تحولت قضيتها إلى خبر عالمي. أمينة الفيلالي، الفتاة اليافعة التي لم تتجاوز 16 سنة من عمرها، وضعت حدا لحياتها لأن معاناتها مع مغتصبها، الذي تحول ب«اجتهاد قضائي» إلى زوجها، أصبحت لا تطاق... القصة بدأت عندما اعتدى عليها شاب يكبرها سنا في مدينة العرائش، فافتض بكارتها عنوة، ثم تحول بين عشية وضحاها إلى زوج لأن أسرتها خشيت الفضيحة، وفضلت «زواجا» قسريا للفتاة على أن توصف أمينة بأنها «مغتصَبة». ولأن أسرة المغتصِب وأسرة المغتصَبة كلاهما خاف من كلام الناس وأحكامهم ونظرتهم القاتلة إلى الفتاة المغتصبة، أقدمتا معا على «التواطؤ» لتزويج الشاب بالفتاة القاصر، وأقفلتا الملف. القضاء لم يمانع، وقام بتكييف الاغتصاب على أنه فساد بالرضا، ثم لما انتقلا إلى قاضي الأحوال الشخصية استعمل سلطته التقديرية، وقفز فوق شرط السن القانونية للزواج، أي 18 سنة وزوج أمينة ابنة ال16 ربيعا من مغتصب طفولتها. لما دخل الشاب والفتاة إلى بيت الزوجية، تحولت حياتهما إلى جحيم، لأن هذا الزواج لم يكن سوى حيلة «قانونية» للهروب من العقاب ومن الفضيحة. ولأن الشاب، انطلاقا من الثقافة الذكورية التي يحملها، أصبح يرى في أمينة عبئا عليه، فهو لم يفكر يوما في الزواج بها... لقد قضى وطره وكفى، أما أن تصبح الفتاة، حتى وإن كانت مغتصَبة، زوجته، فهذا ما لا تقبله «كرامته» و«رجولته»، وربما «فحولته». حول حياة أمينة إلى جحيم. ولأن أسرتها تخلت عنها، والمجتمع كان قاسيا معها، وزوجها تحول إلى سجانها، لم تجد أمامها سوى سم الفئران أداة فعالة لوضع حد لحياتها.. حياة أصبحت أكثر كلفة من تحمل الموت... إنه اليأس الذي يدفع بالإنسان إلى حافة الانتحار وما وراء الانتحار... نحن أمام قضية معقدة جدا، وليس من السهل إطلاق الأحكام الجاهزة والبسيطة عليها، كما تفعل جل الحركات النسائية عندنا. الحكم سهل، والفهم صعب، وتغيير عقليات وأنماط تفكير المجتمع أصعب. القانون يعاقب على الاغتصاب بعقوبات شديدة تتراوح بين 10 و15 سنة، ومدونة الأسرة تعرِّف الزواج بمعانيه الإنسانية والاجتماعية والدينية، والسن القانوني للزواج هو 18 سنة. الإكراه على الزواج محرم دينيا وقانونيا. فما الذي دفع أسرة الضحية وأسرة الجاني إلى التواطؤ من أجل إيجاد تسوية خارج القانون، استفاد منها الجاني لأنه لم يدخل السجن، واستفادت منها أسرة الضحية لأنها جنبتها الفضيحة، أما الحلقة الأضعف، أمينة، فهي التي دفعت الثمن مرتين. مرة عندما أُجبرت على الزواج من شاب لا تريده، بل ربما تكرهه لأنه اغتصبها، ومرة أخرى لأنها وضعت حدا لحياتها التي صارت رخيصة عند عائلتها وعند المجتمع، الذي يرى أن «العار» و«الفضيحة» أخطر من كل أنواع العذاب الأخرى. القانون والقضاء والأسرتان والمجتمع... كل هؤلاء في قفص الاتهام، وكل هؤلاء مسؤولون، بدرجة أو بأخرى، عن لجوء أمينة إلى سم الفئران لوضع حد لحياتها... أمامنا طريق طويل كمجتمع لتحرير جسد المرأة من عار الفضيحة، ومن تحميلها وزرا لا يد لها فيه. لا يمكن أن نستمر في معاقبة الضحية فقط لأنها الحلقة الأضعف في المجتمع، ولأنها لا تتوفر على أية حماية. هذا واجب الدولة أولا، والأسر ثانيا، وعلماء الدين ثالثا... للوقوف بصرامة لمنع الظلم والاعتداء على الفتيات، وخاصة الفقيرات منهن. ويحكم كيف تطلبون من المغتصبة أن تسكت صونا للعرض... هكذا صرخ الشاعر العراقي مظفر النواب قبل سنوات ومازالت صرخته لا تسمع في العرائش وغيرها من مدن المغرب والعالم العربي.