ذهبت أحلام الكتاب الأخضر مع أدراج الرياح. تهاوت إلى غير رجعة كما يتهاوى صاحبها الآن، لم يكن أحد من جيل السبعينات والثمانينات يظن أن النظرية الثالثة التي بشر بها العقيد معمر القذافي تحمل تناقضا ذريعا بين الواضع والموضوع. إنها صور مأساوية تلك التي تطل علينا صباحا ومساء عبر الانترنيت، صور تؤكد أن ثورة الشعب الليبي الشقيق كشفت بمرارة عن الوجه الكانيبالي الشرس لدكتاتور عربي مخبول بعشق الزعامة، تجاوز ضحاياه الأبرياء ألآف الشهداء والجرحى، ولم يرتو غليله إلى الدم بعد، انه نيرون يستيقظ من قبره ليحرق شعبه في ليبيا، لا لشيء إلا لأن هذا الشعب المقهور منذ أكثر من أربعين سنة خرج من قمقم التجهيل والتهميش ليقول بجرأة وشجاعة لا.. لا لجماهيرية خادعة مزيفة، تتقنع بالفكر الثوري لتخلق ملك ملوك إفريقيا، ملك عابث بالثروة.. عابث بالمفاهيم ..عابث بالأسماء والأشياء والدماء.. كان وقع احتجاج الثوار أقوى على دكتاتور لا يرى في الوجود ثائرا عالميا غير نفسه.. فهو مجد ليبيا ومجد إفريقيا ومجد العرب ومجد المسلمين ومجد العالم.. هو من خلق ليبيا – والعياذ بالله- وهو من يفنيها، ” إما أن أحكمكم وإما أن أقتلكم ” ( تصريح لعبد الرحمن شلقم بعد تبرئه من نظام القذافي ).. وفي آخر إطلالته يبشر الزعيم شعبه بالدمار المبين،” تصبح ليبيا حمراء.. تصبح جمرا..”، انه نيرون يبعث من جديد، بعد أكثر من ألفي سنة، ليعزف إلياذة هوميروس على سيمفونية الدم والنار، لكن هذه المرة مع الأسف يعزفها على مرأى ومسمع العالم المتحضر..عالم أمريكا/الديمقراطية، وأوربا/الحرية، وروسيا/الاجتماعية، عالم الأممالمتحدة، وجامعة الدول العربية، والاتحاد الإفريقي، والاتحاد المغاربي. أليس من حق الشعب الليبي المغيب خلف بور تري جنرال الوهم أن يتظاهر؟ أليس من حقه أن يصرخ وقد نخره الحرمان والتجهيل والمرض وهو يصحو وينام على آبار غائرة من البترول والغاز؟ أليس من حقه أن يثور ويحتج وقد لقنه عمر المختار منذ عشرات السنين أنه شعب إما أن ينتصر وإما أن يموت؟.