من هم؟ ماذا يريدون؟ كيف يشتغلون؟ أغلبهم ينتمي سابقا إلى حزب العدالة والتنمية، وصلاة التراويح الجماعية في الساحة العمومية كانت النقطة التي أفاضت كأس خلافهم مع حركة 20 فبراير في بني ملال، وأدت إلى انسحابهم. سيارات مكسرة زجاجها، حرائق في وكالات بنكية، إصابات في صفوف المواطنين ورجال الأمن.. عدسات الكاميرا نقلت مشاهد لسيارات الأمن وهي تتقدم خطوات لاعتقال بعض المتظاهرين من الشباب.. بدأ كل شيء حينما حاولت عناصر الأمن تفريق المجتمعين في حلقية جرت العادة أن يعقدونها باسم "تيار فاتح رمضان" أسبوعيا في ساحة المسيرة، قبل أن يطال التدخل في مرحلة متقدمة المسح الأمني الباعة المتجولين، فإذا ببقع الزيت تنتشر إلى باقي الأحياء والشوارع، بما في ذلك شارع محمد الخامس، الجيش الملكي، العامرية.. وهكذا شكلت أحداث بني ملال يوم 12 فبراير 2012، مادة دسمة لمختلف وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والإلكترونية، وقد طفا على السطح اسم "تيار فاتح رمضان" الذي اتهم أعضاؤه بالوقوف وراء الأحداث، وقد وصف هذا التيار بالسلفي كما حاول البعض ربط ظهوره والأحداث بكشف "إحدى خلايا حزب التحرير" مؤخرا، لتزامن الإعلان عن اعتقال ثلاثة من نشطائه في المغرب مع أحداث بني ملال. وهكذا قرأنا عناوين من قبيل:"السلفيون يشعلون نار المواجهات في بني ملال" في إشارة إلى تيار فاتح رمضان المنشق عن حركة 20 فبراير في رمضان المنصرم. " فبراير.كوم" تحاول الإجابة في هذه الورقة عن العديد من الأسئلة العالقة: من يكون "تيار فاتح رمضان"؟ من يمثله ومن يقوده؟ كيف ظهر؟ كيف يشتغلون؟ وما هي أهدافهم؟ لم يستخدم "التيار" هذا الاسم بشكل رسمي إلا مرة واحدة أثناء إعلان الانسحاب من حركة 20 فبراير بني ملال، والعبارات لمصدر من مدينة بني ملال يعرف أعضاء التيار عن قرب. بحيث، ظل التيار، حسب نفس المصدر، يستخدم اسم حركة 20 فبراير في جميع النداءات والبيانات التي صدرت من طرف المجموعة التي تمثله، ولم يكن متداولا أو معروفا في صفوف نشطاء حركة 20 فبراير والمتابعين، على اعتبار أن المجموعة المذكورة ارتأت أن تحتفظ باسم الحركة الأم التي انسحبت منها أو انشقت عنها كما ؟؟يصف البعض، إلا أن الأحداث الأخيرة وعمليات ربطها بسياق معين دفع إلى التركيز على الاسم وتداوله بشكل كبير. كيف ومتى برز "تيار فاتح رمضان"؟ كما تدل على ذلك تسميته فقد ظهر تيار فاتح رمضان بعد فاتح رمضان الماضي، وقد اتخذ لنفسه هذا الاسم بعد التدخل الأمني، الذي تعرض له مجموعة من نشطاء حركة 20 فبراير- بني ملال بساحة المسيرة أثناء محاولتهم أداء صلاة التراويح بالساحة المذكورة في اليوم الأول من رمضان. وتبعا لتسلسل الأحداث، فقد قرر مجموعة من نشطاء حركة 20 فبراير- بني ملال الانسحاب من الحركة المدعومة من طرف التنسيقية المحلية المشكلة من أحزاب وجمعيات بالمدينة، حيث كان الاختلاف على أداء صلاة التراويح في ساحة