهدفين من الجزء الثاني من المبلغ، وفور وصول بلدي والموساوي إلى أراضي سوريا صرف لهم الجزء الثالث من المبلغ ريثما يتمكنون من رواتبهم كمقاتلين، عملية صرف المبلغ تعتبر عندهم بمثابة عقد مبرم بين الطرفين يسمونه «العهد». المال ركيزة أساسية في التجنيد. فحسب الفاعل الجمعوي والحقوقي حسن الحداد، فإن بعض الجهاديين تم استقطابهم عن طريق تأدية الدين الذي عليهم أو على أفراد أسرته، أو على أحد أفراد أسرته المعتقل بالسجن، بينما كان الزواج مدخلا آخر للتجنيد فقد كانت هدية الجماعة تزويج بعضهم. التجنيد يمكن أن يأخذ وضعيات أخرى مثل حالة أحمد الشعرة الذي صار أميرا في اللاذقية، الذي تم استقطابه عن طريق إغرائه بقيادة السوق العشوائي ببني مكادة، وإحاطة مجموعة من المتطرفين به الذين أغروه بقيادة السوق ودرسوا حالته، ثم عملوا على استغلال عمله كبائع طيور، حيث مكنوه من احتكار هذا السوق، ومكنوا الكثير من المجرمين السابقين من أماكن قريبة منه حتى يتسنى له تجنيدهم، ثم تحول إلى المصور الرسمي للسلفيين في المناسبات العامة والخاصة، وإبان حركة عشرين فبراير، سيبرز نجم أحمد الشعرة ليصبح هو المخاطب الرسمي في صفوف السلفيين. الإنترنت العنكبوت الحقيقي منذ شهور، قام شاب مغربي فرنسي اسمه أيوب، يبلغ من العمر 20عاما، يعيش في باريس بإجراء تجربة عبر الفيسبوك اكتشف من خلالها أنه يمكنه حقا الوصول إلى الاتصال مع الجهاديين، الذين يقومون بالتجنيد على الشبكات الاجتماعية، يحكي أيوب في حوار أجرته معه مجلة «لوبسيرفاتور»، قائلا «قررت خلق صفحة على الفيسبوك لإثبات أن المجندين في سوريا ينجذبون إلى نوع معين من الناس، وفي البداية كان لدي هدف واحد فقط: أن أكون ذا مصداقية بما فيه الكفاية، ليتأتى لي الاتصال مع المنظمات الموالية للجهاد أو الجهاديين. في اليوم الثاني، اقترح علي أصدقاء جدد أن أضيفهم إلى قائمة الأصدقاء، كان أحدهم يرتدي زيا عسكريا، يحمل بندقية، أو علم الدولة الإسلامية. وفي غضون يومين، تحولت صفحتي على الفيسبوك إلى شبكة اجتماعية موالية للجهاديين، والكثير ممن ضممتهم تساءلوا إذا كنت قادرا على إرسال جنود للالتحاق بسوريا. استغرق الأمر شهرين فقط للحصول على اتصال مع الجهاديين وتنظيم رحلة، وطلب مني تنفيذ هجوم في فرنسا..» أيوب الشاب المغربي الذي اهتمت به وسائل الإعلام الفرنسي قدم شهادته في النهاية على الشكل التالي، «قضيت يومين فقط في الفيسبوك مع حساب وهمي، فتكون لدي انطباع بأن علامات بلدي تتلاشى، كما لو الفيسبوك قد نقلني إلى منطقة أخرى من العالم، بفضل رؤية القتلى، وجثث مقطوعة الرأس ووجوه الجهاديين». وهذا المقطع من محادثة جمعت أيوب بأحد المجندين: «الجهاد هو أفضل عمل يمكننا القيام به من أجل الله.. ومن الصعب معرفة الحقيقة ما لم نذهب إلى هناك..» استفادة قوية من أساليب الاتصال الحديثة من الواضح أن دعاية الجماعات الإسلامية المتطرفة منظمة جدا ومكثفة، فحسب الأبحاث التي أجراها المركز الألماني للشؤون الدولية والأمنية، فإن كل مؤسسة لديها فرع خاص بالإعلام الجهادي، وتنظيم الدولة الإسلامية لديه عدة قنوات للتجنيد. الصحافي ديفيد طومسون، وهو صحافي متخصص في البحث في الجهاديين الفرنسيين»، يعتبر أن جميع المنتجات الإعلامية للدولة الإسلامية تعمل على استثمار رموز وتقنيات السينما الغربية في الإنجاز والسرد». الباحث عاصم الدفراوي، أستاذ العلوم السياسية، والمتخصص في الجماعات الجهادية، سجل عددا من الملاحظات يقول،» هؤلاء الجهاديون كانوا يرفضون تماما الصورة. الآن، أصبحت الصورة سلاحهم الرئيسي، الأمر الذي يضعهم في تناقض تام مع العقيدة الخاصة بهم.. ولابد من القول إن الكثير من الشباب الذين انضموا إلى الجماعات الإرهابية في العراقوسوريا كانوا ضحايا هذه الصور أو مقاطع الفيديو على شبكة الإنترنت». على الإنترنت بنقرة واحدة يمكنك الدخول إلى صفحات جهادية، لتلاحظ الكم الكبير من الصور والفيديوهات التي تستعمل في الدعاية للجهاد، جثث أطفال ونساء اخترقها الرصاص بوحشية، إضافة إلى عرض صور المقابر الجماعية و»نحو 800 مسجد دمر من قبل نظام بشار ، كل هذه المرسلات البصرية تدعو إلى الجهاد ضد «الكفار العلويين الذين ارتكبوا جرائم ضد الأمة مثلهم مثل اليهود والنصارى الكفار،» وانتشارها على بعض المواقع الإسلامية يحفز غضب مستخدمي الإنترنت أكثر من أي وقت مضى، ما جعل أكثر من عشرة مراكز للبحث والدراسة في أوروبا يعتبر الإنترنت أفضل وسيلة لتجنيد الجهاديين وإرسالهم إلى سوريا. لدى «داعش» الكثير من الحيل الأخرى في وسائل التواصل الاجتماعي، حسب شركة الأمن الإلكتروني «زيروفوكس» في تقرير خاص، قالت المجموعة إن داعش «قامت ببناء حملة دعائية مركبة وناجعة، عن طريق استعمال العديد من شبكات الاتصال الاجتماعي، بما فيها الفيسبوك، تويتر، يوتيوب وواتس اب.. « وخلال رصد أجراه المعهد التنفيذي لمعهد الشرق الأوسط للأبحاث العلمية المتخصص بمراقبة المواقع على شبكة الإنترنت، أثبت المعهد لجوء جماعات متطرفة لاستخدام حسابات «سكايب» لإجراء مقابلات مع مجندين محتملين، أو مع خبراء لتبادل المشورة بشأن التكتيكات العسكرية، وذلك بعد أن كان استخدام تلك الجماعات للإنترنت مقتصراً على توثيق تسجيلات لتدريباتها أو مقاطع مزعومة لانتصاراتها.