يعلم أصلك وفصلك ويقفو أثرك وسلالة أهلك،، وقدرك أن تنصاع إليه وإلى عيونه التي تترصدك، لأنك ستستعلمه وستطرق باب خدماته! قليلة هي الكائنات الافتراضية، التي هي أنتم قراء هذا الموقع، ومنكم أصحاب الحسابات الرقمية في شكل صفحة خاصة على فايسبوك أو حساب مفتوح على تويتر او بريد رقمي على الشيخ غوغل، الذين قد يكونوا تنبهوا إلى ذلك الإشعار الأصفر الذي يتدلى من أعلى صفحة محرك البحث العملاق هذا منذ شهرين ويزيد، يدعوك فيها إلى ضرورة الاضطلاع على سياسة الخصوصية الجديدة التي أقرّها، والتي ستشكل من الآن وقادما، العقدة التي تحكم علاقات غوغل مع مستخدمي حسابه الضخم والجامع لشتى انواع خدمات الانترنت بدءا من البريد الالكتروني GMAIL ووصولا إلى مدونات غوغل وغوغل للتبضع Shopping. هذا البريد القوي الذي اكتسح خدمة البريد، متجاوزا خدمات ياهو والعجوز كاراميل وهوتميل، والتي اختار لها شعارا معبرا عن فلسفته القائمة على قلب كل شيء حسب رؤيته الخاصة، وهو شعار "مقاربة غوغَلِية لخدمة البريد الالكتروني" A google approach to email، أو "خدمة البريد حسب غوغل" إذا ترجمنا الشعار من الفرنسية، وإن كان في كلا الترجمتين بعض الخيانة. ما يهمنا هو أن سادة "غوغل" قرروا منذ مطلع هذا العام تعديل "المقاربة الغوغلية للخصوصية"، لتصير من الآن فصاعدا تعطي هذا المحرك الضخم الحق في معرفة المزيد عنك، زيادة على الاسم والصورة ورقم الهاتف واللغة التي تستعمل ونوع المعجم الموظف فيها، ومحيط أصدقائك ومستواك المعيشي وحياتك المهنية والعلمية وتفاصيلك الشخصية، زيادة على هذا كله، تعطي سياسة الخصوصية الجديدة الحق لمحرك غوغل بجمع بيانات عن طراز حاسبك الشخصي، هل هو آبل أو ديل فوسترو أو سوني فايو، ومن أي طراز بالضبط 12، 450...، وشبكة الربط التي تستخدم، في حال المغرب هل "إنوي" أو اتصالات المغرب او "ميديتيل"؟، وعند استخدامك لهاتفك النقال فغوغل سيدخل إلى سجل أصدقائك، أي Contactes، وعلبة رسائلك وسيقرأ كيف تتفاعل ومع من تتراسل ومن يتصل بك أكثر ومن لا يتصل ومن لم يتصل أبدا. غوغل لن يتوقف هنا، فهو يريد أن يعلم عنك كل شيء درجة الجنون، إذ من الآن فصاعدا سيحق له ان يقفو أثرك ويحدد موقعك ومجلسك، كما يرد في إحدى فقرات سياسية الخصوصية الجديدة "يجوز لنا جمع إشارات GPS التي يتم إرسالها بواسطة جهاز جوال. كما يجوز لنا استخدام تقنيات عدة لتحديد الموقع، مثل بيانات المستشعر من جهازك والذي قد يحتوي مثلاً على معلومات حول نقاط دخول Wi-Fi القريبة والأبراج الخلوية." شركة غوغل طبعا تقول إن الغرض هو تحسين الخدمة وتطويرها بما يتلاءم مع الحاجات المتجددة للمستخدمين وكذلك لتدبير الطلب الإشهاري الذي تتلقاه، وبذلك تغض الطرف عن ما يعنيه ذلك في الجانب المقابل، هل من يستطيع النفاذ إلى تفاصيل حاسوبك أو هاتفك النقال ويعيث فيها كيف يشاء ويأخذ منها ما أراد ويترك ما أراد، من سيمنعه من الأخذ بالجملة والطمع في الصور الشخصية والفيديوهات المحلمة والمقالات والجداول وغيرها؟! قالت صحفية أمريكية كانت أعدت بورتريه السنة عن مارك زوكربورغ لمجلة التايم، إن هذا الرجل له حياة خاصة، وإنه غير اجتماعي، ولما أنشا فايسبوك كان يرغب في إدخال الناس إلى حياته الخاصة وأن ينظروا للعالم من خلال عينيه وليس العكس. لكن فايسبوك أدخل أيضا السي آي إي والف.بي.آي والمخابرات من كل الدول والملل والنحل إلى هذا العالم، فصار كل يغترف من سيل المعلومات المتدفقة على صفحات الأفراد في فايسبوك، الذين ربما بعفوية وسذاجة وميل نفسي طبيعي لمشاركة تجربة المعيش مع بقية العالم، يسكبون حياتهم في شكل تغريدات وصور وتعاليق ومواعيد مع الأصدقاء، تستغل كلها لأغراض استخباراتية وتوثيقية من أجهزة الاستخبارات. وقد أبت ديكتاتورية زوكربورغ إلا أن يكون للملايين التي تدين له بالولاء، ابتداء من آخر يوم في هذا الشهر "تايملاين"، أي سيرة حياتك على فايسبوك، منذ ولادة ذلك الكائن الافتراضي في داخلك، مرورا بلحظة الإدمان، ووصولا إلى ما هو عليه الحال الآن، رغم كل ما قرأته فوق لن تقلع ولا انت تستطيع ذلك. إن فايسبوك وغوغل حوّلا الانترنت إلى سيد (Master) جبار يعلم أصلك وفصلك ويقفو أثرك وسلالة أهلك، مختصرين ساعات من الجهد على المخبرين، ومحققين حلمهم بالانترنت "الجسوس" أو "المخبر"، في كل دار ومقهى ومجلس.