تحول حفل تأبين عبد السلام ياسين إلى منبر سياسي تنافس مجموعة من المتدخلين خلاله في بعث رسائل إلى من يهمهم الأمر طغت رائحة السياسة على ما عداها من الخطابات خلال الحفل التأبيني، الذي نظمته جماعة العدل والإحسان، بمنزل الشيخ عبدالسلام ياسين بحي السويسي بالرباط. وقد تميز الحفل بإلقاء كلمات قوية في حق الراحل، الذي اعتبره القيادي في حزب الاستقلال محمد الخليفة «ملك العلماء ومفخرة المغرب». وألقى محمد المرواني، الأمين العام لحزب الأمة، كلمة مؤثرة أبكت حشود كبيرة من المتعاطفين مع الجماعة عندما أجهش بالبكاء وهو يسرد خصال الشيخ، قائلا :»إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا لفراقك أيها الشيخ الجليل لمحزونون ولا نقول إلا ما يرضي ربنا»، مضيفا أن «الشيخ كان ضد الفساد والاستبداد ووقف سدا منيعا أمام كل المغريات والقمع والحصار عندما كان آخرون يساومون الطغاة». وتابع المرواني أن :»الشيخ لم ينحن أمام الفساد والاستبداد كما فعل البعض»، مؤكدا أن «العملة الرائجة اليوم في هذا البلد هم المطبعون مع الاستبداد والفساد، وفي أحسن الأحوال هم المتعايشون مع هذا الفساد»، واصفا الراحل ب»المجاهد الكبير بسبب مواقفه الرافضة للطاغوت»، قائلا على لسان الرسول إن :»أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر». واعتبر المعتقل الإسلامي السابق أن «أكبر الخاسرين في هذا البلد بفقدان هذا العالم الكبير هم المقاومون للفساد، في زمن تضعف فيه النخب وتبحث فيه عن الحلول الوسطى مع الاستبداد». مرددا قبل أن يجهش بالبكاء «ودّعنا اليوم واحدا من كبار هذه الأمة ورجالها العمالقة، ممن كانت لهم كلمة في هذا البلد الحبيب، رغم كل المكائد والمؤامرات والحصار والسجن «. واستطرد المرواني أن أحوال العلماء مع من سماهم «الطواغيت ثلاثة: إما أن يطلبهم الطغاة أو يطلبون الطغاة أو لا يرونهم و لا يراهم العلماء. وعبدالسلام ياسين من الصنف ممن لا يراهم ولا يرونه. في وقت مع الأسف الشديد، تخلى فيه العلماء عن دورهم الجهادي والنضالي وفي قيادة الأمة لإسقاط الاستبداد». كلمة محمد الحبابي، القيادي اليساري وأحد مؤسسي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، لم تخل من السياسة، عندما أكد أن عبدالسلام ياسين «كان يثق في نفسه وفي التاريخ ويعتبر أن المستقبل في العالم هو للمسلمين»، مشيرا إلى أن «الفقيد كان يردد دئما بأنه سيموت، ولكن أفكاره لن تموت». وفاجأ الحبابي الحاضرين حينما طالب من «كل أغنياء المغرب وعلى رأسهم الملك محمد السادس الاقتداء بالثري الأمريكي بيل غيتس، الذي تبرع بنصف ثروته». وأكد الحبابي في السياق ذاته، أن «القرآن الذي هو كلام الله ينص على التضامن مع المجتمع، ولو تم تطبيق ذلك، لما كان في المغرب فقير واحد، ولوجدنا الحل للأزمة الاقتصادية العالمية»، مسترسلا أن «عبدالسلام ياسين توفي في بداية هذا القرن، وأنا أعتقد أن هذا القرن هو قرن الإسلام والمسلمين في كل بقاع العالم». وكانت الكلمة التأبينية للقيادي في حزب الاستقلال محمد الخليفة قوية جدا، حيث وصف عبدالسلام ياسين ب»ملك العلماء»، وقارنه مع أقطاب الفكر الفقهي الإسلامي، خاصة الإمام مالك وأحمد بن حنبل وابن تيمية، مؤكدا أن «الشيخ المناضل ترك جماعة من المؤمنين الأوفياء الأوصياء على ما تركه»، قبل أن يضيف أن «ما تركه مفخرة لكل المغاربة». وتنبأ الخليفة بمستقبل عالمي لجماعة العدل والاحسان، قائلا إن «أفكار الشيخ ستشهد إشعاعا كبيرا على الإنسانية جمعاء، لأنه لا يمكن تصور مقدار الزخم الفكري الذي أعطاه المرحوم المجاهد سيدي عبدالسلام ياسين في السنوات القليلة الأخيرة، ويدل على هذا ما وقع مؤخرا في تركيا من تداول فكر المرشد كمرجع مهم نعتبره مفخرة ونباهي به الأمم». وزاد الخليفة قائلا»لا يمكن اختزال عظمة هذا الرجل في كلمات معدودات لا سيما إن كان الأمر يتعدى أربعة عقود من النضال والتفكير من أجل تبليغ رسالاته وأداء الأمانات»، مضيفا «إنا نشهد أنه بلّغ الرسالة وأدى الأمانة». وختم كلمته بالدعاء للشيخ بالجنة، مؤكدا على أنه «تحلى بصفة يحبها الله وهي الصبر، وكان يتقمصها وكان ذلك سر نجاحه في كل المعارك التي خاضها وكل ما أعطى لهذا البلد، وما بثه في صدور الرجال وما رسمه من معالم واضحة قد لا يزيغ عنها إلا هالك». وقد تلا عبدالله الشيباني، زوج نجلة الفقيد وعضو الأمانة العامة للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان، كلمة أسرة الشيخ الراحل، قائلا :»كلفت من طرف الأسرة الطاهرة: زوجة وبناتا وأبناء وأحفادا لأعبر لكم عن بالغ الشكر والثناء في مواساتنا في فقدان العزيز الأعز أبي وسيدي عبدالسلام ياسين»، مضيفا أن «حزننا كبير لفراقه وفراق أبوته الشاملة وحبه وعطفه وأجواء رسول الله، ولكن عزاؤنا هو التضامن الكبير للجميع في هذا المصاب الجلل».