للصويرة نيوز/بقلم حميد العاطي الله* يعتبر ملف قضية المغاربة ضحايا الترحيل الجماعي القسري من الجزائر سنة 1975 من بين أهم الملفات الكبرى العالقة بين الدولتين المغربية و الجزائرية ، فهو الملف الحقوقي الإنساني المحض ، الذي اعتبره الخبراء الدوليون في مجال القانون الدولي العام و القانون الدولي الإنساني بجريمة حرب و بجريمة ضد الإنسانية، و حيث أن هذا الملف الإنساني الذي لم تتجرأ أية مؤسسة أو منظمة وطنية أو دولية رسمية أو غير رسمية التطرق إليه أو طرحه بجدية أمام المنابر الدولية الأممية الخاصة بمجال صيانة كرامة حقوق الإنسان أو التهجير القسري لأجل إنصاف هذه الفئة من الضحايا المغاربة الذين تعرضوا لأبشع جريمة ضد الإنسانية التي عرفها القرن العشرين من طرف السلطات الجزائرية و ذلك لرد اعتبار لكرامتهم و استرجاع حقوقهم و ممتلكاتهم المصادرة من طرف الدولة الجزائرية و جبر ضررهم، ، فإنه تم تجاهله دون إعطاء أية جهة مسئولة مبررات و توضيحات كافية حول أسباب عدم تناوله و تطرقه بل محاولة نسيانه و طيه طيلة أزيد من ثلاثة عقود من الزمن . و نظرا للظروف المعيشية الصعبة التي يعيشها بعض من هؤلاء الضحايا المغاربة اليوم، وعدم إيجاد الإستقرار الذاتي لهم من خلال تبعات المأساة اللاإنسانية التي تعرضوا لها سنة 1975 فإنهم يناشدون أصحاب الضمائر الحية المؤمنة بصيانة كرامة حقوق الإنسان وطنيا و دوليا بإنقاذهم من التشرد و الضياع نتيجة إصدار المحاكم الوطنية المغربية بالإفراغ من مساكنهم الوظيفية و الكرائية، كذلك عدم توفرهم على أبسط أمور العيش الكريم مثل التغطية الصحية و السكن الإقتصادي الاجتماعي و راتب تقاعدي مناسب يسد حاجياتهم اليومية و حاجيات أبنائهم العاطلين عن العمل ، بينما حقوقهم و ممتلكاتهم و معاشاتهم مصادرة بالجزائر يتمتع بها مواطنون جزائريون علاوة على أجهزة الدولة الجزائرية الذين استغلوا مناسبة طردهم ليستولوا عليها بالكامل . و حيث أن ملف قضية المغاربة ضحايا الترحيل الجماعي التعسفي من الجزائر سنة 1975 هو ملف الدولة المغربية بامتياز بحكم أن الذين تعرضوا للطرد و سلب ممتلكاتهم من طرف السلطات الجزائرية يعتبرون جالية مغربية مقيمة بالديار الجزائرية بشكل قانوني و شرعي ، و رغم أن الملف طبعه التعتيم الإعلامي في السابق ، فقد أخذ منحى آخر ، بتداوله الآن بشكل جدي و بتضحيات و تحديات كبيرة من قبل جمعيات المجتمع المدني المستقلة، المهتمة في هذا المجال بهذه القضية و بإمكانياتهم المحدودة . فقد عرف قفزة نوعية من خلال التعريف و التحسيس به و نفض الغبار عليه على المستويين الوطني و الدولي و محاولة كسب التعاطف و التضامن مع مؤسسات و منظمات حقوقية رسمية أو غير رسمية أو مع بعض وسائل الإعلام وطنيا و دوليا من أجل دعم و مساندة جهود عمل الجمعيات في إطار الدبلوماسية الموازية التي تنهجها هذه الأخيرة ، و ذلك لتحقيق الأهداف التي تناضل من أجلها و المسطرة في قانونها الأساسي ، كما أنها تسعى بكل جهودها إلى اعتبار قضية المغاربة ضحايا الطرد الجماعي التعسفي من الجزائر على المستوى الوطني قضية وطنية مسؤولية الجميع . و لكي نضع في الصورة الرأي العام الوطني و العربي و الدولي تراجيديا المأساة و المعاناة اللاإنسانية الحقيقية التي تعرض لها مواطنون مغاربة ضحايا الطرد الجماعي التعسفي من الجزائر و التي لا يمكن بأي حال من الأحوال نسيانها من ذاكرتنا و ذلك لجسامة الجرائم و الإنتهاكات المرتكبة في حق آبائنا و أمهاتنا و نحن الأطفال آنذاك الذين عشنا مرارة هذا الظلم و الاضطهاد و الترحيل التعسفي إلى جانب أسرنا المكلومة ، فإننا