إن التنصيص على المحكمة الدستورية وطبيعة الاختصاصات المنصوص عليها في دستور 2011 تعتبر خطوة جد متميزة، تعطي للمؤسسات الدستورية وحتى للمواطن الحق في مراقبة مدى احترام الدستور من طرف الجهاز التشريعي، مما يجعل الاهتمام بها وإعطائها القيمة الدستورية من خلال حسن اختيار قضاتها وهي مسؤولية ليست اتجاه الدستور وحده، ولكن اتجاه تجربتنا الديمقراطية. فالدستور اتجه نحو التأكيد على مبدأ دستورية القوانين ابتداء من الفصل السادس الذي اعتبرها ملزمة لاحترام تراتبية القواعد تحت رقابة المحكمة الدستورية وهذه الإلزامية المنصوص عليها في الفصل السادس من الدستور تساير منطقيا الفصل 37 الذي يعتبر أن احترام الدستور مسؤولية الجميع، وإضافة لهذه المهمة يمنح الدستور للمحكمة الدستورية مهام أخرى، فلها القدرة على توقيف تنفيذ القوانين قبل الأمر بتنفيذها من طرف جلالة الملك، وذلك بسبب إحالة القانون عليها بطلب أو بشكل إلزامي أو في حالة إصدار قرار نهائي بعدم دستورية هذه القوانين « الفصل 50 من الدستور ». كما أن للمحكمة الدستورية وفقا للفصل 79 من الدستور الاختصاص في الفصل عند إثارة نزاع بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية حول مجال القانون وهذا يجعلها حكما بين سلطتين. وإذا كان للملك السلطة التحكيمية في المجال السياسي بين السلطتين التنفيذية والتشريعية فإن للمحكمة الدستورية السلطة التحكيمية بين السلطتين في مجال القانون. واستنادا على الفصل 96 من الدستور الذي يمنح للملك الحق في حل المجلسين، فإنه لا يمكن القيام بذلك إلا بعد استشارة مسبقة مع رئيس المحكمة الدستورية مقابل فقط قيام الملك بإخبار رئيس الحكومة ورئيسي المجلسين، بينما تنص مقتضيات الفصل 104 من الدستور عن حق رئيس الحكومة في حل مجلس النواب فإن هذا الفصل ألزم رئيس الحكومة باستشارة الملك ورئيس المجلس ورئيس المحكمة الدستورية، ولكن المرسوم يخضع لموافقة مجلس الوزراء الذي يترأسه جلاله الملك ثم يقدم رئيس الحكومة تصريحات أمام البرلمان. وبعد كل ذلك فإن رئيس المحكمة الدستورية وفقا للفصل 44 من الدستور له صفة رئيس مجلس الوصاية وهكذا يتبين من خلال هذه المعطيات أن للمحكمة الدستورية موقعا دستوريا محوريا في أهم محطات الممارسة الدستورية للمؤسسات، مما يجعل على عاتق السادة ممثلي السلطة التشريعية مسؤولية كبرى في إحداث هذه المحكمة، إظافة إلى الفصل 129 المحدث للمحكمة الدستورية، نص الفصل 130 على أن المجلسين ينتخبون ستة أعضاء ثلاثة لكل مجلس كقضاة المحكمة الدستورية وقد اشترط الفصل 130 أن يكون هؤلاء القضاة متوفرة فيهم أربعة شروط: تكوين عالي في مجال القانون وكفاءة قضائية أو فقهية أو إدارية أن يكونوا قد مارسوا مهنتهم لمدة تفوق 15 سنة ومشهود لهم بالتجرد والنزاهة ويقدمون من طرف مكتب كل مجلس وأن يكون التصويت بالاقتراع السري وبأغلبية ثلثي الأعضاء. ونصت المادة الأولى من مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالمحكمة الدستورية على نفس الشروط حينما اعتبر أن المادة الأولى دستورية وقام بتفعيل الفقرة الرابعة منها فيما يهم