رفض عمر جابر أن يركض فوق جثث 22 شهيداً من مشجعي فريقه، نادي الزمالك، فاستحق اللعنة من ذوي النفوس الملوثة بالقبح والشر، ليطردوه من جنتهم الزائفة. لا يلعب عمر جابر سياسة، ولا يمارس استثماراً وضيعاً على الجماهير وفيهم، فقط مارس حقه في أن يكون إنسانا، فرفض أداء مباراة على ملعب 30 يونيو، بينما الموت يحصد أرواح جماهيره خارج البوابات، عبر مجزرةٍ لا يمكن بأية حال أن تكون نتيجة مصادفة، أو تدافع، أو أخطاء عفوية. أتخيل تلك اللحظة التي رأى فيها عمر جابر جمجمة شهيد من شهداء الألتراس تتدحرج على أرضية الملعب، فأبى أن يركلها بقدمه، معلناً انسحابه من المشاركة في مباراة بنكهة المقتلة، فيما رئيس النادي، والمعلنون، وتجار اللعبة، يسوقون أعضاء الفريقين، بهراوات الوطنية، المزيفة، إلى الملعب، لكي يؤدوا العرض المطلوب منهم. اللاعبون من نوعية عمر جابر، وفي مقدمتهم محمد أبو تريكة وأحمد عبد الظاهر، يثبتون أن مصر لم تنتحر أخلاقيا بعد، ويعيدون، بتصرفاتهم البسيطة النبيلة، إلى الرياضة عموماً، وكرة القدم على وجه الخصوص، وجهها الإنساني في هذا الزمن الصفيق..يدركون أن اللعبة لها طرفان أصيلان، هما اللاعب والجمهور، مهما توحش أوغاد الاستثمار وتجار السياسة في فرض هيمنتهم على اللعبة. في عام 2012، كان اللاعب الفذ، محمد أبو تريكة، يواجه اللحظة ذاتها التي تألق فيها عمر جابر كإنسان، ففي الحالتين، كان شهداء من الجمهور وسياسيون وتجار لا يهمهم الدم، بقدر ما يهمهم اللعب دليلاً على هيبة الدولة واستقرارها. في الحادي عشر من سبتمبر 2012، سجلت لحظة سطوع إنسانية محمد أبو تريكة « كان المشهد شديد التناقض وموغلا في المفارقة في ستاد برج العرب: مسؤولون يحتفلون بعودة هيبة دولتهم لكنهم مطأطئو الرؤوس، ينظرون في الأرض، أعينهم تهرب من العدسات ومشاهدي التليفزيون، كأنها حمر مستنفرة، بينما قساورة الألتراس يزأرون خارج الأسوار بالحق والخير والجمال. وكما فعلوا مع محمد أبو تريكة، فعلوها مع عمر جابر، فامتد حبل الثرثرة والتفاهات في استوديوهات الكذب، حيث انهال المنتفخون جهلاً وبلادةً تجريحا في اللاعب الخلوق، بين معاير له بفقره وتواضع مستواه الاجتماعي، قبل أن يصبح نجم نجوم الكرة العربية والأفريقية، وبين ناقم على اتساقه مع ذاته، وصلابته الأخلاقية في مواجهة عواصف التدليس والسفسطة.