لم تستطع مراكز القرار الأمني و العسكري الأوروبي إخفاء حجم مفاجأتها أمام التدخل العسكري الروسي في الأزمة السورية…فمعظم المتتبعين لتداعيات هذه الأزمة كانوا يعتقدون ان التصريحات والمبادرات الروسية التي سبقت هذا التدخل سواء على مستوى اللقاءات الثنائية في موسكو او الخطة التي اقترحها فلاديمر بوتين خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة كانت تدخل قفط في خانة المناورات السياسية و الدخان الإعلامي لروسيا …و إذا بالقصف الجوي و البحري الكثيف الذي قام به الجيش الروسي على الأراضي السورية يحدث أهم منعطف عسكري تعرفه الأزمة السورية منذ اندلاعها … فور الإعلان عن هذا القصف سارعت الولاياتالمتحدة و الدول الأوروبية الى التنديد بهذه الخطوة معتبرة انها ستعقد أكثر دواليب الحل السياسي الذي يهيأ له لإخراج سوريا من دوامة العنف و للتخفيف من الخطر الإرهابي الذي أصبحت هذه الأزمة تنتجه اتجاه المنطقة و العالم …كما نددت هذه الدول و على رأسها فرنسا بان روسيا لا تستهدف أساسا معاقل داعش في سوريا بل تستهدف القوى المعارضة لبشار الأسد التي تدعمها دول غربية و عربية و ترى فيها نواة البديل السياسي لنظام بشار الأسد … وأمام هذا السيل من الاتهامات للأجندة الروسية …حاولت موسكو الدفاع عن مقاربتها بالقول ان الغرب يشوه صورة سياستها عمدا قصد التقليل من أهمية هذه الخطوة الروسية لمحاربة الإرهاب …بينما يرى البعض ان التدخل العسكري الروسي أعاد خلط الأوراق في الأزمة السورية و أرغم اللاعبين الأساسيين فيها الى إعادة النظر في حساباتهم و خياراتهم ….و مع تدخل موسكو عسكريا في المسرح السوري تولد لدى المراقبين انطباع قوي بان هناك تنافس بين تحالفين أساسيين..الأول بقيادة موسكو يضم إيران و العراق و سوريالبنان عبر حزب الله و الثاني بقيادة الولاياتالمتحدة يضم فرنسا و دول الخليج و تركيا …الاول يرمي الى القضاء على داعش و المجموعات الإرهابية التي تهدد بالاستيلاء على الحكم في دمشق و الثاني يهدف الى تمكين المعارضة السورية من الوصل إلى الحكم و إرغام بشار الأسد على التنحي على الحكم.. التوتر السياسي و الأمني الحالي في السماء السورية خصوصا بين روسيا و تركيا…بينموسكو و الحلف الأطلسي.. مصدره تضارب الأجندات لهذين التحالفين لدرجة دفعت بالبعض إلى الاعتقاد ان ظروف مواجهة شاملة و انفجار إقليمي بدأت تلوح في الأفق … و في انتظار تخفيض درجة الحرارة الأمنية و مع اختلاف سلم الأولويات تختلف المقاربات الأمنية و السياسية هناك اقتناع قوي بان هذا التدخل العسكري الروسي قد ساهم بشكل كبير في دق ساعة الحقيقة في الحرب الدولية على الإرهاب حيث وضع الإرادة الدولية في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية على المحك و أخرجها من ظلمات الأجندات السياسية الإقليمية إلى نور المواجهة الدولية المفتوحة.