المناصفة. وفي قرار آخر للمجلس الدستوري ويهم المادة 222 من النظام الداخلي لمجلس النواب فإنه بعد أن أكد على نفس الشروط نص على ضرورة تقديم ملفات المترشحين من طرف مكتب المجلس سواء كانوا من خارج البرلمان أو من بين أعضائه وبكيفية فردية بعد دراستها والتأكد من احترام الشروط المنصوص عليها دستوريا وقانونيا مع إعمال مقتضيات المادة العاشرة من الدستور التي تضمن حقوق المعارضة، و يبقى السؤال محرجا كيف سيتم اختيار السادة القضاة أعضاء المحكمة من طرف ممثلي الأمة وكيف يتم التعامل مع المعايير الواجب إعمالها؟ إن مقتضيات المادة 222 من النظام الداخلي نصت على أن مكتب المجلس يتلقى الترشيحات من قبل الفرق والمجموعات النيابية مما يعني أن هناك إلزامية تقديم هذه الترشيحات من طرف الفرق والمجموعات النيابية، في حين يتم تغييب تقديم الترشيح من طرف أحد نواب الأمة، لكون من يملك سلطة الانتخاب يملك سلطة الترشيح وكذلك احترام حجم الجسم الانتخابي داخل المجلس الذي يجب أن يكون متكون من ثلثي الأعضاء، وهذا يعني في رأيي أن المرشحين حينما يقوم ثلثي أعضاء المجلس بانتخابهم يتم ترتيبهم بعدد الأصوات المحصل عليها باعتبار المرشحين الثلاثة الحاصلين على أعلى الأصوات هم الفائزين، علما أنه يجب تحديد مسبقا المدة التي سيقضيها كل مرشح في مهامه القضائية. إن بث المكتب في المرشحين يفرض سلفا تحديد المعايير فما هو المقصود بالتكوين العالي في مجال القانون، هل هي شهادة الدكتوراه أم ما دونها؟ ثم ما هو المقصود بالكفاءية القضائية هل على المرشح أن يكون المرشح مارس مهنة القضاء أو إحدى المهام المحيطة بالمجال القضائي؟. وماذا يقصد بالكفاءة الفقهية فهل يعني أن تكون له إصدارات أو آراء فقهية في المجال القانوني، ثم الكفاءة الإدارية أي أن يكون المرشح مارس مهام إدارية من المستوى العالي أو المتوسط أو فقط لمدة معينة؟ كما يجعل مكتب المجلس من السادة ممثلي الأمة في مأزق لضبط مفهوم التجرد والنزاهة الذين هما لفضتين نسبيتين يتسمان بالعمومية وصعوبة الضبط إن ترشيح وانتخاب أعضاء المحكمة الدستورية من البرلمان مهمة معقدة ومسؤولية أخلاقية ومسؤولية سياسية، لأن المحكمة الدستورية لها دور مهم وخطير ليس في دورها الدستوري بين مؤسسات الدولة فحسب، ولكن كذلك في ما ينص عليه الفصل 133 من الدستور فيما يهم إختصاصها بالبث في كل دفع بعدم دستورية قانون أثناء جريان المسطرة، وهذه مراقبة بعدية ستهم الترسانة القانونية المغربية كلها وفي جميع المجالات مدنية كانت أم جنائية تجارية أو إدارية اجتماعية أو أحوالا شخصية، وهذا يحتاج إلى قدرة كبيرة في فهم المساطر القضائية وفي استيعاب النصوص الدستورية والإلمام بغاية المشرع، وهذا ما يجعل المجلسين أمام امتحان عسير والذي سيوضح للأمة المغربية مدى قدرة ممثلي الأمة في القيام بمهامهم الدستورية، لكون الموضوع يهم حسن اختيار من هم مؤهلون للقيام بمهام قضائية من مستوى عال، فهل يستطيع كلا المجلسين أن يتجاوزا حساباتهم السياسية ومكوناتهم البرلمانية للتوافق على اختيار مستو عال يشرف المحكمة الدستورية ويشرف المؤسسة التشريعية؟.