وراء كل جريمة سياسية فكر وإيديولوجية،وكل فكر وأيديولوجيا نتاج لثقافة ومنتج لها في نفس الوقت،وبالتالي فللجريمة السياسية قاتلان:الأول مباشر أو مُطلق النار،والثاني غير مباشر وهو الثقافة والفكر المحرض على القتل. فكر وثقافة خطيران ووافدان بدءا يتغلغلان في المجتمع الفلسطيني الذي عُرف عبر التاريخ بأنه مجتمع تسامح، قتلا فيكتوريو أرغوني في غزة. جريمة اغتيال فيكتوريو اريغوني في غزة من طرف جماعة تركب موجة التدين والأسلمة لها دلالاتها وتداعياتها الخطيرة إذا وضعناها في سياقها ألزماني والمكاني.فزمنيا تأتي الجريمة في الوقت الذي فيه الفلسطينيون بأمس الحاجة لدعم وتأييد الرأي العالم العالمي لمواجهة استحقاقات الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة من جانب ولتكثيف الضغوط على إسرائيل لفك الحصار نهائيا عن القطاع،وتأتي وفي الوقت الذي يخوضون فيه الفلسطينيون معارك سياسية ودبلوماسية وقانونية في المحافل الدولية وعند الرأي العام العالمي لكشف الجرائم الصهيونية ومحاكمة قادة الحرب الإسرائيليين . ومكانيا تحدث جريمة الاغتيال في قطاع غزة حيث يشد المتعاطفون مع عدالة قضيتنا الرحال ليعبروا عن تضامنهم مع عدالة القضية،وكان فيكتوريو أحد هؤلاء الذين كسروا الحصار حيث تعايش مع فلسطينييغزة لثلاثة أعوام وكان صلة الوصل بين فلسطينالمحتلة والمؤيدين لها في العالم وخصوصا في بلده إيطاليا ،ولإيطاليا مكانة خاصة في حملات فك الحصار لأن كثيرا من المتعاطفين جاءوا من إيطاليا ولأن سفن فك الحصار تنطلق من هناك أو تمر عبرها،وكأن قتلة فيكتوريو كانوا يوجهون رسالة للشعب الإيطالي لردعه عن التعاطف مع الشعب الفلسطيني وإظهار أن الفلسطينيين ليسوا أوفياء لمن يساعدهم وأن قطاع غزة أرض غير آمنة للأجانب وهي نفسها الرسالة التي تحاول إسرائيل توصيلها للعالم .أيضا تأتي الجريمة في الوقت التي تدعي إسرائيل أن غزة باتت وكرا لتنظيم القاعدة وغيرها من التنظيمات المتطرفة. جريمة اغتيال فيكتوريو تستحضر جريمة اغتيال راشيل كوري قبل سنوات في رفح بقطاع غزة ،وراشيل كوري شابة أمريكية تركت أهلها وموطنها لتحضر لفلسطين معلنة تضامنها مع الفلسطينيين، فقتلتها عن عمد جرافة إسرائيلية ،وبالرغم من أن قتلة فيكتوريو فلسطينيو الجنسية للأسف إلا أن الجريمة تخدم نفس الهدف الذي تسعى إليه إسرائيل وهو منع المتضامنين من الحضور لفلسطين حتى لا يكشفوا جرائمها وحتى لا يكونوا شهود عيان على هذه الجرائم والكل يتذكر أيضا ما قامت به إسرائيل بحق المتضامنين على ظهر سفينة مرمره . ولكن، لا يكفي أن نشير بأصابع الاتهام لإسرائيل لكونها مستفيدة من جريمة اغتيال فيكتوريو،ففي غزة تتشكل بيئة من التطرف والانغلاق الديني تسمح لجماعات أن تمارس القتل باسم الدين وأن تفتي محرمة ومحللة كما يحلو لها بحيث بات كل مواطن من خارج ظاهرة التدين الشكلاني والسياسي يشعر بالخوف والقلق على نفسه وأسرته وعلى مستقبل قطاع غزة،وقد سبق وأن تم تفجير محلات حلاقة سيدات ومقاهي للشباب ومحلات بيع أشرطة تسجيل والتعرض لفتيات بتهمة التبرج ،وفي كل شوارع وأزقة غزة تنتشر اللافتات والشعارات الدينية متضمنة كل مالا يخطر على بال من فتاوى التحليل والتحريم والوعد والوعيد،وكل شعار يعكس رؤية جماعة من الجماعات العديدة التي تتنافس على استقطاب شباب انغلق أمامهم أفق التعليم والعمل،بل وصل الأمر لمداهمة مكتبات ومصادرة كتب بحجة مخالفتها للشريعة. عندما تلتقي ممارسات بعض الجماعات التي تَنسب نفسها للإسلام كالتي قتلت فيكتوريو مع أهداف إسرائيلية،وعندما تتغذى هذه الجماعات من بيئة وثقافة تشجعها السلطة القائمة أو تشكل المرجعية الأيديولوجية لهذه السلطة ،آنذاك يجب دق ناقوس الخطر والالتفات إلى الوضع الداخلي ومحاولة تحصينه ليس فقط امنيا بل ثقافيا وديمقراطيا. في حالة استمرار الانقسام ووقف المقاومة فإن فرص ارتداد العنف داخليا تكون كبيرة،وحيث لا توجد ثقافة داخلية تبرر العنف سوى الثقافة الدينية المغلقة،وحيث أن جماعات دينية خارجية كثيرة تسعى لملئ فراغ ساحة المقاومة الناتج عن توقيف الفصائل الفلسطينية - وخصوصا حركتي حماس والجهاد الإسلامي - للعمليات الجهادية ،فإن قطاع غزة مقبل على وضع خطير. Ibrahem_ibrach_(at)_hotmail.com www.palnation.org