ماذا عسى الإنسان أن يقول في حق رجل من حجم العلامة الأستاذ أحمد الهدري، ومن أين يمكن أن يبدأ من يريد التحدث عن شخصية فذة اجتمعت فيها كل المواهب، وتجسدت فيها كل المزايا والصفات الحميدة، فالأستاذ الراحل كان شاعرا لامعا تهابه القوافي ويركع أمامه يراعه شيطان الشعر صاغرا ذليلا. كان رحمه الله لا يترك مناسبة من المناسبات الدينية أو الوطنية أو الاجتماعية أو الأدبية أو الفنية إلا وكان حاضرا متميزا فيها بروعة بيانه وجودة أبياته. وبحق فإن ما تركه المرحوم من تراث شعري يمكن أن يتجاوز عشرات الدواوين لو كتب له أن يطبع ويخرج للسوق، وهذه كانت دائما رغبة أستاذنا الجليل وقد سعى لتحقيقها طوال حياته ولكن مع الأسف الشديد حالت الظروف دون ذلك. والأستاذ أحمد الهدري كان باحثا مجتهدا في التراث والتاريخ مولعا بتقليب صفحاته وسبر أغواره، وله في هذا الباب بحوث كثيرة يجب أن تجد من يعتني بها العناية اللازمة ويعمل على أن يطلع عليها المهتمون بهذا المجال لما لها من قيمة. والمرحوم أيضا كان موسيقيا، وهذه خاصية قد تغيب عن الكثير، نعم موسيقيا يجيد العزف على الكمان، وله اهتمام خاص بالموسيقا الأندلسية وموسيقاالملحون وقد ألف عشرات القصائد في هذا الباب. والأستاذ أحمد الهدري رحمه الله كان فقيها متضلعا في علوم الدين، وعضوا بارزا في المجلس العلمي الإقليمي بمراكش، له جلسات على امتداد الأسبوع بمختلف مساجد المدينة وخاصة بالمسجد المحبب إلى نفسه كثيرا مسجد الزاوية القادرية حيث كان يتحلق حوله عشرات المؤمنين من مختلف الأعمار ينقلون عنه أمور الدين والدنيا بأسلوبه السلس والبسيط والممزوج دائما بالنكتة والمرح. والأستاذ أحمد الهدري كان أيضا خطيبا جمعيا مفوها تشهد له بذلك منابر المساجد التي اعتلاها وبصفة خاصة مسجد الغزوة والزاوية الركراكية، والأستاذ أحمد الهدري فوق هذا وذاك كان إنسانا رائع الخصال، جم الأدب، سمته التواضع للجميع ومع الجميع حيث كان يخالط كل الفئات، ويهتم بأمور وأحوال الناس على اختلاف طبقاتهم وتمايز أفكارهم وانتماءاتهم، كان رحمه الله أبا للصغير وأخا للكبير لا يبخل أبدا بأفكاره وعلمه على من قصده. هذا غيض من فيض وقليل من كثير في حق رجل من طينة أستاذنا أحمد الهدري الذي فقدته الصويرة في 22 يوليوز 1993 ففقدت فيه أحد أبنائها المميزين وأحد أساتذتها اللامعين ووطنييها المخلصين. لقد مرت الذكرى السادسة عشرة لوفاته منذ حوالي ستة أشهر، فهل أوفينا هذا الرجل حقه ؟ سؤال نوجهه إلى تلامذته ومعارفه وإلى الفعاليات الجمعوية الثقافية والأدبية والتربوية وما أكثرها بهذه المدينة، وإلى "إخوانه" بالصويرة الذين تقاسم معهم هموم فعل ساس ويسوس ...؟