بعد 35 يوما من المفاوضات والترضيات والصراعات وإدارة «الطموحات» المشروعة وغير المشروعة، ولدت أمس بالقصر الملكي بالرباط «الحكومة رقم 17 منذ استقلال المغرب».. حكومة يقودها إسلامي لأول مرة في تاريخ المغرب... هذه الحكومة بتركيبتها التوافقية ولدت على يد أربعة فاعلين أساسيين: الأول هو ملك البلاد محمد السادس، الذي تحرك بسرعة لتطويق الربيع العربي منذ عشرة أشهر، فغير دستور والده، وتنازل عن بعض سلطاته، وأخرج صديقه الهمة من حقل الألغام، حيث كان يلعب لعبة خطيرة كادت أن تحرق الجميع، ثم توج كل هذا بتنظيم انتخابات أكثر نزاهة من سابقاتها، حملت الإسلاميين إلى السلطة، وها هو يستقبل بنكيران وإخوانه في القصر، بعد أن وضع لمساته على تركيبة الوزراء، بحيث تظل الخيوط الأساسية في يده. الآن عيون الجميع على أول اختبار للدستور الجديد وما إذا كانت قواعد اللعبة ستحترم من الجميع أم لا. اليد الثانية التي ساهمت في ولادة الحكومة الجديدة هي يد عبد الإله بنكيران، زعيم حزب العدالة والتنمية، الذي نجح في الحصول على وزارات مهمة انتزعت من يد التقنوقراط الموالين لحكومة الظل في القصر، مثل الخارجية ونصف وزارة الداخلية ووزارة العدل، فيما تنازل عن وزارات أخرى: الأوقاف بقيت في يد أحمد التوفيق رغم حصيلته الكارثية في هذه الوزارة، والأمانة العامة للحكومة «مطبخ القوانين» بقيت في عهدة الضحاك بعدما لم يجد رئيس الحكومة الجديد لها اسما آخر، ووزارة الدفاع التي بقيت محصنة ضد أي تغيير، ونصف وزارة الداخلية التي ذهبت إلى «الشرطي الأول» في المملكة، الشرقي الضريس. اليد الثالثة التي استقبلت المولود هي يد فؤاد عالي الهمة، الذي أدار مفاوضات معقدة وصعبة مع عبد الإله بنكيران وزعماء أحزاب الأغلبية، ورغم أن الهمة وعد بنكيران بإرجاع العداد بينهما إلى الصفر، وبدء صفحة جديدة في علاقتهما، فإن «عقدة الرميد» ثم «عقدة بوليف»، ثم «عقدة تقسيم وزارة الداخلية» كادت أن تحدث أزمة عميقة في مسار تشكيل الحكومة. وفي الأخير تنازل الطرفان. الهمة، باسم القصر، قبل الرميد عن مضض في وزارة العدل بعد أن جرب محاولات عدة لإبعاده عنها، وبنكيران رفع يده عن وزارة المالية، وقبل بإبقاء الداخلية مطبخا خاصا بالسلطة، ولو أن العنصر «ظاهريا» عيِّن كبير الطباخين في هذه القلعة المغلقة: وزارة الداخلية. الهمة رجع بقوة وبسرعة إلى العمل الذي يتقنه: كواليس صناعة القرارات الكبرى في الدولة، ومفاوضات الطبقة السياسية، وتليين الرؤوس «الصلبة»، والحفاظ على السلطة القوية للجالس على العرش... اليد الرابعة التي خرجت الحكومة الملتحية بفضلها، هي يد الربيع العربي، ممثلة في الذين ذهبوا إلى صناديق الاقتراع يوم 25 نونبر وأملهم في التغيير كبير، والذين خرجوا إلى الشارع في إطار حركة 20 فبراير وحلمهم في تغيير وجه البلاد عظيم، هما معا هيآ المناخ والمكان الذي ولدت فيه حكومة بنكيران، وهذه حقيقة لا يجب نسيانها من قبل بنكيران قبل غيره. إنه مفوض من الذين انتخبوه والذين لم ينتخبوه لتحقيق الحد الأدنى من مطالب التغيير. في الحكومة وجوه شابة وجديدة، وأكثرها أياد مازالت نظيفة. الآن كيف ستدور عجلة هذه الآلة؟ وماذا ستنتج من قرارات وسياسات وقوانين؟ وهل سيعتني بنكيران بهذا المولود لوحده، أم يترك الآخرين يشاركونه في العناية به، فيصدق على الحكومة المثل الذي يقول: «يدي ويد القابلة حتى يخرج المولود...».