رجال يهتفون مع الثورة مطالبين بإسقاط النظام ثم يعارضون إسقاط العادات والأعراف والتقاليد التى يقوم عليها هذا النظام؟! إنهم من طبقة «النخبة»، الذين يكتبون ويوجهون الرأى العام، لكن وعيهم قاصر عن إدراك تناقضهم الصارخ. إسقاط النظام ماذا يعنى لهم؟ إسقاط حسنى مبارك وأسرته وأعوانه؟ إسقاط الحكومة والبرلمان ومجلس الشورى؟. النخبة جزء من الطبقة الحاكمة فى كل العهود، يسبقون غيرهم فى ركوب الموجة الجديدة والقفز عليها. لم يفقد واحد منهم قطرة دم فى الثورة أو أصابه جرح أو خدش، لم تتكرمش بدلهم المكوية فى المظاهرات، وبعد الثورة إذا بهم فى كل منصب وكل حزب وكل جمعية ومجلة وجورنال وقناة إعلامية ومناصب الدولة والبرلمان والشورى، يجلسون فى كراسيهم الوثيرة الجديدة، يمطون بوزهم فى وجوه الشباب الثائرين الذين ماتوا، والمستميتين فى الثورة والمناداة بإسقاط النظام، يشخطون فيهم بأصوات غليظة: ثورة إيه يا عيال؟ دى فوضى؟ دى مظاهرات فئوية مش ثورية.. دى بلطجة؟ كانوا أكثر الشتامين لمبارك عند سقوطه، يحاولون بشتيمته فصل أنفسهم عنه، وطمس السنين التى كانوا فيها نخبته وكتابه وأدباءه وعلماءه، أغدق عليهم الهدايا والجوائز والمناصب، يبتسمون مع ابتسامة مبارك لو أطلق سراحه، ويكشرون عن أنيابهم لما يسمونهم المنافقين الأفاقين: إخوان، سلفيين، ليبراليين، شيوعيين علمانيين، ملحدين. هم وحدهم لم ينافقوا، وكانت مصلحة مصر الحبيبة فوق مصالحهم الشخصية، إنهم وحدهم يدافعون عن حقوق المرأة بشرط ألا يتعارض ذلك مع العادات والأعراف والتقاليد والقوانين والخصوصية الثقافية والدينية. يضحك الشباب والشابات ويقولون لهم: ولماذا شاركتم معنا فى الهتاف بسقوط النظام؟ ألا يتكون النظام من القوانين والتقاليد والأعراف والعادات والخصوصية الثقافية والدينية والقومية؟. سقوط النظام يعنى سقوط مكوناته القديمة وبناء دستور جديد وقوانين جديدة وقيم جديدة فى الدولة والعائلة، ألم تشاركوا فى الهتاف لمبادئ الثورة: حرية.. عدالة.. كرامة؟. هل مبادئ الثورة تسرى على الرجال فقط؟. ماذا يفزعكم لو تساوت المرأة مع زوجها فى الحقوق والواجبات؟. لماذا لا يحق لها حرية التنقل والسفر مثله؟ الزوج له حرية مطلقة فى السفر دون موافقة زوجته، وفى تطليقها دون موافقتها لإرضاء نزواته، والزواج من أربع نساء فى وقت واحد لمجرد الشهوة، وله حق الولاية على الأطفال، وبعد موته تصبح الولاية من حق أبيه أو أخيه (وإن كان جاهلا وعاطلا) وليس من حق زوجته الأم والدة الأطفال (وإن كانت أستاذة أو طبيبة أو وزيرة)؟. رغم الأغانى، حبيبتى يا أمى والجنة تحت أقدام الأمهات، لا تملك الأم المصرية حق الولاية على أطفالها بعد موت زوجها ولا حقوقا أخرى أساسية، ماذا يفزعهم فى تحقيق العدالة والمساواة فى الأسرة؟.. أليست الأسرة هى نواة المجتمع، لماذا يسمحون للرجل بهدم الأسرة إرضاء لشهوته؟ لماذا لا تتحقق المشاركة المتساوية فى تربية الأطفال، وواجبات وحقوق الأبوة والأمومة والعمل داخل البيت وخارجه؟. الفطرة الإنسانية تتسق مع العدالة والمساواة. التمييز الجنسى أو الدينى أو الطبقى نظام سياسى اقتصادى عبودى وليس نظام الفطرة أو الطبيعة أو الآلهة، قامت الثورة ضد الظلم والتفرقة على أساس الطبقة والجنس والدين. نادت الثورة بإسقاط النظام مما يعنى إسقاط القوانين والتقاليد والأعراف والقيم والموروثات التى شكلت النظام، وفرضت ظلم المرأة لمجرد أنها ولدت امرأة، وظلم الفقراء لمجرد أنهم ولدوا فقراء.