سنحاول أن نلامس بعض جوانب هذه المأساة الجوهرية التي تمس الكرامة الاجتماعية لهؤلاء في أفق إنصافهم و إعادة الاعتبار إليهم ، و رفع الظلم الذي تعرضوا له من طرف سلوك النظام الجزائري سنة 1975 ، حيث كشفت الممارسة السياسية للنظام الجزائري اتجاه المغاربة المقيمين بطريقة قانونية بالجزائر عن أزمة حضارية تتعارض و طبيعة الانتماء الحضاري الواحد و تسيء إلى القيم الإنسانية و التاريخية و الاجتماعية و الدينية و اللغوية و النضالية المشتركة بين الشعبين الجزائري و المغربي . ما إن بدأت المملكة المغربية بتقديم مطالبها لاسترجاع أقاليمها الصحراوية من المستعمر الإسباني، حيث نظمت في هذا المجال المسيرة الخضراء التي ذاع صيتها في سائر بقاع المعمور، حتى ثارت ثائرة الجارة الشقيقة الجزائر، فتوثرت العلاقات الجزائرية المغربية لأسباب سياسية، وكان الضحية الأكبر لهذا الخلاف القائم بينهما ، المغاربة المقيمون على التراب الجزائري بطريقة قانونية و شرعية منذ عقود من الزمن و قبل استقلال الجزائر، والذين ساهموا بقسط وافر في تنمية الجزائر اقتصاديا، بل منهم من استشهد في سبيل تحرير وحرية استقلال الجزائر، ومنهم من لا يزاال يعاني من إعاقات جسدية نتيجة مساهمته في الثورة الجزائرية، وبكل همجية ودناءة ، لم يعرف التاريخ المعاصر نظيرها، سيما أنها مقترفة من دولة تربطها بالمغرب أواصر الدم واللغة والدين والجوار، فالتجأت إلى الأسهل، ألا وهم المغاربة المتواجدون بالجزائر، وهم أناس بسطاء لا ذنب لهم سوى أنهم يحملون الجنسية المغربية، فقامت بطردهم طردا عشوائيا، همجيا، لا إنسانيا وبدون سابق إنذار ووجه حق ، وذلك في 08 دجنبر سنة 1975 بعد أن أعلن خلالها الرئيس الجزائري الراحل الهواري بومدين في خطابه التهكمي الشهير على أمواج الإذاعة و التلفزة الجزائرية أنه سينظم مسيرة سوداء و كررها بمسيرة الدموع من الجزائر إلى المغرب وذلك ردا على تنظيم المغرب للمسيرة الخضراء من أجل استرجاع أقاليمه الصحراوية من المستعمر الإسباني ، وكان عددهم يناهز أكثر من 45 ألف أسرة مغربية، حيث قامت السلطات الجزائرية بمداهمات واعتقالات واقتيادات إلى مخافر الشرطة، رجالا ونساءا وأطفالا دون تمييز، فصادرت عقاراتهم ومزارعهم ومتاجرهم وشركاتهم ومعاشاتهم وأرصدتهم في البنوك وغيرها من الممتلكات التي أصبحت غنائما لهم، فتم تسجيل مجموعة من الإنتهاكات اللاأخلاقية التي لا تمت بصلة للتحضر ولا لروح الإسلام بسبب هذا الفعل الحاقد و تعبير الموقف الإنتقامي السياسي الجزائري الذي تضمن العنصرية، الشتم، الضرب، الإهانة والاعتقال التعسفي و الاغتصاب بالمخافر و تفريق و تشريد الأسر و العائلات و التخويف و التجويع و الترهيب و سلب الحقوق و الممتلكات مما يجعل هذا الطرد جريمة ضد الإنسانية بامتياز و هي محرمة في القانون الدولي و المواثيق و الأعراف و المعاهدات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان و بحقوق العمال المهاجرين ، وقد حاولت السلطات الجزائرية مساومة المغاربة المطرودين من أجل البقاء والإقامة بالجزائر دون أن يمسهم أحد بإغرائهم، شريطة حملهم الجنسية الجزائرية أو اعترافهم بجبهة البوليساريو، أو المساهمة المادية لفائدتها، لكن فَضَّل المغاربة المقيمون بالجزائر، عدم الرضوخ للإغراءات والإملاءات الجزائرية مع عدم بيع هويتهم الوطنية، و إن كان السبب الرئيسي يكمن في العمق في محاولة فاشلة للنظام الجزائري بمساس بمصالح الدولة المغربية وفي هذا الصدد تم تسجيل مجموعة من الوفيات خاصة في صفوف المرضى الذين كانوا طريحي الفراش في المستشفيات الجزائرية،وكذا نتيجة تكدس