في مهرجان مراكش، تتناغم المتناقضات والمفارقات بأناقة و جمالية وسحر، وتمر لامبالية كل يوم بمحاذاة و فوق وما وراء البساط الأحمر ، دون أن تثير أي حرج أو خلل أو علامة استفهام .. في مهرجان المدينة الحمراء فقط ، يمكن للبعض أن يحمل سجادة الصلاة ظهرا ، وأن يستمتع بفيلم رائع عصرا، وأن يستعرض مفاتنه على السجادة الحمراء مساءا ، ويختم سهرته بنبيذ أحمر مجاني وبلوحة ساحرة لراقصة شرقية تحت الأضواء الحمراء الخافتة ، في انسجام تام مع قناعاته التعددية ذات البصمة المغربية المتميزة..
في مراكش فقط ، يمكن لخطواتك أن تلامس أثر حداء «أميتا بتشان«، وأن تمر قبله أوخلفه بثواني على البساط الأحمر دون أن تلتقيه أبدا .. ويمكن أن تحس عطر « مونيكا بيلوتشي « وترتعش لطيفها العابر وتلتقي نظراتكما دون أن تراك ..ويمكن أن تشاهد «يسرا» في كل الدورات بفروها الرمادي حتى يخال لك بأنك تعيش فلاش باك .. ويمكنك أن تنتظر ساعتين لتحظى بطرح سؤال واحد على» شروخان « ، فتحظى «بطرح ساخن» من الاهانات .. ويمكنك أن تكون واثقا بأنك نجم الصف الأول في وطنك، فتكتشف في مراكش بأنك مجرد كومبارس وتحفة ديكورمغربي يكمل جمالية المشهد الاحتفالي ..
في مراكش فقط ، يختار المنظمون نجمة من السينما الفرنسية لتكريم السينما الهندية، وكأن باريس من تكرمها ؛ بينما تمتلئ قاعة قصر المؤتمرات بنجمات مغربيات فاتنات ومثقفات وأنيقات جدا و تربطهن بالسينما الهندية أحلام وذكريات و قصة عشق ..
في مهرجان مراكش فقط يأتي المنظمون بمنشط فرنسي بالعملة الصعبة والبلد تزخر بعشرات المنشطين المتميزين بكل اللغات ، وبمخرج تلفزي فرنسي وأبناء القطب العمومي مجمدون ..في مراكش فقط ، ينظم المغرب مهرجانا دوليا بفريق فرنسي لا يتغير، ولا يجدد ولا يبدع ، يتوارث السجل التجاري للمهرجان ، ويكرر نفس الأسماء والأخطاء والأصدقاء ،ويمرر الصفقات لأبناء وطنه.. ونعجز على مدى اثنى عشر سنة من تاريخ المهرجان وخمسين سنة من عمر السينما الوطنية، في تكوين فريق فني مغربي قادر على التنظيم والإبداع وإنجاح تظاهرة سينمائية دولية بهوية مغربية..
في مراكش فقط يمكنك أن ترتدي أرقى الفساتين والقفاطين ، وأن تحتار بين الألوان والتصاميم ، وخزانة ملابسك خالية بالية ..ويمكن لفنان ركب الحافلة طيلة حياته ،فيجد نفسه يصل قصر المؤتمرات بسيارة فارهة وسائق أنيق ..ويمكن لفنان أفنى عمره في السينما لا يستدعيه أحد ، وفنانون لا يمتلكون في رصيدهم مشهدا سينمائيا واحدا ضيوفا فوق العادة لكل دورات وحفلات المهرجان ..
في مراكش فقط ،يعيش الفنان المغربي سعادة عابرة وهو محلق على بساط الحب المراكشي ،ويمر على البساط الأحمر أنيقا فخورا ومشرقا بالأمل وهتافات المعجبين ، يبتسم لفلاشات الصور في لحظات نشوة تمر سريعة جدا ، أسرع من ومضة ضوء ومن مسافة حلم ، وفي الوقت الذي يعود نجوم بوليود وهوليود وباريس لاستوديوهات التصوير، يعود هو للواقع الفني الرتيب وللمشي المرهق على بساط الوحل ، وفي قرارة نفسه يردد أبيات الراحل نزار القباني ..
يبني لي قصرا من وهم لا أسكن فيه إلا لحظات وأعود..أعود لطاولتي لا شيء معي ..إلا كلمات أقصد إلا صور...