عمومية النقطة التي أفاضت الكأس.. إذ لم يخف المنسحبون تذمرهم من التنسيقية الداعمة ومن مكوناتها، وهكذا وجهوا إليها انتقادات شديدة في الجموعات العامة وخلال نقاشاتهم الداخلية، مركزين بالأساس على ما وصفوه بقصور الدعم الذي تقدمه التنسيقية والهيآت المكونة لها.. تدحرجت الخلافات ككرة الثلج، وكان يكفي أن يحل رمضان، وأن تتخذ المجموعة قرار أداء صلاة التراويح التي كللت بتدخل أمني، كي تظهر بوادر الإنسحاب أو الإنشقاق. فحسب مصادرنا، رفض الجمع العام للحركة تبني القرار(صلاة التروايح في الساحة العمومية) ومن ثم الدفاع عنه، الشيء الذي عجل بقرار المجموعة القاضي بالإنسحاب من الحركة التي "تسيطر عليها التنسيقية الداعمة" على حد وصف المجموعة في رمضان المنصرم.. هنا بالضبط، وفي هذه المرحلة التي كانت صلاة التراويح الخط الفاصل بين الحركة في بني ملال والتيار، ستتوالى الخطوات التي تبعد بين الحركة الأم وتيار فاتح رمضان: دعى تيار فاتح رمضان، بالاعتماد على هذه التسمية، إلى مسيرة شعبية يوم الأحد باسم حركة 20 فبراير- تيار فاتح رمضان وكانت هذه هي المرة الوحيدة التي يعرفون عن أنفسهم بهذا الاسم، قبل أن يختاروا التوقيع بأسماء أخرى: مستقلو حركة 20 فبراير بني ملال، حركة 20 فبراير المستقلة (عن التنسيقية)، وحركة 20 فبراير بني ملال. هل نحن أمام سلفيين متطرفين؟ إن القاسم المشترك بين شباب هذا التيار هو ميلهم إلى الإلتزام الديني، تؤكد مصادرنا. ولا غرابة، تضيف نفس المصادر، فعبد الجليل الساجي وعصام أسني مثلا هما عضوين سابقين في حزب العدالة والتنمية، كما هو الشأن بالنسبة لعبد الله مذكير الذي يعد أحد أشد المتعاطفين مع هذا الحزب، وقد انضموا لحركة 20 فبراير في اليوم الأول لميلادها، هذا في الوقت الذي عاشت فيه أغلبية الأحزاب، بما في ذلك حزب العدالة والتنمية فترة ارتباك، فلم تعلن عن موقف واضح من الانضمام والمشاركة في احتجاجاتها. وأخيرا، وبعد طول تردد، قرر المنتمون إلى حزب العدالة والتنمية أو المتعاطفون مع الحزب الذي أسسه الراحل عبد الكريم الخطيب، الانخراط في صفوف حركة 20 فبراير، فيما ظلت تربطهم بالحزب علاقة ملتبسة، وهذا ما جعل أبرز الناشطين في حركة 20 فبراير من المحسوبين على حساسيات يسارية أو المستقلين منهم، يتعاملون معهم (الوجوه الإسلامية أو المحسوبة على حزب العدالة والتنمية)مع ما يكفي من الحيطة والحذر. مع مرور الأيام، سيتحول الحذر إلى بروز ملامح تيار التحقت به وجوه محسوبة على، أو متعاطفة مع، حزب الأمة ذي المرجعية الإسلامية، وهو الحزب الذي اعتقل زعيمه على خلفية قضية بليرج قبل أن يطلق سراحه، بالإضافة إلى استقطابهم لشباب ليس لهم أي انتماء سياسي أو اصطفاف إيديولوجي. فحمزة المتقي المعتقل حاليا والذي يعتبر أحد أبرز الناشطين في هذا "التيار"، لم ينتم إلى أي حزب سياسي، شأنه في ذلك شأن مجموعة من الأسماء التي ارتأت مصادرنا عدم ذكرها، مكتفية بذكر من اعتقل منهم لأسباب أمنية، فيما لم يسجل أي وجود للتيار السلفي المتدثر بمجموعة من الأفكار المتطرفة، قبل فاتح رمضان المنصرم، لكن من المؤكد أن هذا التيار يختلف مع العدالة والتنمية ومع حركات الإسلام السياسي، بما في ذلك حزب الأمة. ماذا يريدون وكيف يشتغلون؟ بعد ضعف الاستجابة لدعوتهم للمشاركة في المسيرة الأولى التي دعوا لها، قرر شباب "تيار فاتح رمضان" أن يغيروا أسلوب الاشتغال الذي اعتادوه في حركة 20 فبرايرالأم، فعمدوا إلى تنظيم حلقيات أسبوعية بساحة المسيرة مستعملين مكبرا للصوت ووسائل لعرض الأشرطة وليتميزوا عن الحركة التي انسحبوا منها اتخذوا خلفية بلاستيكية وراء المنصة تحمل اسم منبر حركة 20 فبراير.. اكتفوا في خطابهم بتعبئة سكان المدينة لمقاطعة الاستفتاء على الدستور والانتخابات، كما ركزوا في خطابهم على محاربة الفساد والمفسدين، أما مطالبهم فلم تختلف عن مطالب الحركة الأم، وإن أضافوا إليها بعض المطالب المحلية التي تهم ساكنة المدينة، لكن، ما هي علاقتهم بحركة 20 فبراير؟ عرفت علاقتهم بحركة 20 فبراير منذ انسحابهم فترات من الثوتر وتبادل الاتهامات حول الاستقلالية، خصوصا تلك المناوشات الكلامية بينهم وبين بعض من مكونات التنسيقية الداعمة للحركة، كما عرفت مرحلة من النزاع حول الشرعية حول من يمثل حركة 20 فبراير بالمدينة.. لكن، ستعرف هذه العلاقة المتوترة تغييرا جذريا، الشيء الذي ترجمه تبادل بعض الإشارات بين نشطاء الطرفين على مجموعة الحركة بالفايسبوك، بما في ذلك تعبير بعض من نشطاء المجموعة المنسحبة عن استعدادهم للعودة ومطالبة المنسحبين التنسيقية الداعمة بتوفير الدعم السياسي والمادي للحركة، كما تبادل الطرفان الإشارات بدعمهما معا لاحتجاجات الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين ببني ملال، والتي تعتبر أهم مكونات الحركة والتنسيقية، ليصل الأمر إلى حد التضامن الميداني، حيث سجل نشطاء الحركة الأم في عدة محطات تضامنهم مع أعضاء التيار المذكور خصوصا أثناء التدخلات الأمنية التي تعرضوا خلالها للتعنيف المادي واللفظي، وهو التضامن الذي سيظهر جليا من خلال البيان الذي أصدرته حركة 20 فبراير في بني ملال، عقب أحداث 12 فبراير، حيث حملت فيه مسؤولية ما جرى وتطور الأحداث للسلطات، كما طالبت بإطلاق سراح المعتقلين. وفيما كادت تفتح صفحة جديدة بين حركة 20 فبراير فرع بني ملال والمنسحبين منها، اندلعت أحداث 12 فبراير السوداء لتفتح صفحة الاعتقالات والإصابات في صفوف تيار، يؤكد ناشطوا الحركة أن قناعاتهم الدينية ليست متطرفة، وأن الخلاف بينهم لم يتجاوز الصلاة الجماعية في الساحة العمومية في رمضان المنصرم، وأن أغلبهم ينتمي إلى حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة الحالية، أما الحكومة التي يرأسها زعيم حزب المصباح فله رأي آخر ليس أقله أن ثمة جهات تلعب بالنار وأن الفتنة أشد من القتل.