أعداد كبيرة في وسائل النقل أثناء اعتقالهم ورميهم في الحدود بدون شفقة أو رحمة، وقد تزامنت فترة الطرد الجماعي التعسفي من الجزائر سنة 1975 و هذه الإنتهاكات اللاإنسانية مع ذكرى تخليد العالم لليوم العالمي لحقوق الإنسان و مع مناسبة غالية و مقدسة عند كافة المسلمين و هي عيد الأضحى المبارك ، فترتبت عن هذه الإنتهاكات الهمجية تصدع نفسية المطرودين مع تدمر معنوياتهم، مما أثر سلبا على صحتهم، وكل هذه المعاناة و الجرائم الهمجية المرتكبة في حق هؤلاء أبرياء المغاربة ، تحاول السلطات الجزائرية طي هذا الملف متناسية أن حتى الأطفال الذين عاينوا مرارة هذه المأساة و المعاناة إلى جانب أسرهم أصبحوا الآن شبابا ، فأخذوا على عاتقهم جمع شمل أسر الضحايا وانخرطوا في تأسيس إطارات جمعوية ذات طابع حقوقي إنساني اجتماعي محض ، بعد تجاهل و عدم الإهتمام التام بهذه القضية من قبل المؤسسات و المنظمات و الهيآت الوطنية و الدولية. و هي تهدف إلى التعريف و التحسيس بقضيتها الحقوقية المشروعة و الدفاع عنها في جميع المحافل الوطنية و الدولية الأممية الخاصة بمجال حقوق الإنسان أو التهجير القسري ، و من بين أهم مطالبها فتح تحقيق عن مجريات أحداث الترحيل الجماعي التعسفي للمغاربة من الجزائر سنة 1975 مع المطالبة بإرجاع كل الممتلكات المصادرة من الجزائر أو ما يقابلها ماديا، كذلك المطالبة بتعويض كل المتضررين المتعسف عليهم جراء ما لحق بهم من أضرار جسمانية أو نفسية أو معنوية، إضافة إلى المطالبة بالاعتذار الرسمي من طرف السلطات الجزائرية لفائدة الضحايا المغاربة باعتبارها المسئولة عن هذه المأساة وعن هذه الجريمة اللاإنسانية التي دخلت التاريخ بها من بابه الواسع ، إلى جانب مطالبة الدولة الجزائرية بالتزام بتفعيل التوصيات الصادرة بتاريخ 10 ماي 2010 من قبل اللجنة الدولية الأممية لحماية حقوق العمال المهاجرين و أفراد أسرهم الداعية إلى استرجاع حقوق و ممتلكات العمال المغاربة المهاجرين و تعويضهم بشكل عادل و مناسب و جمع شمل الأسر و العائلات المغربية بذويها الباقين في الجزائر، و عدم تطبيق قانون مالية الجزائر لسنة 2010 الداعي إلى تأميم ممتلكات العمال المغاربة المهاجرين لسنة 1975 بدعوى أن هؤلاء العمال المغاربة المهاجرين بالجزائر لم يتم التخلي عن حقوقهم و ممتلكاتهم و إنما تم طردهم بشكل جماعي تعسفي و بدون وجه حق كذلك مطالبة المؤسسات الرسمية الوطنية و الدولية بتحمل مسؤوليتها في دعم هذه الجمعيات المهتمة بملفنا الحقوقي الإنساني و بتدخل لذا جميع الأطراف المعنية بهذه القضية من أجل إيجاد حل و تسوية نهائية،لأنه لا يمكن لضحاياه التنازل عن قضيتهم و نسيان معاناة آلامهم جراء الانتهاكات اللاإنسانية الجسيمة التي مورست في حقهم ، حتى و إن عاد الدفىء و الصفاء إلى العلاقة المغربية الجزائرية . إن انفتاح العالم اليوم على جروحه و محاولة التئامها بنهج أسلوب المصالحة و تجاوز أخطاء و جراحات الماضي من أجل بناء مستقبل يتسع للجميع و يتقاسم فيه الكل قيم الحب و الأمن و السلام و التنمية و التقدم و التسامح و الثقة ، يفرض على النظام الجزائري تصحيح أخطائه التاريخية المرتكبة و الأليمة و المساهمة الفعلية و الإيجابية في بناء مستقبل اتحاد المغرب العربي بالانفتاح على كل المقترحات و المبادرات الإيجابية في هذا المجال ، و تجاوز المآسي الاجتماعية التي خلفها الماضي باختلاط و تشابك السياسي بالاجتماعي و الإنساني بالإيديولوجي . فشعارنا جميعا : من أجل كرامتنا و حقوقنا، نضالنا مستمر * حميد العاطي الله : من المغاربة ضحايا الطرد التعسفي من الجزائر سنة 1975